سوريا… محطات تاريخية ودساتير حاولت تنظيم حياة سياسية صاخبة
سوريا الدولة التي تتربع في قلب الشرق، وخلال تاريخها الحديث، لم تكن دولة عادية كلاسيكية يحكمها الرتابة والملل، وتاريخها لم يكتبه المترفون، وإنما كتبته أقلام مختلفة، وذهنيات متناقضة.
دمشق – سبوتنيك. تميزت الحياة السياسية في سوريا، منذ مطلع القرن الماضي، بالصخب، كما لم تعرف البلاد هدوءا على الجبهات والثغور، وانشغلت المنصات السياسية، على اختلاف مسمياتها، بمعارك حامية قادها زعماء في السياسة والتفاوض.
هذه المخاضات السياسية، بكل ما حملته من آلام وإخفاقات ونجاحات وهزائم، أكسبت لاحقا الطبقات السياسية المتتالية، خبرات متراكمة وثقافة دستورية، أهلتها لوضع العديد من الدساتير التي تنظم الحياة السياسية وأنظمة الحكم.
وشهدت مرحلة الاحتلال العثماني، بداية، تشكل الوعي السياسي بمعناه التقني، المتمثل بتأطير التوجهات السياسية إلى أهداف وبرامج سياسية؛ ثم أحزاب بأهداف ومبادئ وأنظمة داخلية، وذلك من خلال الدساتير التي كانت لدى العثمانيين، والتي نظموا من خلالها سلطنتهم لمئات السنين.
ولم يتأخر السوريون في إعلان تجربتهم الدستورية الأولى بمجرد تحررهم من قيود العثمانيين، وكان “دستور المملكة السورية العربية”، عام 1920، بداية الحياة الدستورية السورية الحديثة.
وأصدر الملك فيصل الأول بن الحسين الهاشمي (ملك سوريا والعراق) الدستور الأول، في 13 يوليو/ تموز من العام 1920، والذي صاغته لجنة ترأسها هاشم الأتاسي (رئيس الجمهورية السورية لولايتين، قطع الثانية انقلاب أديب الشيشكلي في العام 1951)، وسمي “دستور المملكة السورية العربية”.
وتضمن دستور مملكة سوريا 147 مادة، أعلنت الأولى إنشاء الحكومة ملكية نيابية في سوريا، وحددت مدينة دمشق عاصمة للبلاد، والدين الرسمي هو الإسلام.
وبقي الدستور الأول ساري المفعول، 15 يوما فقط، حتى الاحتلال الفرنسي، بعد هزيمة قوات المملكة السورية في معركة ميسلون، يوم 24 يوليو 1920، حيث استبدل بدستور الانتداب الفرنسي عام 1928، المتأثر بدستور “الجمهورية الفرنسية الثالثة” لسنة 1875.
وركز الدستور الانتدابي السوري على حماية الملكية الخاصة، وحماية الصناعة الوطنية، وجعل سوريا “جمهورية نيابية”، وحماية الحقوق والحريات.
وأناط الدستور المذكور السلطة التشريعية بمجلس النواب المنتخب من الشعب؛ وجعل انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بولاية مدتها خمس سنوات، ولا يعاد انتخابه الا بعد انقضاء خمس سنوات على رئاسته. وبقي دستور الانتداب ساري المفعول في سوريا أكثر من عشرين عاما، حتى عام 1949، عندما قام حسني الزعيم (رئيس أركان الجيش ورئيس الجمهورية) بانقلابه على الرئيس شكري القوتلي.
دستور الاستقلال 1950
بعد تنفيذ الانقلاب، عطّل الزعيم، الذي اغتيل في بيروت عام 1950، العمل بدستور 1928، وأجرى استفتاء شعبي لتنصيب رئيس الجمهورية وتخويله وضع دستور جديد، وبناء عليه كلف لجنة مؤلفة من سبعة أعضاء بوضع مشروع دستور جديد، الذي قوى سلطات رئيس الجمهورية، وأضعف السلطة التشريعية.
