الأقمار الاصطناعية: ما هي استخداماتها وكيف تدور حول الأرض؟
في أكتوبر من عام 1945، نشر كاتب الخيال العلمي “أرثر سي كلارك” مقالته الشهيرة بعنوان “الناقلات الفضائية: هل يمكن لمحطات الصواريخ أن توفر تغطية راديوية على نطاق عالمي؟”، مقترحًا استخدام الأقمار الاصطناعية كمرآةً في الفضاء، لتعكس الإشارات الراديوية من جانب واحد من الأرض إلى الجانب الآخر، عبر وضع ثلاثة أقمار اصطناعية في المدار المتزامن مع الأرض على بعد 35 ألف كيلومتر، متباعدةً بالتساوٍ ليغطي كل واحد منها نحو ثلث الكوكب، ويستخدمها البشر في الاتصالات العالمية.
مع أن “أرثر سي كلارك” لم يقدم براءة اختراع للقمر الاصطناعي الخاص بالاتصالات، إلا أن عادةً ما يُنسب إليه هذا الاختراع، بالرغم من جهود مهندسي الفضاء الآخرين، خاصةً المهندس الألماني “هيرمان أوبرث” الذي اقترح أفكارًا مماثلةً قبل سنوات.
استغرق الأمر نحو عقد أخر من الزمن، لتتحرك خطة “أرثر سي كلارك” الجريئة إلى أرض الواقع، إذ كانت تحتاج الأقمار الاصطناعية أن تثبت جدواها وقابليتها للاستمرار، وهو ما حدث مع إطلاق أول قمر اصطناعي روسي “سبوتنيك-1” في أكتوبر عام 1957.
وبعد ثلاث سنوات، عندما أطلقت ناسا أول تجربة لقمرٍ اصطناعي للاتصالات “إيكو-1″، نجح المهندسون في إثبات أن إشارات الاتصالات السلكية واللاسلكية يمكن نقلها إلى الفضاء ثم انعكاسها للأرض في مكان آخر، تمامًا كما تنبأ “أرثر سي كلارك”.
وفي وقتنا الحالي، تلعب الأقمار الاصطناعية دورًا هامًا بمختلف نواحي الحياة، من البث التلفزيوني والاتصالات الهاتفية عبر القارات، إلى التنبؤ بالطقس ونشر خدمات الإنترنت حول العالم. لذا ما هي الأقمار الاصطناعية تحديدًا، وكيف تدور حول الأرض، وما هي أنواعها واستخداماتها؟ دعنا نُلقي نظرةً سريعةً على ذلك.
ما هو القمر الاصطناعي؟
كلمة قمر تُطلق على الأجسام الفضائية الصغيرة التي تتحرك في مدار محدد حول جسم أكبر، فمثلًا القمر الذي يدور حول الأرض هو قمر طبيعي، لأن جاذبية الكوكب تحافظ عليه في مداره الثابت، بينما الأجسام المعدنية التي تدور في الفضاء هي أقمار اصطناعية، من صُنع الإنسان، تتحرك في مسارات محسوبة بدقة، دائرية أو بيضاوية الشكل، على مسافات مختلفة من الأرض، عادةً خارج الغلاف الجوي.
نحن نضع الأقمار الاصطناعية في الفضاء بهدف التغلب على قيود الأرض الجغرافية المختلفة. فإذا كنت ترغب في إجراء مكالمةً هاتفيةً من القطب الشمالي، يمكنك إرسال إشارة إلى الفضاء لتنعكس مرة أخرى، وذلك باستخدام قمرًا اصطناعيًا للاتصالات يعمل كمرآة لعكس الإشارة إلى مكان آخر من الأرض.
أما إن كنت ترغب في دراسة المحاصيل أو درجات حرارة المحيطات، يمكنك أن تفعل ذلك من طائرة، ولكن بإمكان القمر الاصطناعي التقاط كثير من البيانات وبسرعة أكبر، لأنه على مستوى أعلى وأبعد من الطائرة. وبالمثل، إن كنت تريد أن تقود سيارتك في مكان لم تذهب إليه من قبل، يمكنك دراسة الخرائط أو طلب العون من الآخرين لمعرفة الاتجاهات الصحيحة، أو يمكنك استخدام إشارات من الأقمار الاصطناعية لإرشادك بدلًا من ذلك. باختصار، تساعدنا الأقمار الاصطناعية على العيش داخل حدود الأرض، لأنها تدور خارج هذه الحدود ولا تتقيد مثلنا بالقيود الجغرافية الأرضية.
