الإثنين , نوفمبر 25 2024
الجولاني بين إدلب

الجولاني بين إدلب وأوكرانيا … رسائل روسية لواشنطن وأنقرة

الجولاني بين إدلب وأوكرانيا … رسائل روسية لواشنطن وأنقرة

ثمة معركة إعلامية ذات مضمون أمني وسياسي تدور رحاها بين موسكو وواشنطن حول كيفية التعاطي مع شخصية أبي محمد الجولاني زعيم “هيئة تحرير الشام” (“جبهة النصرة” سابقاً) ومدى إمكان إعادة تلميع صورته تمهيداً لإعطائه دوراً سياسياً في مستقبل سوريا. وتمثل آخر فصول هذه المعركة في كلام صدر عن موسكو أمس الجمعة حول انخراط “هيئة تحرير الشام” في التخطيط للقيام بعملية إرهابية فوق الأراضي الروسية.

وذكرت هيئة الأمن الفدرالي الروسية أنها ألقت القبض على شخصين من أنصار “هيئة تحرير الشام”، وهما مواطنان روسيان من مواليد عامي 1992 و1999، كانا يخططان لتنفيذ هجوم مسلح باستخدام عبوات ناسفة في إحدى المؤسسات التعليمية في عاصمة جمهورية القرم سيمفروبول. وأشارت الهيئة إلى أن المتشددين كانا يخططان، بعد تنفيذ الهجوم للتوجه عبر أوكرانيا وتركيا إلى سوريا للانضمام إلى صفوف المسلحين.

وجاء الإعلان الروسي من حيث توقيته متزامناً مع تطورين مهمين، هما بث أجزاء من مقابلة الجولاني مع الصحافي الأميركي مارتن سميث والتي تضمنت للمرة الأولى حديثاً صريحاً عن تقاطع مصالح استراتيجي بين “هيئة تحرير الشام” والولايات المتحدة بخصوص مستقبل محافظة إدلب،

وكذلك مع تصاعد التوتر بين روسيا وأوكرانيا والذي من المتوقع أن يسيل لعاب دول كثيرة لتوظيفه بما يخدم مصالحها، ولا تبدو تركيا بعيدة من القيام بهذا الدور، خصوصاً مع تواتر معلومات وأنباء عن إيعازها لفصائل سورية موالية لها للاستعداد لكل الاحتمالات بما فيها احتمال إرسال مرتزقة سوريين إلى أوكرانيا.

الكشف الروسي عن المخطط الإرهابي تضمن في الواقع رسالة مركبة حاولت الجمع بين تداعيات التصعيد مع أوكرانيا وخشية موسكو من تهديده للأمن القومي الروسي، وبين رفض موسكو لرؤية أميركية بدأت تعبّر عن نفسها في شكل علني حول ملف إدلب وتوزيع الأدوار فيه بين الفرقاء المتصارعين،

حيث برز مؤخراً ميل أميركي نحو إسناد دور ما لزعيم “هيئة تحرير الشام” أبي محمد الجولاني في إدارة هذا الصراع، إما نحو حل سلمي يكون له فيه دور سياسي، أو من أجل عرقلة “الحل العسكري” الذي قد لا تجد موسكو بداً منه في ظل عجز تركيا عن الوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاقات التهدئة

وليس من قبيل المصادفة أن يتضمن الخبر الذي أوردته الوكالات الروسية ذكراً لجميع هذه الأطراف من “هيئة تحرير الشام” إلى كل من أوكرانيا وتركيا.

الرسالة المزدوجة التي حاولت موسكو إيصالها تنطوي على تهديد مبطن في أن تنظيماً إرهابياً بدأ يحاول اللعب في ملف الصراع الروسي الأوكراني وذلك بتسهيل مقصود أو غير مقصود من قبل كل من كييف وأنقرة (باعتبارهما دولتي عبور كان المعتقلان ينويان استخدام أراضيهما للوصول إلى سوريا بعد التنفيذ).

ومن شأن هذه الرواية أيضاً، أن تنسف الادعاءات التي أدلى بها الجولاني في مقابلته مع سميث حول عدم وجود نية للهيئة في تنفيذ عمليات خارج الأراضي السورية.

