هل ستصبح سوريا ساحة لتحالف عالمي جديد بين الصين وروسيا وإيران؟
منذر محمد
أبرمت إيران والصين اتفاقية شراكة اقتصادية لمدة سبعة وعشرين عاماً، في السابع والعشرين من شهر مارس/آذار الماضي، الأمر الذي قد يمهّد لبداية تقويض العقوبات الاقتصادية، التي تفرضها الولايات المتحدة الأميركية على إيران، ويزيد، في الوقت نفسه، النفوذ الاقتصادي للصين في المنطقة، من بوابة التوسع الإيراني في الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من عدم وضوح كثير من معالم هذه الاتفاقية، ظهرت آراء متباينة، بين المتابعين والمحللين، حول أبعادها ودلالاتها، وتأثيرها على دول المنطقة، وخاصةً سوريا، فثمة كثير من المحللين يؤكدون أن هذه الاتفاقية مبالغٌ في شأنها، ولن تؤدي لتغيّرات أساسية في الأوضاع الإقليمية والدولية، في حين يرى آخرون أن العلاقات بين الصين وإيران وروسيا تزداد قوةً ومتانةً، في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية، ويمكن أن تكون سوريا الرقعة الجيوبوليتيكية الأكثر صلاحية لاختبار نتائج تطوير العلاقات بين البلدان الثلاثة، لما تتمتع به الجغرافية السورية من أهمية، ضمن مشروع الاقتصادي والاستراتيجي الصيني الضخم، المعروف باسم “الحزام والطريق”.
ولمعرفة مزيد من الوقائع، والتطورات المستقبلية المتوقعة، التي من الممكن أن تفرزها هذه الاتفاقية، التقى موقع «الحل » عدداً من المحللين والباحثين الاستراتيجيين، المتابعين للمستجدات والتطورات الدولية والإقليمية.
ما تأثيرات وانعكاسات الاتفاق على سوريا؟
“د. كرم شعار”، الباحث في “معهد الشرق الأوسط” في واشنطن، يرى أن هذه الاتفاقية مبالغٌ في تقديرها، ويقول: «لا يمكن وصفها أصلاً بالاتفاق، فهي عبارة عن وثيقة تفاهم بين الطرفين، تنصّ على الاستثمار في مختلف القطاعات بشكل عام، دون تحديد الاستثمارات المُتفق عليها بشكل واضح».
وأردف بالقول، في حديثه لـ«الحل»: «لا شك أن سوريا ستتأثر بهذه الوثيقة، في حال دخولها حيّز التنفيذ العملي، ولكن التأثيرات باعتقادي ستكون بشكل غير مباشر، لأن الصراع السوري لم يعد شديد الأهمية والأولوية، ضمن منظور الدول الغربية، وبالتالي لن تغيّر هذه الدول استراتيجياتها تجاه سوريا».
الباحث الاستراتيجي “د. أحمد الدرزي‘” لديه رأي آخر، يوضحه بالقول: «يجب النظر إلى هذه الاتفاقية من زاوية صراع القوى الدولية والإقليمية فيما بينها، فقد تبيّن بعد توقيع الاتفاقية أن إيران محور التجاذب الدولي، لحسم خيارات مستقبل النظام العالمي، بين البقاء على قطبيته الواحدة، أو الوصول إلى نظام دولي متعددة الأقطاب».
ويضيف: «من هنا تأتي أهمية الاتفاق الإيراني الصيني، خاصةً مع رغبة الولايات المتحدة بإبعاد إيران عن التحالف غير المعلن بين موسكو وبكين وطهران، وهذا سيترك آثاراً على الساحة السورية، خاصة إذا أصرّت طهران على مشروعها، الذي يسعى لإخراج القوات الأمريكية من غرب آسيا. وكذلك إذا استمرت الولايات المتحدة بسعيها لتأمين أوضاع المنطقة، قبل تخفيف وجودها فيها، والانتقال التدريجي نحو جنوب شرق آسيا، لمواجهة الصين».
‘”فراس إلياس‘”، الباحث المتخصص في الشؤون الاستراتيجية والأمن الإقليمي، يعالج المسألة من الزاوية الصينية، مؤكداً: «أسس اتفاق الشراكة بين الصين وإيران الأرضية لبناء شراكات جديدة في المنطقة، قد تجد فيها الصين وسيلة لمواجهة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بدلاً من مواجهتها في شرق آسيا».
