كارثة الهند الوبائية بفيروس كو رو نا.. مسبباتها وخلفياتها
في ظل الكارثة الوبائية التي تشهدها الهند في الآونة الأخيرة مع الانتشار الكبير لفيروس كورونا، يعود الحديث إلى أهمية الإجراءات الوقائية في الحد من انتشار الفيروس، إذا تعاني الهند تساهلاً واستهتاراً في ما يخص تطبيق الإغلاق والالتزام بالإجراءات الوقائية.
وعلى الرغم من انتشار فيديوهات تظهر تشدد الشرطة في تطبيق الإجراءات ومعاقبة كل من لا يرتدي الكمامة، إلا أن غالبية الأحياء والشوراع الفقيرة تشهد اكتظاظاً للناس التي لا ترتدي الكمامات.
وعدا عن ذلك، حضر الملايين من الناس “مهرجاناً هندوسياً” قبل أسبوعين على الرغم من ظهور سلالات جديدة من الفيروس، بما في ذلك سلالة “متحولة مزدوجة”، ولم يتوقف أيضاً الدوري الهندي الممتاز في الكريكيت الذي يدر الملايين من الدولارات على الهند.
متوسط العمر في الهند هو 26.8، وبالتالي من المحتمل أيضاً أن الاستهتار كان من الأفواج الأصغر سناً التي تنظر إلى الفيروس على أنه يؤذي الأكبر سناً.
أما معدل الوفيات المنخفض في الهند فهو مضلل إلى حد كبير، حيث يوحي بأن الأمر ليس بهذا السوء ولكن فعلياً الأرقام لا تعكس الواقع، إذ أن معدلات الفقر لا تسمح بدفع كلفة الفحص ومن جهة عدم توفر المعدات المطلوبة لإجراءه في أماكن أخرى.
الاستخفاف ظهر أيضاً إذا ما عاينا خطاب المسؤولين في الهند منذ التفشي في الموجة الأولى من وباء كورونا، خاصة بعد بدء التراجع بالأرقام، التي توحي بأن الفيروس قد تم التغلب عليه أو أن بعض المناطق كانت تقترب من مناعة القطيع؛ وأن التلقيح كان وشيكاً، مما يجعله قابلاً للتحكم، وحتى في بعض الأحيان الاستخفاف بالعوارض.
أكثر من ذلك، فقد طلبت الحكومة الهندية من “تويتر” حجب التغريدات التي تنتقد أداء الحكومة بذريعة أنها تحتوي على معلومات مضللة في حين كان يستخدم المواطنون المنصة للتنسيق والحصول على مساعدة وحتى توثيق ما يحصل.
هذا الاستخفاف تتحمل مسؤوليته بشكل أساسي الدولة، والهند وعلى الرغم من قوتها الاقتصادية بالأرقام، إلا أنها أهملت لفترة طويلة الرعاية الصحية والاجتماعية للمواطنين الذي يعيشون الظروف الصعبة ولكن الأخطر هو الاستمرار الطويل لهذا الإهمال الذي خلق حالة من اليأس عند المواطنين وصار الموت لديهم أمراً عادياً.
وفي حين أن العالم بأكمله عملياً وضع في خانة الخيار بين الاقتصاد والأرواح، لم تأمن الدولة الهندية ما يلزم من مقومات لخوض المواجهة الحقيقية، وكان اليأس الاقتصادي منشأ الاستخفاف على الرغم من قوة الاقتصاد الهندي بالأرقام.
هذا وظهر التفاوت الطبقي مع رواج فيديوهات وأخبار حول مغادرة أثرياء الهند عبر طائرات خاصة خصوصاً إلى دبي والمالديف. وبحسب “أوكسفام” يمتلك أعلى 10% من السكان الهنود 77% من إجمالي الثروة الوطنية، وهناك 119 مليارديراً في الهند، زاد عددهم من 9 فقط في عام 2000 إلى 101 في عام 2017. وبين عامي 2018 و2022، يُقدر أن الهند تنتج 70 مليونيراً جديداً كل يوم.
في المقابل، هناك 63 مليون هندي يسقطون في خانة الفقر بسبب تكاليف الرعاية الصحية كل عام، أي ما يقرب من شخصين كل ثانية. وفي كانون الثاني/يناير 2021، أي بعد مرور عام تقريباً على انتشار الوباء، أشار البنك الدولي إلى تراجع معدل نمو الاقتصاد الهندي بنسبة -9.6%، لكنه توقع نمواً بنسبة 2% للصين. ويقدر أن عدد الفقراء في الهند (بدخل 2 دولار أو أقل في اليوم) قد زاد بمقدار 75 مليوناً بسبب كورونا.
الهند بين علاقات دولية خذلتها وسلطة عنصرية بشكل واضح.. أين تكمن مسببات الأزمة؟
وبالنسبة للفشل في احتواء الأزمة، الهند وقعت ضحية معسكرين الدول الغربية؛ الأولى تعطي الأولويات لاحتياجاتها الخاصة وأرباحها المادية وصورتها العالمية، وأخرى وهي منظمة الصحة العالمية وحجة المساواة بالتوزيع الفاشلة أيضاً لأن عدم التدخل للحد من الانتشار في مناطق حساسة ينعكس بتفشي سلالات جديدة سرعان ما تصل إلى كل دول العالم.
