التدخل الأخير بتعديل سعر الصرف الرسمي عزز الثقة بالليرة وساهم بتدفق الحوالات الخارجية
قام مصرف سورية المركزي مؤخراً بالتدخل لتحسين واقع الليرة السورية، ورفع قيمة سعر صرفها أمام العملة الأمريكية، الذي يعتبر بدوره الشغل الشاغل لكل الناس، فكل شيء يحسب سعره بناء على سعر الصرف، بدءاً من سعر البقدونس والعلكة وصولاً إلى أسعار الأجهزة المحمولة والسيارات، ولكن يبقى مدى تأثير هذا التدخل على سعر الصرف مجهولاً لدى الكثير من الناس العادية.
في ظروف الحرب والأزمات
حول تأثير التدخل الذي قام به مصرف سورية المركزي مؤخراً على سعر الصرف قال أستاذ الاقتصاد في جامعة تشرين الدكتور أحمد أديب أحمد: إن تعزيز السياسات النقدية واستخدام أدوات نقدية كإصدار السندات وتحديد سعر الصرف وسعر الفائدة وغير ذلك من الأدوات، يحتاج لخبرات اقتصادية ونقدية ومصرفية، ولمرونة هائلة، وخاصة في ظروف الحرب والأزمات الاقتصادية.
وقد أصبح لهذه السياسات النقدية في سورية انعكاس مباشر وسريع على الحياة المعيشية للناس، لأن الجميع يُسَعِّرون السلع والخدمات- حتى تلك السلع التي تنتجها والخدمات التي تقدمها المؤسسات الحكومية- بما يتوافق مع أسعار الصرف رغم ما توصف بأنها أسعار غير حقيقية (وهمية)، وهنا تكمن المشكلة.
لذلك أؤكد على إيجابية الإجراءات التي اتخذت مؤخراً من قبل السلطات النقدية بتعديل السعر الرسمي لسعر الصرف، سواء كان تعديل أسعار الحوالات وسعر التحويل للمواطنين عند المنافذ الحدودية بشكل يقترب من السعر المتداول، لأنه أعاد الثقة تدريجياً بالليرة السورية، وسيساهم بتدفق أموال الحوالات الخارجية على البلد من جديد، وهذه الحوالات تعتبر من المصادر الهامة لتوفير القطع الأجنبي للبنك المركزي.
صياغة سياسات نقدية حقيقية:
وحول المطلوب اليوم من مصرف سورية المركزي أكد الدكتور أحمد أديب أحمد أنه يجب- أولاً- ضرب سوق المضاربة من خلال الاستمرار بصياغة السياسات النقدية، والأهم تعديلها المستمر بما يتوافق مع متطلبات السوق وتعزيز القدرة الشرائية لليرة السورية والسيطرة على سعر الصرف، فالادعاء بوهمية السوق والتوعدات والتهديدات والتصريحات الرنانة التي كنا نسمعها كثيراً غير مجدية في ظل غياب السياسات النقدية.
تحسين موارد المركزي:
كما لا بد- ثانياً- من تحسين موارد البنك المركزي من العملات الصعبة، حتى يستطيع السيطرة بقوة على سوق الصرف ورفع القدرة الشرائية لليرة السورية، التي فقدت كثيراً من قيمتها، فخسر المواطن دخله ومصدر رزقه، كما خسرت الدولة وضعفت قدرتها على التدخل الفعال في الأنشطة الاقتصادية.
تكوين احتياطيات نقدية:
كما أنه من الضروري- ثالثاً- السعي لتكوين احتياطيات نقدية جديدة، بعد أن استنفذت سنوات الحرب وسياسات حكام سابقين للمصرف المركزي كل الاحتياطيات التي كانت موجودة سواء بهدر العملة الصعبة عبر مكاتب الصرافة أو بإعطاء قروض عالية للمضاربين لامتصاص العملة الصعبة من السوق.