ولم تدم طموحات “الزعيم” أكثر من أربعة أشهر، حيث نفذ اللواء سامي الحناوي انقلابا عسكريا، في 14 أغسطس/آب 1949، من نفس العام، وأجرى انتخاب جمعية تأسيسية أصدرت أحكاماً دستورية مؤقتة.
وانتخبت الجمعية التأسيسية هاشم الأتاسي، رئيساً للدولة، في 14 ديسمبر/ كانون الأول 1949، لحين وضع الدستور الجديد.
بعد خمسة أيام فقط، وتحديدا في 19 ديسمبر، وقع انقلاب أديب الشيشكلي الأول، وكلفت لجنة بإعداد الدستور برئاسة ناظم القدسي، وخرج بصيغته النهائية من 166 مادة.
وأقر الدستور، في 5 سبتمبر/ أيلول 1950، لتصبح سوريا “جمهورية عربية ديمقراطية نيابية ذات سيادة تامة”، وينتخب رئيس الجمهورية من قبل مجلس النواب بالتصويت السري، بأكثرية الثلثين.
دستور الشيشكلي 1952
تولى الشيشكلي مهام رئاسة الدولة السورية، في 2 ديسمبر 1951، بعد الانقلاب العسكري الثاني، الذي أطاح بالرئيس هاشم الأتاسي، ورئيس الحكومة معروف الدواليبي.
وفي 10 يوليو عام 1952، جرى استفتاء عاما، تمّ بنتيجته تنصيب الشيشكلي رئيساً للجمهورية، والموافقة على الدستور الذي يقيم نظاماً رئاسياً؛ وألغي منصب رئيس الوزراء، وجعل انتخاب الرئيس من الشعب مباشرة.
وفي 25 فبراير/شباط عام 1954، خُلع الشيشكلي وتسلم هاشم الأتاسي رئاسة الدولة، مواصلا العمل بدستور 1950، حتى الوحدة مع مصر في 22 فبراير 1958، والعمل بدستور الجمهورية العربية المتحدة (اتحاد مصر وسوريا)، الذي صدر في ذات العام.
وأصدر رئيس الجمهورية العربية المتحدة، جمال عبد الناصر، في الخامس من آذار/مارس عام 1958، دستورا مؤقتا للبلاد، مؤلفا من 73 مادة.
وانتهى العمل بالنظام البرلماني في سوريا، وتم تكريس نظاما رئاسيا، منح رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة، في تعيين وحل السلطة التشريعية، ونواب الرئيس والوزراء، ووضع السياسة العامة للبلاد.
انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة
نفذ عبد الكريم نحلاوي انقلابا عسكريا، نهاية سبتمبر1961، أدى إلى انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة، وكلفت حكومة مدنية، وضعت دستورا مؤقتا، نال ثقة الشعب باستفتاء نظم، في ديسمبر عام 1961، وتم انتخاب المجلس التأسيسي والنيابي لوضع دستور دائم.
ولاحقا أقر ناظم القدسي، الذي انتخب رئيساً للجمهورية، تطبيق دستور 1950، بتعديلات بسيطة.
ولاية حزب البعث
نفذ الجناح العسكري في “حزب البعث العربي الاشتراكي”، في الثامن من مارس 1964، انقلابا في البلاد، وأنشأ “المجلس الوطني لقيادة الثورة”، وأعلن حالة الطوارئ والأحكام العرفية.
وطغت الايدلوجيا الاشتراكية على الليبرالية، التي ميزت التاريخ السياسي لسوريا، منذ الاحتلال الفرنسي؛ وفي نيسان/أبريل 1964، تم وضع دستور أعد على عجل، واعتبر ناقصا أشبه بمجموعة قوانين تفتقد الانسجام والترابط فيما بينها.