ولكن أيضاً الحكومة الهندية ساهمت بالفشل من خلال سياساتها وممارساتها العنصرية المعتمدة داخلياً، والغطرسة الرسمية والقومية المفرطة والشعبوية وعدم الكفاءة والبيروقراطية المفرطة.
وإضافة إلى ذلك، روّجت الهند لنفسها وصدّقت أحلامها بأنها ستلعب دوراً مفصلياً في توزيع اللقاح وأنها قادرة على لعب هذا الدور خصوصاً أنها تنتج ما يعادل 60% من لقاحات العالم وتضم معهد “سيرام” المنتج لأكبر عدد من اللقاحات وكان متوقع أن يزود الدول الفقيرة التي تقع بمعظمها في أفريقيا من حاجتها من اللقاحات بموجب “كوفاكس” وبموجب شراكة مع “أسترازنيكا” في الهند.
ولكن ماذا حصل؟
الولايات الأميركية لم تزود الهند بالمواد المطلوبة للإنتاج، وكان هناك رفض من الشركات العالمية لرفع الملكية الفكرية عن لقاحاتها ولا حتى لسنة واحدة لحماية أرباحها بغض النظر عن تردي الأوضاع الإنسانية. أيضاً ووفقاً لبيانات حكومية، شحنت الهند 66 مليون جرعة إلى الخارج منذ كانون الثاني/يناير، وهو ما يكفي بسهولة لتطعيم كل من دلهي ومومباي وكلكتا، لكنها تجاوزت ذلك وأهملت سكانها.
وبحسب معهد “جون هوبكينز” أقل من 2% من سكان الهند حصلوا على اللقاح. ووصلت آخر شحنة من الهند إلى باراغواي في 22 نيسان/أبريل، وهو اليوم الذي حطمت فيه الهند الرقم القياسي العالمي للإصابات الجديدة.
ويعود هذا الواقع إلى أن الحكومة سعت إلى الضغط على القطاع الخاص باستخدام تحديد الأسعار فصار البيع محلياً غير مربحاً بما يكفي لإعادة الاستثمار، والآن فقدت الشركة طلبات التصدير أيضاً، مما زاد من تقييد التدفق النقدي.
من جهة أخرى، فإن البيروقراطيين الهنود جسدوا الكراهية للأجانب وتبنوا طرح لقاح مطور محلياً، “Covaxin”التابع لشركة “Bharat Biotech Ltd”، حتى قبل توفر بيانات المرحلة الثالثة التجريبية. وفي الوقت نفسه، تم تأجيل اللقاحات الأخرى التي حصلت على موافقة الجهات التنظيمية في مكان آخر، بما في ذلك تلك من شركة “فايزر” و “جونسون أند جونسون” بشكل غير ضروري حتى يمكن إجراء التجارب في الهند.
إضافة إلى ذلك، تدفق الناس بأعداد كبيرة لحضور تجمع رئيس الوزراء مودي في ولاية البنغال الغربية لتجسيد الدعم والتأييد. وبحسب الأرقام الولايات الشمالية والغربية هي الأكثر تضرراً من الزيادة الجديدة في الإصابات بالهند.
وأخيراً، الحزب الحاكم في الهند اليوم بقيادة مودي يعتمد على مجموعة من السياسات والأدبيات العنصرية التي تقف عائقاً في مواجهة الأزمة. مثلاً هذا الحزب يدعو إلى تدريس العلوم من بوابة الأساطير الهندية القديمة، وهذا يضر بوعي الناس بخطر الفيروس في مكان ما. والحزب ذاته حمل خطاب سحب جنسية 200 مليون مسلم في الهند، مما يعني استعداد السلطة للتضحية بالأقليات الدينية التي تشكل عدداً كبيراً من الناس في مجتمع ذي تعداد سكاني كبير.
هذا ويقترب عدد الإصابات بفيروس كورونا في الهند من 18 مليون شخص، وتخطى عدد الوفيات 200 ألف.
وقالت منظمة الصحة العالمية أن “تدافع الناس في الهند إلى المستشفيات من دون داع، تسبب في تفاقم الأزمة، والأزمة في تزايد والحالات في ارتفاع جنوني، بسبب التجمعات الكبيرة وظهور سلالات شديدة العدوى وانخفاض معدلات التطعيم”.
كما قال رئيس اللجنة الوطنية لإدارة لقاح كورونا في لبنان والمتخصص في الأمراض الجرثومية الدكتور عبد الرحمن البزري للميادين إن المتحور الهندي من فيروس كورونا اكتسب خصائص تدمج بين متحور جنوب أفريقيا والمتحورات الأخرى، ما أكسبه قدرة أكبر على الانتقال والانتشار.
الميادين