متابعاً في حديثه لـ«الحل»: «سعت إيران، خلال الفترة الماضية، إلى البدء بمشروع الربط السككي مع بغداد، من أجل تسهيل الطريق نحو العمق السوري، وصولاً إلى المتوسط، وهو أمر مفيد للغاية بالنسبة للصين، ولذلك فمن شأن اتفاقيتها مع إيران أن تؤمن وصولها إلى سوريا والمتوسط، ومن ثم إلى أوروبا، ما قد يؤدي إلى مزيد من التزاحم السياسي والاستراتيجي في الداخل السوري».
ما أبعاد الاتفاق على إدارة بايدن؟
«المعادلة السورية معقدة للغاية، وإدارة جو بايدن لم تقترح حلولاً سياسية في سوريا، سوى التأكيد على البعد الإنساني والإغاثي، لذلك من شأن توقيع الاتفاقية بين الصين وإيران، إلى جانب التواجد الروسي والتركي في سوريا، أن يزيد من تعقيد المسألة السورية على بايدن، ما قد يعرقل أية مبادرات قد تقدم عليها إدارة الرئيس الأميركي، خصوصاً أن الاتفاق الصيني الإيراني يستهدف الحدود السورية العراقية، حيث تتواجد القوات الأمريكية، وعلى ما يبدو فإن الصين استقرأت التوجه الأمريكي نحو الشرق، وترى أن الرد الأمثل هو التوجه نحو الغرب»، يقول “إلياس”.
ومن جانبه يرى “‘د. أحمد الدرزي” أن «الاتفاق سيعزز من قدرة إيران على إيجاد حل سياسي في سوريا بالشراكة مع موسكو، ويزيد من إمكانيات دمشق على اتخاذ موقف متصلّب، ورفض أي حل سياسي تطرحه إدارة جو بايدن، ما سيزيد من سوية الصراع السياسي بين المحور الغربي، بقيادة واشنطن، وبين عواصم المحور الآسيوي الثلاث: طهران وموسكو وبكين».
أما “د. كرم شعار” فيعلّق على هذه النقطة بالقول :«الغرب ينظر إلى المسألة السورية بوصفها غير منفصلة عن المسألة الإيرانية، ومن الممكن أن يستخدم الاتفاق، أو الوثيقة، ورقة ضغط في مواجهة الدول الغربية، ورغم هذا لا أعتقد أن تكون ورقة فعّالة، أو أن تثير اهتماماً أميركياً كبيراً».
هل سيزيد الاتفاق من التواجد الإيراني في سوريا؟
“د. أحمد الدرزي” يجيب على هذا السؤال بالقول: «تسعى بكين للوصول إلى شرق المتوسط براً، عبر العراق وسوريا، لمواجهة القواعد العسكرية الأمريكية في “التنف” وشمال شرق سوريا، التي تطل على ممرات مهمة لمشروعها الاستراتيجي، التي تطلق عليه اسم “الحزام والطريق”، ومن جانب آخر تواجه #روسيا تهديدات أميركية متصاعدة، في أكثر من منطقة في العالم، وخاصة سوريا، التي تحوّلت إلى مستنقع لإغراق روسيا في تعقيدات ميدانية وعسكرية، باستخدام القوى الجهادية في إدلب، وتعويم جبهة النصرة، ونزع صفة الإرهاب عنها، وهنا تشكل الخبرة الإيرانية المتعاظمة في العراق وسوريا ضرورةً لبكين وموسكو، ما سيزيد من اعتمادهما على طهران في المنطقة، ويعزز الوجود الإيراني، وربما سيصبّ كل هذا بالمحصلة في مصلحة دمشق».
‘”فراس إلياس”‘ يرى بدوره أن الاتفاق مسار جديد للسياسة الإيرانية في سوريا، مؤكداً: «سيمنح هذا الاتفاق أكثر من مبرر لإيران لتوسيع تموضعها الجيوسياسي في سوريا.
“د. كرم شعار” يصرّ على التقليل من أهمية الاتفاقية، فهو يتفق مع كثير من المحللين، الذين يؤكدون أن الوجود الإيراني في سوريا تحدده عوامل أكثر تعقيداً، تتعلق بالعلاقة مع واشنطن، ومفاوضات الاتفاق النووي، وغيرها من الأمور، ولن تكون الوثيقة، التي وقعتها إيران مع الصين، ذات تأثير حاسم على تواجدها في سوريا.
الحل