وبما أن هذا الادّعاء يمثل جوهر عملية إعادة التلميع التي يخضع لها الجولاني منذ نحو سنتين من أجل تصدير صورة معتدلة عنه وعن فصيله، فإن الرسالة الروسية تكون واضحة برفض هذه العملية والعمل على مواجهتها إعلامياً وأمنياً. ويعكس ذلك خلافاً حاداً بين موسكو وواشنطن حول مصير محافظة إدلب وتحت سيطرة أي طرف ينبغي أن ينتهي بها المطاف.

وأقر جيمس جيفري الذي عمل سفيراً للولايات المتحدة في إدارات جمهورية وديموقراطية ومؤخراً كممثل خاص للمشاركة في سوريا ومبعوث خاص “للتحالف الدولي لمحاربة داعش” خلال إدارة ترامب، أن “هيئة تحرير الشام” كانت تمثل رصيداً لاستراتيجية أميركا في إدلب.

ومن جهته، اعتبر الجولاني أن “دوره في محاربة الرئيس السوري بشار الأسد وتنظيم “داعش”، وفي السيطرة على منطقة يعيش فيها ملايين النازحين السوريين الذين من المحتمل أن يصبحوا لاجئين، يعكس المصالح المشتركة مع الولايات المتحدة والغرب”.

هذا الغزل المتبادل بين “هيئة تحرير الشام” ومسؤول أميركي (سابق) والحديث للمرة الأولى عن تقاطع مصالح بين الطرفين، يعود بجذوره إلى محاولات أميركية سابقة سعت من خلالها واشنطن لإعادة تقييم “هيئة تحرير الشام” ومنحها لقب “الاعتدال” بعد سنوات من تصنيفها على قوائم الإرهاب.

وكان كشف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن مسعىً أميركي لفرض اعتدال “هيئة تحرير الشام” على أعضاء مجلس الأمن الدولي. وقال لافروف في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر أيلول (سبتمبر) عام 2019: “في الولايات المتحدة الأميركية، بدأوا بالفعل يتحدثون بصوت عالٍ عن أن هيئة تحرير الشام هي هيكل معتدل يمكن التعامل معه”،

وأضاف: “يتم الحفاظ على جداول الأعمال المخفية في مجال مكافحة الإرهاب، على الرغم من قرارات مجلس الأمن الملزمة للجميع بإدراجها في قوائم المنظمات الإرهابية، فقد أصبح بالنسبة إلى بعض البلدان قاعدة لإخراج الإرهابيين من تحت الضرب وحتى إقامة تعاون معهم على الأرض، كما يحدث هذا، على سبيل المثال، في أفغانستان وليبيا وسوريا”.

ومن خلال رواية المخطط الإرهابي، فإن موسكو لا تحاول فقط مواجهة المساعي التي تبذلها بعض الجهات الأميركية من أجل فتح باب التعاون مع “هيئة تحرير الشام” تحت ذريعة تخليها عن الإرهاب وجنوحها نحو الاعتدال وحسب، بل هي توجه رسائل مبطنة إلى كل من تركيا وأوكرانيا في أن الصراع في شبه جزيرة القرم والمناطق الأخرى المتنازع عليها مع أوكرانيا لن يكون مشابهاً للصراع في أقليم ناغورنو كراباخ في أذربيجان، وأن موسكو ستتعامل معه في شكل مختلف تماماً.

وقد يكون التمهيد الإعلامي حول انخراط جماعة إرهابية في شبه جزيرة القرم بمثابة تهديد موجه إلى تركيا في شكل خاص لتحذيرها من إرسال مرتزقة إلى أوكرانيا لأن روسيا ستواجههم في أوكرانيا بالصفة نفسها التي ستقاتلهم بها في إدلب وهي أنهم مجرد عناصر إرهابية لا أكثر.

النهار-عبدالله سليمان علي

اقرأ ايضاً:تركيا تبدأ ببناء حدود على عمق 32 كم داخل سوريا