الدستور الثاني 1966
وقع انقلاب جديد، في الثالث والعشرين من فبراير 1966، أطاح بحكومة “القيادة القومية” لحزب البعث؛ وتم إيقاف العمل بالدستور السابق بقرار “القيادة القطرية” الجديدة.
وأصدرت “القيادة القطرية” قرارا أصبح بمثابة الدستور، وكرس مبادئ هذه القيادة؛ وذلك في مارس عام 1965 .
الدستور الثالث 1969
عندما قرر المؤتمر القطري الرابع الاستثنائي لحزب البعث العربي الاشتراكي، في مارس 1969، إصدار دستورا مؤقتا، لحين إصدار دستور دائم من قبل مجلس شعب منتخب على مستوى القطر، يمارس دور التشريع، وصدر بالفعل الدستور المؤقت، في الأول من مايو عام 1969.
دستور الأسد الأول 1971
وبعد تسلم (الرئيس السوري الراحل)، حافظ الأسد، السلطة في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1971، أصدرت القيادة القطرية دستورا مؤقتا، تضمن تعديلات طفيفة على دستور 1969، وتم تعيين 173 عضواً في مجلس شعب، كلف بوضع الدستور الدائم.
دستور الأسد الثاني 1973
صدر دستور “الجمهورية العربية السورية”، في 13 مارس 1973، وسمى سوريا “دولة ديمقراطية شعبية واشتراكية”، ذات سيادة لا يجوز التنازل عن أي جزء من أراضيها، وأنها جزء من الوطن العربي، والشعب السوري جزء من الأمة العربية، ودين رئيس الجمهورية الإسلام.
ووضعت المادة الشهيرة، “المادة الثامنة”، التي جعلت حزب البعث العربي الاشتراكي “حزبا قائدا” في المجتمع والدولة، ويتم الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية عن مجلس الشعب، بناء على اقتراح القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، ويعرض على المواطنين للاستفتاء.
ولاحقا شهدت البلاد تعديلات نادرة لبعض مواد الدستور، لعل أهمها تعديل المادة (83)، التي خفّضت سن رئيس الجمهورية، إلى 34 عاماً.
ولم يشهد العقد الأول من تولي الرئيس السوري بشار الأسد (بعد رحيل والده حافظ الأسد) رئاسة الجمهورية، عام 2000، أي حركة دستورية تذكر.
دستور الأزمة 2012
استمر العمل بدستور 1973، حتى مطلع عام 2011، الذي شهد اندلاع ما يعرف بثورات “الربيع العربي”؛ وتجددت المطالبة، بداية، بإلغاء “المادة الثامنة”، التي تجعل حزب البعث قائدا في المجتمع والدولة، وإلغاء حالة الطوارئ.
وتطورت المطالب الى تعليق العمل بدستور 1973، وتشكيل حكومة خبراء، تشرف على انتخاب هيئة تأسيسية تمثيلية حقيقة، تناط بها صياغة دستور جديد للبلاد.
وفي السابع والعشرين من فبراير عام 2012، صدر المرسوم رقم (94)، القاضي باعتماد الدستور الجديد، والذي يعرف بدستور 2012.
نظمت الانتخابات 2014، في ضوء الدستور الجديد، الذي تنص فيه المادة (88) منه، على أنه لا يمكن انتخاب رئيس الجمهورية لأكثر من ولايتين مدة كل منها منهما 7 سنوات.
وبحسب المادة (155) من الدستور، يتم التطبيق، ابتداء من العام 2014؛ وبالتالي لا تنطبق المادة (88)، على الرئيس الحالي بشار الأسد، يمكنه البقاء في سدة الحكم “نظريا”، حتى العام 2028.
وشهدت انتخابات 2014 سابقة في تاريخ سوريا السياسي، تمثلت بتعدد المرشحين للرئاسة؛ حيث أعلن رجل الأعمال الدمشقي، حسان النوري، وعضو البرلمان السوري، ماهر حجار، ترشحهما للرئاسة.