الخميس , مارس 28 2024
وفاة نابليون بونابرت المثيرة.

وفاة نابليون بونابرت المثيرة.. هل مات مقتولاً أم نتيجة مرض خبيث؟

وفاة نابليون بونابرت المثيرة.. هل مات مقتولاً أم نتيجة مرض خبيث؟

شام تايمز

على جزيرة نائية جنوب المحيط الأطلسي، تجمّع عدد من الأفراد الحزينين حول رجل يحتضر في منزل منعزل. وبينما كانوا يراقبون لحظاته الأخيرة، تلفّظ ببضع كلمات حول الجيش ثم رحل. مات نابليون بونابرت.

شام تايمز

لكن كيف مات الإمبراطور الفرنسي والعسكري الفذ؟ ليس في معركة كما كان يتمنّى، بل في المنفى، حيث أمضى أيامه الأخيرة. إذ أُرسل نابليون إلى منفاه في جزيرة سانت هيلينا قبالة سواحل جنوب غرب إفريقيا بعد خسارته “معركة واترلو” لصالح البريطانيين عام 1815.

أُعلنت وفاة نابليون بونابرت رسمياً بسبب سرطان المعدة عن عمر يناهز 51 عاماً، ومع ذلك، ظلت هناك تساؤلات عالقة حول السبب الحقيقي لوفاته، لا سيما أنَّ طبيبه رفض التوقيع على تقرير تشريح الجثة.

قبل وفاته في 5 مايو/أيَّار 1821، كتب نابليون في وصيته: “أموت مقتولاً قبل أواني على يد الأقلية الإنجليزية الحاكمة وقتلتها المأجورين”.

فما هي تفاصيل وفاة نابليون بونابرت وهل مات نتيجة المرض أم مات مقتولاً؟ وما هي تبعات وفاته؟

صعود نابليون بونابرت وسقوطه

عاش نابليون رحلة صعود صاروخي لم يشهدها سوى عدد قليل من الشخصيات على مر التاريخ. لكن بالطبع، لم يدُم هذا الأمر إلى الأبد.

وُلد في جزيرة كورسيكا الفرنسية في 15 أغسطس/آب 1769، وعندما اندلعت الثورة الفرنسية عام 1789، جاءت فرصته المناسبة. أدّى نجاحه العسكري في حصار طولون عام 1793 إلى تثبيت أقدامه باعتباره قوة لا يستهان بها.

وفي عام 1795، نجح نابليون بونابرت البالغ من العمر حينها 26 عاماً في تكوين صداقات سياسية من خلال وقف انتفاضة اندلعت ضد الجمهورية في باريس، حسب تقرير لقناة Pbs.

أذهل صعود نابليون أوروبا بأسرها منذ تلك اللحظة، حيث سرعان ما أصبح ذا قوة ومكانة سياسية. سيطر على الحكومة الفرنسية في “انقلاب 18 برومير” عام 1799 . وبعد 5 سنوات، توّج نابليون بونابرت- البالغ من العمر 35 عاماً- نفسه إمبراطوراً لفرنسا.

توالت انتصارات نابليون في ساحات المعارك؛ سحق روسيا والنمسا في معركة أوسترليتز عام 1805 ودمّر الإمبراطورية الرومانية المقدسة التي يبلغ عمرها 1000 عام.

ولكن كتب نابليون بداية نهايته عندما قرر غزو روسيا عام 1812.

أحرق الروس القرى والبلدات أثناء انسحابهم، تاركين الجنود الفرنسيين في مواجهة عدد قليل من القوات وبدون أي شيء تقريباً ليأكلوه. وبحلول سبتمبر/أيلول 1812، وجد الفرنسيون أنفسهم معزولين في موسكو بدون إمدادات غذائية وكان الشتاء قادماً.

اضطر الفرنسيون في نهاية المطاف إلى الانسحاب من موسكو وفقد نابليون مئات الآلاف من جنوده.

استشعرت بقية أوروبا حالة الضعف التي كان يعاني منها جيش نابليون في تلك الفترة، فوحّدت النمسا وبروسيا وروسيا والسويد قواتها ضد فرنسا في معركة لايبزيغ عام 1813. استسلم نابليون في أبريل/نيسان 1814 واضطر إلى التنازل عن عرشه.