كيف تدور الأقمار الاصطناعية حول الأرض؟
تُطلق معظم الأقمار الاصطناعية إلى الفضاء على متن صواريخ، ويدور القمر الاصطناعي حول الأرض عند موازنة سرعته من خلال السحب الذي تمارسه جاذبية الأرض. بدون هذا التوازن، يمكن أن يطير القمر الاصطناعي في خط مستقيم إلى أعماق الفضاء أو يسقط إلى الأرض مرة أخرى.
تدور هذه الأقمار حول الأرض على ارتفاعات وسرعات ومسارات مختلفة، والمدارات الأكثر شيوعًا هي الثابتة بالنسبة للأرض “geostationary” والقطبية “polar”.
في المدار الثابت بالنسبة للأرض، يتحرك القمر الاصطناعي من الغرب إلى الشرق فوق خط الاستواء، وهو يتحرك في نفس اتجاه وبنفس معدل دوران الأرض، لذا عند النظر من الأرض يبدو كأنه ثابت، بما أنه دائمًا فوق نفس المكان.
بينما في المدار القطبي، يتحرك القمر الاصطناعي من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي، وأثناء دوران الأرض من تحته يمكنه مسح ودراسة الكوكب كاملًا.
ما هي استخدامات الأقمار الاصطناعية؟
تنقسم الأقمار الاصطناعية وفقًا للعمل الذي تؤديه أو المدارات التي تتبعها حول الأرض، ولكن يرتبط هذين الأمرين ارتباطًا وثيقًا، لأن العمل الذي يقوم به القمر الاصطناعي عادةً ما يحدد مدى بعده عن الأرض ومدى سرعة تحركه والمدار الذي يتبعه. وهناك ثلاث استخدامات رئيسية للأقمار الاصطناعية كالتالي:
الاتصالات
تُستخدم أقمار الاتصالات لنقل موجات الراديو من مكان على الأرض إلى مكان آخر، ملتقطةً الإشارات التي تصل إليها من محطة أرضية (طبق كبير مثبت على الأرض)، ثم تضخمها بحيث تملك ما يكفي من القوة لمواصلة طريقها، ثم تعكسها إلى محطة أرضية ثانية في مكان آخر من الكوكب. يمكن لتلك الإشارات الراديوية أن تحمل أي شيء مثلما تفعل على الأرض، من المكالمات الهاتفية وبيانات الإنترنت إلى إذاعات الراديو والتلفزيون.
تساعد هذه الأقمار في التغلب على مشكلة إرسال موجات الراديو، التي تنطلق في خطوط مستقيمة، عبر انحناءات الكوكب. وهي أيضًا مفيدة للاتصال من وإلى المناطق النائية حيث لا توجد تغطية للاتصالات السلكية أو اللاسلكية العادية. فعند إجراء اتصال من خلال الهاتف العادي، ستحتاج إلى شبكة معقدة جداً من الأسلاك لتكمل الدائرة المادية من المرسل إلى المتلقي. ومع الهاتف المحمول، يمكنك الاتصال في أي مكان توجد به تغطية للشبكة فحسب. بينما مع هاتف يعمل بالأقمار الاصطناعية يمكنك أن تكون على قمة جبل إيفرست أو داخل أعماق غابات الأمازون، لن تحتاج لأي نوع من البنية التحتية، وهو ما يعطيك حرية جغرافية وقدرة فورية على التواصل.
التصوير الفوتوغرافي والبحث العلمي
في هذه الأيام، يمكننا الوصول إلى الصور التي تلتقطها الأقمار الاصطناعية من خلال محركات البحث مثل جوجل، وهي تظهر بشكل روتيني في الأخبار وخاصة في التنبؤ بحالة الطقس. تعمل الأقمار الاصطناعية العلمية بطريقة مشابهة، ولكن بدلًا من التقاط الصور المرئية البسيطة تقوم بجمع أنواع أخرى من البيانات عبر مناطق شاسعة حول العالم.
كانت هناك العديد من المهمات العلمية من خلال الأقمار الاصطناعية عبر العقود القليلة الماضية، مثل تلك الخاصة بوكالة ناسا «TOPEX/Poseidon» و«Jason»، والتي تقيس عادةً مستويات أسطح البحار منذ أوائل التسعينيات.
الملاحة
وأخيراً، الاستخدام الذي لا يستغني عنه أحد هذه الأيام، وهو النظام العالمي لتحديد المواقع “GPS”؛ فمعظمنا يملك الهواتف المحمولة التي تدعم هذه الخاصية، والتي تعمل من خلال الأقمار الاصطناعية لتؤدي لنا دور البوصلة على الأرض ولكن في الفضاء.
عرب هارد وير-محمد يوسف
إقرأ أيضا:افضل برنامج ترجمة للاندرويد بدون نت لعام 2021