الجمعة , نوفمبر 22 2024

سوريا تحت “خطر الخبز” مجدداً

سوريا تحت “خطر الخبز” مجدداً

لجأ الفلاح عبد الحميد الساير من سكان ريف مدينة الحسكة السورية شمال شرقي البلاد، إلى تضمين أرضه المزروعة بمحصول القمح البعل (بيع محصولها لمربي المواشي والاغنام قبل الحصاد)، كما هو حال الآلاف من فلاحي الجزيرة السورية التي تعتبر سلة غذاء للبلاد.

شح الأمطار في هذا الموسم، وبعد فقدان الأمل بجنيها، دفعا الساير إلى ما ذهب إليه مع أقرانه، وسط خطر يهدد الأمن الغذائي للسوريين مع توقعات بأرقام متواضعة لإنتاج القمح في الجزيرة السورية، تعادل ربع كميات الإنتاج من القمح في الموسم الماضي.

الظروف المناخية الصعبة واحتباس الأمطار، إلى جانب استمرار تركيا منذ أكثر من شهرين بحبس مياه نهر الفرات، دفعت المزارعين إلى تضمين نحو80% من حقول القمح في الجزيرة السورية لرعاة الماشية، في محاولة منهم لتغطية مصاريف الحد الأدنى من تكاليف البذار والفلاحة.

في ظل هذا الواقع، يتصاعد خوف الفلاحين من تدهور الأوضاع وتزايد معاناتهم المتراكمة نتيجة ظروف الحرب وسيطرة الاحتلال الأمريكي على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية وسرقته المنظمة لمواسم القمح.

في المقابل، وجد مربو المواشي في عمليات تضمين الاراضي الزراعية متنفساً كبيراً لهم ولمواشيهم نتيجة ارتفاع أسعار المواد العلفية في الأسواق المحلية بسبب تحكم المسلحين الموالين للجيش الأمريكي في عمليات البيع والشراء وتصديرها وسرقتها باتجاه مناطق خارج الحدود، وأهمها أسواق اقليم شمال العراق ( كردستان العراق ) بمباركة وبتوجيهات امريكية ضمن ما يسمى قانون “قيصر” الجائر.

بين مطرقة الفقر وسندان الاحتلال

وقال الفلاح عبدالحميد الساير وهو يقف وسط أرضه في قرية خربة الياس شمالي الحسكة في حديثه لــ”سبوتنيك” إن المزارعين اضطروا هذا الموسم إلى تضمين المحصول ، أي تأجير الفلاح أرضه المزروعة بالقمح او الشعير او العدس لمدة زمنية لا تتجاوز الشهر لرعاة الأغنام لرعيها ، بسبب العجز عن استكمال الموسم الزراعي بسبب الظروف المناخية السيئة التي مرت بها المنطقة من شح للأمطار أو تعرض المحاصيل لآفات زراعية أو موجات صقيع تتسبب بتلف المحصول قبل وصول موعد الحصاد مقابل مبلغ يتفق عليه الطرفان.

وطالب الساير مع عدد من الفلاحين اللذين التقتهم وكالة “سبوتنيك” من المنظمات الدولية العاملة في سوريا، خصوصاً منظمة الفاو وبرنامج الغذاء العالمي ووزارة الزراعة والإصلاح الزراعي الحكومي مساعدتهم لتعويض خسائرهم الفادحة هذا الموسم على الأقل تعويضهم مصاريف البذار والفلاحة ليتمكنوا من زراعة أراضيهم مع بداية الموسم القادم وذلك لأن النسبة الإكبر من سكان محافظة الحسكة يعتمدون في حياتهم المعيشية على الزراعة منذ عقود طويلة من الزمن.

من جانبه رئيس اتحاد فلاحي محافظة الحسكة عبدالفتاح أحمد قال لــ “سبوتنيك” ان عدم وجود إتاج وموسم زراعي لهذا العام سيكون له انعكاسات سلبية على كافة الاصعدة وأهمها الحياة المعيشية للفلاحين والمزارعين في محافظة الحسكة، وعلى حياة ولقمة عيش ورغيف الخبز للمواطن السوري الذي يعتمد اعتماداَ شبه كامل على إنتاج الجزيرة السورية التي تعتبر المنتج الاول على مستوى سورية بالقمح.

واوضح أن الفلاحين خلال السنوات الماضية من عمر الحرب كانوا العون الثاني للمواطنين السوريين بعد جيشهم السوري، ورغم كل ظروفهم الصعبة من وجود الاحتلال الأمريكي والميليشيات المسلحة والإرهابية التي قامت بتهجيرهم وسرقة ممتلكاتهم الخاصة ، إلا أن عجلة دوران الانتاج الزراعي لم تتوقف، لكن الظروف الجوية الصعبة كانت أقوى من كل الجهود لهذا العام.

