أختان في بلاط الملك.. عندما عشق ملك إنجلترا واحدة وتزوج الأخرى!
لنتخيل أننا سافرنا عبر الزمن إلى صباح يوم 19 مايو (أيار) عام 1536، ونقف في منطقة البرج الأخضر داخل قلعة برج لندن. هناك سنشاهد سويًا امرأة في الخامسة والثلاثين من عمرها تصعد إلى السقالة، ونستمع معًا إلى كلماتها التي تمتدح الملك هنري الثامن ورحمته، قبل أن تطلب من الحاضرين جميعًا الصلاة من أجلها، ومن ثم تخلع رداءها الناعم وتجثو على ركبتيها وتسلم رقبتها للجلاد الفرنسي الذي سيقطعها بضربة واحدة.
ما شاهدته الآن هو مشهد إعدام الملكة آن بولين زوجة الملك هنري الثامن ملك إنجلترا بعد اتهامها بالزنا وسفاح الأقارب، ولكن كيف انتهت حياة الملكة تحت مقصلة الإعدام، وكيف كانت بداية علاقتها بالملك بينما كانت شقيقتها ماري عشيقته؟
ماري وآن بولين.. طفلتان من طبقة النبلاء
وُلد كل من ماري وآن بولين وأخيهما جورج، لأبيهم توماس بولين وأمهم إليزابيث هوارد في بدايات القرن السادس عشر، وكان كلا الوالدين من بلاط الملك الإنجليزي. كان جدهم جيفري بولين عضوًا قويًا في طبقة النبلاء بعدما شغل منصب عمدة لندن، واشترى قصر بليكينج في نورفولك، واستحوذ على قلعة هيفر في كينت بعد زواجه من آن وريثة البارون توماس هوو.
حصلت الأختان على تعليم مميز، فقد تلقت ماري تعليمها في قصر بليكينج، ثم استكملته في قلعة هيفر في كينت حيث تعلمت الرياضيات، والتاريخ، والرماية، والصيد، والرقص، والغناء، ولكن كان تعليم آن أكثر تميزًا؛ فقد تلقته في بلاط الأرشيدوقة مارغريت في النمسا، ولأنها حصلت على الفرصة الأفضل، فهذا يرجح كونها الأخت الكبرى رغم أن ماري قد تزوجت أولًا.
ماري وآن بولين في البلاط الفرنسي
بفضل ميراث العائلة من التجارة والنبل، وامتلاك ماري لبعض مهارات التحدث باللغة الفرنسية، تمكن توماس بولين من الحصول لابنته ماري على منصب وصيفة الشرف للأخت الصغرى للملك هنري الثامن، الأميرة ماري تيودور، ورافقتها أثناء ذهابها إلى فرنسا للزواج من الملك لويس الثاني عشر.
بعد عدة أشهر، توفي لويس الثاني عشر، وعادت ماري تيودور إلى إنجلترا، لكن ماري بولين فضلت البقاء في بلاط الملك الجديد فرانسيس الأول.
حينئذ لحق توماس بولين وابنته الأخرى آن بابنته ماري في فرنسا، واستقرا لمدة أربع سنوات أخرى، كان ماري خلالها على علاقة بالملك فرانسيس الأول! وقيل فيما بعد إن هذه الأقاويل ظهرت خلال فترة زواج الملك هنري الثامن من آن بولين، من أجل تلطيخ سمعة العائلة فقط.
فالقول بأن ماري بولين كانت عشيقة الملك فرانسيس الأول أثناء فترة بقائها في فرنسا لا سند له، وانتشر للتقليل من قيمة عائلة بولين وإظهار مدى انحطاطها.
زواج ماري بولين وتطور علاقتها بملك إنجلترا
بعد قضاء خمس سنوات في البلاط الفرنسي عادت ماري إلى إنجلترا في عام 1519، وأصبحت وصيفة الشرف لزوجة هنري الثامن كاثرين من أراغون. في فبراير (شباط) 1520 تزوجت ماري من ويليام كاري الذي كان يعمل مساعدًا شخصيًا وسيد الغرفة الخاصة للملك.
في وقت لاحق غير معلوم تحديدًا، أصبحت ماري عشيقة للملك هنري الثامن، ومن غير المؤكد ما إذا كان طفلاها كاثرين وهنري هما أبناء زوجها كاري أم أبناء غير شرعيين للملك هنري الثامن، وبالرغم من أن علاقة الملك بماري استمرت بعد ولادتها طفلتها الأولى، إلا أن هذه العلاقة بدأت في الفتور والاندثار بمجرد حمل ماري بطفلها الثاني، حتى انتهت تمامًا بعد ولادته.
في عام 1526 وقع الملك هنري الثامن في حب آن بولين، وبعد عامين اجتاح وباء التعرق البلاط الملكي، وأصيبت آن وويليام كاري زوج شقيقتها ماري. أرسل الملك الطبيب إلى آن وكاري، ولكن لم يتمكن الأخير من النجاة.