مقترحات:
ومن أجل تحقيق هذا اقترح الدكتور أحمد مجموعة من الإجراءات لاتخاذها من قبل مصرف سورية المركزي، أهمها العمل على توحيد سعر الصرف بشكل تدريجي، والتقليل المستمر للفجوات الحاصلة بين سعر السوق والسعر الرسمي من جهة، وبين الأسعار الرسمية فيما بينها من جهة أخرى، أي سعر الصرف الممنوح للمستوردين وأسعار الحوالات والبدلات وسعر التحويل للمواطنين عند المنافذ الحدودية، لأن تعدد الأسعار الرسمية وتفاوتها بطريقة غير منطقية وغير عادلة سيؤدي إلى خلق حالة من الربح غير مشروع، وهذا سيخلق سوقا سوداء، فالعملة الأجنبية هي كأية سلعة عندما تتعدد شرائح سعرها تؤدي لخلق سوق سوداء وبالتالي مضاربة.
ضمان تدفقات نقدية مستمرة:
وركز أستاذ الاقتصاد على أهمية التعديل المستمر لسعر الحوالات بما يقترب من السعر المتداول للعملات الأجنبية في الأسواق، وذلك للحفاظ على تدفقات نقدية مستمرة من العملات الأجنبية ترفع موارد المصرف المركزي منها.
إعادة دراسة القروض وربطها بالمشاريع
وحول القروض الممنوحة للتجار ورجال الأعمال نوه الدكتور أحمد أديب أحمد على ضرورة إعادة دراسة موضوع القروض وربطها بالمشاريع الإنتاجية حصراً، ومكافحة سوء استخدامها، لأن كثيراً من رجال الأعمال وتجار الأزمة حصلوا سابقاً على قروض كبيرة جداً لاستخدامها في عمليات المضاربة والمتاجرة بالعملات الأجنبية في السوق السوداء، فخسرت الدولة أموالها وخسرت قدرتها التأثيرية على الأسواق.
كما اقترح استرداد قروض المستثمرين والتجار بالعملة الأجنبية، عن طريق حساب قيمة القرض الأصلي بما يعادلها بقيمة العملة الأجنبية، وذلك بالسعر الذي كان قائماً عندما تمت عملية السحب، ومعادلة كل دفعة تم تسديدها بما يعادلها بقيمة العملة الأجنبية حسب السعر الجاري بتاريخ تسديد الدفعة، ليتم تقييم القيمة المتبقية من القرض بما يعادله بقيمة العملة الأجنبية من أجل استردادها بنفس العملة وليس بالليرة السورية، وذلكَ تحت طائلة الحجز
على الأموال المنقولة وغير المنقولة، فعشرة ملايين ليرة سورية مسحوبة في بداية الحرب تعادل اليوم خمسمئة مليون ليرة سورية، ولكن قيمتها الدولارية البالغة هي قيمة ثابتة.
السماح بحيازة العملة الأجنبية:
ولتحقيق التوازن النفسي بين الليرة السورية والعملة الأمريكية اقترح أستاذ الاقتصاد في جامعة تشرين أن يسمح للمواطن السوري بحيازة العملة الأمريكية، وذلك لتشجيع المواطنين المقيمين بالخارج على تحويلها إلى داخل سورية، مع التأكيد على أن تكون الليرة السورية ملزمة في المعاملات الداخلية، على أن يترافق السماح بحيازتها مع تشجيع الإيداع في المصارف المحلية بالعملة الأمريكية من خلال رفع سعر الفائدة مقابل الإيداع بالعملة الأمريكية، وهذا يسهم في تحسين وضع المصارف ووضع المواطنين على السواء.
استمرار محاربة المضاربين:
وختم الدكتور أحمد أديب أحمد مؤكداً ضرورة إعلان الحرب الضروس على تجار العملة والمضاربين، وذلك بوضع قوانين محاكمة عسكرية للمتلاعبين، مع فرض حصانة كاملة للمسؤولين عن ملاحقتهم والتحقيق معهم، لمنع أي محاولة لإحباط هذا المشروع الإصلاحي والإنقاذي لليرة السورية.
اقرأ أيضا: 124 ألف فرصة عمل في المدن الصناعية و90 مليار ليرة الإيرادات الاستثمارية