خروج القمح البعل

من جانبه أكد مدير مديرية الزراعة والاصلاح الزراعي الحكومية بالحسكة المهندس رجب سلامة أن كامل المساحة المزروعة بالقمح البعل والبالغة 389 ألف هكتار خرجت من الإنتاج بسبب الظروف المناخية الصعبة وانحباس الأمطار، وبالتالي فهي غير قابلة للحصاد.

وأوضح سلامة لــ “سبوتنيك” أن المساحات المروية البالغة 125 ألف هكتار بحالة جيدة، أما بالنسبة لمحصول الشعير فهو الآخر خرجت كامل المساحة المزروعة والبالغة 482 ألف هكتار عن الإنتاج بسبب الظروف نفسها أما الشعير المروي، فهناك مساحة 20 ألف هكتار بحالة جيدة.

وحول تقديرات الإنتاج الأولية بيّن مدير الزراعة أنه يتوقع إنتاج 300 ألف طن من القمح المروي و40 ألف طن من الشعير المروي، مشيراً إلى أنه تم تشكيل لجان التسويق في الدوائر الزراعية كما تم تأمين مجلدات مناشىء التسويق.

مخاوف واستعداد حكومي

وحول الاستعدادات للحصاد والتسويق ومنغصات والصعوبات، بين مدير فرع المؤسسة السورية لتجارة وتصنيع الحبوب في محافظة الحسكة عبد الله العبد الله لــ “سبوتنيك” أن أهم الصعوبات التي تواجه عمليات شراء الأقماح من الفلاحين في الجزيرة السورية وهو منع ميليشيات “قسد” والاحتلال الأمريكي الفلاحين والمنتجين من تسويق محاصيلهم إلى مراكز الشراء الحكومية بالإضافة إلى سيطرتهم واستيلائهم على المطاحن العامة في مدينتي الحسكة و القامشلي ما يجعل لقمة عيش السوري بخطر كبير.

موضحاً بأنهم يعولون كثيراً على وطنية ووجهود الفلاحين لإيصال انتاجهم للمراكز من خلال تحدي الاحتلال وأعوانه ما حدث مع عدد كبير من المزارعين في الموسم الماضي.

وبين العبدالله أن لجنة التسويق الفرعية في المحافظة اتخذت عددا من الإجراءات والتسهيلات التي ستقوم بها كافة الجهات المعنية لتسهيل عمليات التسويق، خاصة بعد عقد مؤتمر الحبوب خلال الشهر الحالي حيث تم تحديد سعر شراء كيلو القمح بــ 800 ليرة سورية مع إضافة 100 ليرة مكافأة تسليم للكغ الواحد.

وتابع العبدالله أن المديريات المعنية بتسويق محصولي القمح والشعير في محافظة الحسكة اتخذت الإجراءات اللازمة للبدء بعملية استلام الإنتاج من الفلاحين والمنتجين للموسم الحالي ،وبين أن مراكز شراء الحبوب في المحافظة جاهزة للبدء باستلام كميات الأقماح من الفلاحين بدءا من الأسبوع القادم حيث تم تحديد ثلاثة مراكز للشراء وهي ( الثروة الحيوانية وجرمز والطواريج) في مدينة القامشلي حصراً بعد تجهيزها بالمعدات والتجهيزات اللازمة ومنها أكياس الخيش حيث يوجد لدى الفرع أكثر من مليون و نصف المليون كيس خيش في مستودعات الفرع في القامشلي.

منافسة “كردية”

من جانبه ما يسمى “المجلس التنفيذي للإدارة الذاتيّة في شمال وشرق سوريا” التابع لتنظيم”قسد” والمدعوم من الجيش الأمريكي حدد سعر شراء كيلو غرام القمح بـ 1150 ل.س وسعر كيلو غرام الشعير بـ850 ل.س مع تحديد عدد كبير من المراكز التي تم الاستيلاء عليها خلال السنوات الماضية كمراكز للشراء وأنها مستعدة لاستقبال مادتي القمح والشعير بدءا من 20 أيار الجاري.

وكان تنظيم “قسد” قام بإجبار الفلاحين والمزارعين على بيع محاصيلهم له وبأسعار قليلة جداً ، حيث وصلت الكميات المشتراة الى أكثر من 800 ألف طن، حيث تم بيعها وسرقتها بالتعاون مع الاحتلال الأمريكي باتجاه دول الجوار وحرمان الشعب السوري منها تطبيقاً لقانون “قيصر” الامريكي الجائر.

يشار أن كميات القمح المخزنة في مراكز الدولة السورية في محافظة الحسكة تبلغ حالياً 72 ألف و24 طنا من القمح فقط ، حيث بلغ مجموع شراء الأقماح خلال موسم تسويق الحبوب الماضي 2020م ما يقارب 228 ألف طن من القمح ، حيث تم شحن 195 ألف و415 طن للمطاحن العامة والخاصة في عام 202م و21 ألف و900 طن في عام 2021م ، لتأمين مادة الخبز للسوريين.