نهاية حقبة ميركل
بعد 16 عاما من وجودها على رأس السلطة، تنتهي حقبة أنغيلا ميركل رسميا بعد الانتخابات العامة القادمة. لكن هذه المرة لا يواجه الاتحاد المسيحي فقط تحدي رحيل زعيمته، بل كذلك تراجع شعبيته وخطر تفككه، فما هي الأسباب؟
هل دخل التحالف المسيحي مرحلة الخطر؟
تستمر شعبية الحزب المسيحي الديمقراطي (CDU)، الذي تنتمي إليه المستشارة أنغيلا ميركل، في التراجع في استطلاعات الرأي داخل ألمانيا بسبب ما يعتبره الكثير من سكان ألمانيا سوءًا في تدبير جائحة كورونا، خصوصا منذ الموجة الثانية.
لكن من أكبر من أدوا ضريبة هذا التراجع، هي ميركل نفسها، رغم أنها لن تكون من الأصل مرشحة في الانتخابات، كما سيدفع إرثها السياسي ضريبة هذا الانزلاق، خصوصاً طبيعة التحالف الذي قادته منذ مدة طويلة بين حزبها وبين الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري (CSU).
يدافع مسؤولون من التحالف المسيحي عن حصيلة ميركل خلال سنوات ترؤسها المستشارية في ألمانيا، ويرون أن سكان ألمانيا عموما وثقوا في التحالف. ويمكن أن يكون كذلك صحيحا قبل الجائحة، لكن أثناءها الكثير من السكان يرون أن الحزب الذي يقود الحكومة لم ينجح في اختبار مواجهة كورونا، فالإجراءات التي أعلنتها لم تنجح في وقف انتشار الفيروس وبالتالي مزيدا من الإصابات والوفيات.
كورونا تؤثر في شعبية التحالف
أعطت الإجراءات في الأشهر الأولى نتائج جيدة، لكن مع مرور الوقت، بدأ الخلل يظهر، خصوصا التردد حول اتخاذ الإجراءات الجديدة عند انطلاق الموجة الثانية، وسوء إدارة والبطء في توزيع اللقاح، وفضيحة الكمامات التي تورط فيها مسؤولون من حزب ميركل، وكلها أمور كانت لها تأثير سلبي على مستقبله.
بالنسبة للكثير من الألمان، فالسير البطيء لعملية التطعيم (ارتفع الرقم مؤخرا منذ تمكين أطباء العيادات الخاصة من المشاركة) يعدّ دليلا على عدم الكفاءة داخل الحكومة. المتحدث باسم التحالف المسيحي، يورغن هارت، يعترف بأن الحكومة الاتحادية واجهت مشاكل في عملية التطعيم، لكنه يرجع ذلك إلى التنسيق الأوروبي وضعف عمليات إنتاج اللقاح داخل أوروبا، مشيراً إلى ضرورة تنسيق جهود التطعيم على الصعيد الأوروبي، فلن تكون هناك فائدة كبيرة إذا ما تمّ تلقيح كل الألمان، لكن سكان بقية البلدان الأوروبية لا زالوا عكس ذلك.
التردد حول اتخاذ الإجراءات الجديدة عند انطلاق الموجة الثانية، وسوء إدارة والبطء في توزيع اللقاح، وفضيحة الكمامات أثروا كثيرا على التحالف
في السنة الأخيرة من فترة ميركل، عانى تحالفها المسيحي من سلسلة من الفضائح، لكن أكثرها تأثيرا على صورته كانت فضيحة الكمامات بعد الكشف عن أن مسؤولين من الحزبين المسيحيين تلقوا أموالا ضخمة من شركات لأجل فوز هذه الأخيرة بصفقات أعلنتها الحكومة حول توريد الكمامات.
مؤشرات على الخطر
أولى النتائج كانت في الانتخابات الجهوية بولايتي بادن فورتمبرغ وراينلاند- بفالتس، حيث سجل حزب CDU أسوأ حصيلة له منذ عقود، ثم تأكد ذلك عندما صعد نجم حزب الخضر، وصار ينافس حزب CDU رغم أن الخضر كان يعتبر حزبا صغيرا قبل سنوات لا يحظى بأكثر من 15 بالمئة من الأصوات.
وإذا ما كانت الاستطلاعات دقيقة، فإن الانهيار الذي حصل في الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) المصنف في وسط اليسار سيتبعه انهيار في الاتحاد المسيحي المصنف في وسط اليمين في الانتخابات العامة القادمة، إذ تم إحصاء تراجع بـ10 في المئة في نسبة عدد الناخبين الذين سيصوتون لحزبي التحالف المسيحي، ما قد يجعل هذا الاتحاد يعيش أشهره الأخيرة وبالتالي يتهدده خطر التفكك.
الأمر لا يخص فقط الاتحاد المسيحي، ففكرة الثنائية الحزبية التي شهدتها عدة دول أوروبية في النصف الثاني من القرن العشرين هي كذلك مهددة، لكن في الجانب الآخر كانت عملية التحول في التحالف السياسي داخل ألمانيا متأخرة مقارنة بدول في الجوار، وفي الوقت الذي تراجعت فيه تحالفات مشابهة في أوروبا، كان الاتحاد المسيحي يحوز الثقة قبل أن تأتي موجة كورونا لتؤثر على واقعه.
يثق التحالف المسيحي في أرمين لاشيت، رئيس وزراء ولاية شمال الراين ويستفاليا، كي يكون مرشحه في الانتخابات المقبلة، بعد تنافس داخلي محموم بينه وبين ماركوس زودر، رئيس وزراء ولاية بافاريا. ويعبر هارت عن ثقته في فوز لاشيت بمنصب المستشار.
السياسة الخارجية في الميزان
غير أن التحديات ليست داخلية فقط، فالسياسة الخارجية لألمانيا في السنوات الأخيرة محط جدل كذلك، ومن ذلك الانتقادات الواسعة لخط الغاز مع روسيا “نورد ستريم2″، خاصة أن الولايات المتحدة ودول شرق أوروبا تعارض هذا المشروع، خصوصا مع التخوف من كون الصفقة ستمكن موسكو من نفوذ واسع في أوروبا بينما يزداد اعتماد الاتحاد الأوروبي على الطاقة الروسية.
لا يرى هارت أن العلاقات الاقتصادية مع روسيا تهدّد أمن ألمانيا، لكنه يعترف أن السياسة الخارجية الألمانية تحتاج إلى إعادة تقييم، إذ يشير إلى أن روسيا والصين لديهما سجل متعارض مع القيم الألمانية والأوروبية، كما يتحدث عن أن السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي يجب أن يعاد النظر فيها حتى توازن بين الاهتمامات السياسية والمصالح الاقتصادية.
DW
اقرأ ايضاً:غارات مكثفة على البادية السورية وتحضيرات لإطلاق عملية عسكرية واسعة