بعد وفاة ويليام كاري في يونيو (حزيران) عام 1528 متأثرًا بمرضه وجدت ماري نفسها محاطة بالديون التي خلفها زوجها، واضطرت إلى رهن مجوهراتها، وساعدت آن أختها ماري، وأمنت لها معاشًا سنويًا، كما تولت رعاية وتعليم ابنها هنري كاري.
رسائل الحب بين الملك هنري الثامن وآن بولين
«من الآن فصاعدًا سيكرس قلبي لك فقط، وأريد بشدة أن يكون جسدي أيضًا» *كلمات الحب في إحدى الرسائل التي وجهها الملك هنري الثامن لمحبوبته آن بولين
يذكر المؤرخون أن آن بولين لم تقبل أن تكون إحدى عشيقات الملك، وكان طموحها أن تصبح ملكة إنجلترا، فرفضت أي علاقة تجمعها به قبل الزواج، وهذا وفقًا لرجل الدين ريجنالد هنري. لكن الملك هنري الثامن كان متزوجًا آنذاك من كاثرين – ابنة الملك فرناندو الثاني ملك أراغون وصقلية ونابولي – التي أنجبت له ابنته ماري تيودور.
أما الآراء الأخرى فتقول إن آن لم تطلب من الملك أن يترك زوجته، وإنما كان مطلبها أن تكون عشيقته الوحيدة، ولأن هنري قد وقع في حبها، فقد طرد الأخريات من أفكاره وقلبه.
وفي واحدة من رسائل الحب، أخبر هنري محبوبته آن أنه قضى أربع ساعات يجمع تفاصيل من الكتاب المقدس تبرر موقفه للطلاق من زوجته كاثرين، فقد لجأ هنري الثامن إلى إبطال زواجه من كاثرين كي يتزوج آن بولين، ولم يتخذ الملك فشل زواجه ذريعة لإلغائه، إنما لجأ إلى الإعلان أن زواجه من كاثرين باطل بعد زواج دام 20 عامًا باعتبارها أرملة أخيه الأكبر آرثر، وهذا ما قد يكون مخالفًا للقانون الإلهي، ولذا طلب في عام 1527 من البابا الحصول على إعفاء يسمح للملك بالزواج مرة أخرى في حال أُلغي زواجه من كاثرين.
الانفصال عن الكنيسة الكاثوليكية لإنهاء الزواج!
رغم حصوله في عام 1517 على لقب المدافع عن الإيمان من الكنيسة الكاثوليكية، إلا أن الملك هنري الثامن قد لجأ للانفصال عنها وترأس كنيسة إنجلترا وحل الأديرة بعد حوالي 10 سنوات وذلك لإبطال زواجه من كاثرين.
فعندما طلب هنري من البابا كليمنت السابع في عام 1527 أن يمنحه الطلاق من كاثرين بحجة أن الزيجة مخالفة للقانون الإلهي، تزامن طلبه مع الهجوم على الإمبراطورية الرومانية وفرار البابا من الفاتيكان، وفي تلك الأثناء كان كارل الخامس (شارلكان) هو إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة. ولمن لا يعرف كان شارلكان ابن أخت كاثرين التي يريد الملك هنري الثامن طلاقها، ولذا لم يتمكن هنري الثامن من الحصول على العفو.
هنالك أقنع رجل الدين البروتستانتي توماس كرانمر ومستشار الملك هنري الثامن بعدم الخضوع لسلطة البابا، وحينها جاء تعيين الملك لكرانمر رئيسًا لأساقفة كانتربري ليحصل على الطلاق. وفي عام 1534 عزز إقرار البرلمان لقانون السيادة الانفصال عن الكنيسة الكاثوليكية وجعل الملك الرئيس الأعلى لكنيسة إنجلترا.
زواج الملك وآن بولين
في مايو 1533 أعلن توماس كرانمر، رئيس أساقفة كانتربري، بطلان زواج هنري من كاثرين، وفي الشهر التالي تُوجت آن بولين ملكة في دير وستمنستر. وفي سبتمبر (أيلول) من العام ذاته وُلدت إليزابيت ابنة آن وهنري.
في عام 1534 تزوجت ماري بولين سرًا من جندي في الجيش يدعى ويليام ستافورد، وعندما أصبحت حاملًا، علمت آن بشأن هذه الزيجة، طردت أختها ماري من البلاط الملكي، كما لم يوافق والداها على هذا الزواج، فذهبت ماري لتعيش مع زوجها في ريف إسكس.
آن بولين.. رقبة محبوبة الملك تحت المقصلة!
في وقت مبكر من عام 1536، لاحظت الملكة آن بولين وجود صورة الملك معلقة حول رقبة وصيفتها جين سيمور – ستصبح فيما بعد الزوجة الثالثة للملك – وهو ما ذكرها بما فعله معها الملك سابقًا قبل أن يتزوجها. غارت الملكة، وانتزعت العقد من رقبة جين سيمور، كما زُعم وجود مناوشات وضرب بالأيدي بين المرأتين.
من ناحية أخرى، أُلقي القبض على عددٍ من رجال الحاشية بالإضافة إلى آن وشقيقها جورج، وسُجنوا في برج القلعة في الأيام الأولى من مايو (آيار) 1536. في العاشر من الشهر ذاته، وجهت هيئة المحلفين لائحة اتهام للمحتجزين وهم: هنري نوريس، وويليام بريريتون، وفرانسيس ويستون، وجورج بولين، ومارك سميتون.
أدين جميع المتهمين بتهمة الخيانة العظمى والتآمر على قتل الملك والزنا مع الملكة آن بولين، وفي 17 مايو أعلن رئيس الأساقفة توماس كرانمر بطلان زواج هنري وآن. ظلت آن في سجنها في برج القلعة تنفي ارتكابها أي جرم، وتنفي جميع التهم الموجهة إليها وتقسم على براءتها.
في يوم 19 مايو أُعدمت آن بولين والرجال الخمسة، ثم أصدر كرانمر قرارًا يسمح لهنري وجين سيمور بالزواج لتصبح بذلك جين سيمور الزوجة الثالثة للملك هنري الثامن.
ووفقًا لرأي بعض المؤرخين، فقد كانت آن بولين ضحية لمؤامرة السير توماس كرومويل وزير الملك هنري الثامن، بعدما اندلعت بينهما خلافات حول استخدام الأموال الناتجة عن حل الأديرة وبعض مسائل السياسة الخارجية.
كما قيل إن كلمات آن المتهورة مع هنري نوريس في إحدى المحادثات كانت سببًا في اتهامها بالخيانة وإعدامها، فقد تجاوزت وقالت إنها ستتزوجه عندما يموت الملك، في حين قد نص أحد قوانين عام 1534 أن مجرد تخيل موت الملك يعد خيانة.
ماري بولين بعد إعدام شقيقيها
بعد تنفيذ حكم الإعدام في آن بولين وأخيها جورج، لحقت بهما أمهما في عام 1538، ولم يجد توماس أمامه إلا أن يتصالح مع ابنته ماري وزوجها ستافورد ليؤمن لها حياتها المالية بعد وفاته. وقيل إن توماس قد جُرد من منصبه في بلاط الملك بعدما أقر بخيانة ولديه، بصفته أحد رجال بلاط الملك ووافق على حكم الإعدام الصادر ضدهما.
لم تتمكن ماري بولين من العودة إلى بلاط الملك، ولكن ابنتها الكبرى كاثرين كاري أصبحت فيما بعد وصيفة لزوجتي الملك الرابعة والخامسة؛ آن كليفز وكاثرين هوارد، كما أصبحت أيضًا صديقة وسيدة الغرفة الخاصة بابنة خالتها إليزابيث الأولى ابنة الملكة الراحلة آن بولين، والتي أصبحت فيما بعد ملكة إنجلترا.
«فتاة بولين الأخرى».. ماري وآن بولين في السينما
في عام 2008، قدمت الممثلتان ناتالي بورتمان وسكارليت جوهانسون فيلم «فتاة بولين الأخرى» الذي يجسد قصة حياة الأختين ماري وآن بولين. الفيلم حائز على تقييم 6.7 على قاعدة بيانات الأفلام على الإنترنت (IMDb)، ورُشح للفوز بثلاث جوائز بينها جائزة أفضل ممثل من معهد الفيلم الأسترالي للممثل إيريك بانا عن تجسيده دور الملك هنري الثامن.
يتناول الفيلم قصة حياة الأختين ماري وآن إلا أن هناك بعض أوجه الاختلاف بين الفيلم وما حدث على أرض الواقع. فيُظهر الفيلم آن بولين بريئة من تهمة الزنا وزنا المحارم مع أخيها، لكن على أرض الواقع أدين الاثنان وحُكم عليهما بالإعدام. لكن تجدر الإشارة إلى أنه وفقًا للروايات المكتوبة عن سيرة آل بولين، فمن الممكن أن تكون هذه الاتهامات واهية، وقيل إن اعتراف نوريس بارتكاب الزنا مع الملكة قد انتزع تحت وطأة التعذيب.
أظهر الفيلم أن آن قد أنجبت ابنة أنثى أسمتها إليزابيث، وبعدها أجهضت ابنًا ذكرًا، وتدهورت حالتها بهذا السبب وفكرت في أن تقيم علاقة مع أخيها لتحمل من جديد، إلا أنهما تراجعا عن هذا الفعل. ويقترح الدبلوماسي الكاثوليكي أوستاس تشابوي الذي كان مؤيدًا للملكة كاثرين في كتاباته أن إجهاض آن بولين لوليدها الذكر في يناير (كانون الثاني) 1536 كان سببًا في انهيار الزواج، فقد أظهر الملك خيبة أمل وحزن نتيجة هذا الفقد، وجعله يتخلى عن آن لعدم قدرتها على إنجاب وريث ذكر.
ساسة بوست
اقرأ أيضا: جمال أميرات وملكات عربيات تجعلهن حديث العالم.. شاهد!