نُفي نابليون في البداية إلى جزيرة إلبا في البحر المتوسط، لكنه استطاع الهروب وحاول الاستيلاء على السلطة في فرنسا مُجدَّداً حتى هُزم في “معركة واترلو” في يونيو/حزيران 1815.

تقرر إعادة إرسال نابليون إلى المنفى لكن هذه المرة إلى جزيرة سانت هيلينا، وهي جزيرة صغيرة منعزلة تابعة لبريطانيا وُصفت ذات مرة بأنَّها “بعيدة للغاية عن أي مكان آخر بالعالم”.

الأيام الأخيرة للإمبراطور المنفي

كان المنفى في سانت هيلينا مصيراً أسوأ من الموت بالنسبة لنابليون بونابرت.

قال ذات مرة أثناء إقامته في تلك الجزيرة النائية: “الموت ليس شيئاً مهماً، لكن أن تعيش مهزوماً مغموراً يعني أن تموت كل يوم”.

لم يكُن لدى الإمبراطور السابق شعب يحكمه. لم يصبح لدى القائد العسكري العظيم معارك أخرى ليفوز بها. بدلاً من ذلك، حاول نابليون ببساطة شغل وقته في أعمال مثمرة قدر المستطاع.

كان يعمل في البستنة ويقرأ الكتب ويكتب مذكراته، حسب ما نشر موقع All That’s Interesting .

لم تكن براعة نابليون العسكرية تتناسب مع حالة الملل السائدة في سانت هيلينا. لذا، ساءت حالته النفسية كثيراً وبدأت صحته في التدهور بعد فترة قصيرة.

بحلول عام 1820، بات نابليون في حالة صحية خطيرة للغاية، حيث عانى من آلام في البطن وغثيان وحمى وإمساك وإسهال.

عرف نابليون أنَّ النهاية وشيكة، وقرر في أبريل/نيسان 1821 إملاء وصيته متهماً البريطانيين بالتسبّب في وفاته وطلب دفنه على “ضفاف نهر السين” في فرنسا، حسب ما نشر موقع History Extra.

ظلّ الإمبراطور الفرنسي السابق يتأرجح بين الحياة والموت على مدار أسابيع متتالية. اتخذت حالته الصحية منعطفاً نحو الأسوأ في 5 مايو/أيَّار 1821.

يتذكّر الجنرال الفرنسي هنري برتراند، أحد قادة جيش نابليون: “كان يعاني من آلام شديدة. تفوَّه بعدة كلمات لا يمكن تمييزها بدت أنَّها حول الجيش”.

توفّي نابليون بونابرت في نفس ذلك اليوم عن عمر 51 عاماً. عزت مجموعة من الأطباء في وقتٍ لاحق وفاته إلى سرطان المعدة. لكن الجدل حول سبب الوفاة لم ينته عند هذه النقطة.

تبعات وفاة نابليون بونابرت

أثار نابليون بونابرت الجدل طوال فترة حياته. يراه البعض بطلاً ويعتبره آخرون مجرماً. لم تتغير حالة الجدل هذه حتى بعد وفاته.

أولاً، تصادم البريطانيون والفرنسيون حول تشريح جثة نابليون. أقرَّ العديد من الأطباء الذين فحصوا جثته أنَّه مات بسبب سرطان المعدة. كان هذا التشخيص منطقياً- فقد توفي كل من جد نابليون ووالده وشقيقه وثلاثة من شقيقاته بسبب سرطان المعدة أيضاً.

لكن أحد أطباء نابليون، فرانشيسكو أنتومارتشي، رفض التوقيع على تقرير التشريح، الأمر الذي أثار بعض التساؤلات. لاحظ أنتومارتشي بعد إلقاء نظرة فاحصة على جثة نابليون أنَّ الكبد كان متضخماً.

لكن ثمة مزاعم أنَّ البريطانيين لم يريدوا الإشارة إلى هذا الأمر في تقرير تشريح الجثة حتى لا يقال إنَّه عاني من مشاكل في الكبد في المكان الذي أرسله إليه البريطانيون بدون تلقي علاج.

لذا، حُذفت من التقرير ملاحظة فرانشيسكو أنتومارتشي بشأن الكبد المتضخم لنابليون. بالإضافة إلى ذلك، استبعد الأطباء البريطانيون ملاحظات أنتومارشي حول الحالة السيئة لرئتي نابليون. لذا لا غرابة في امتناع أنتومارتشي عن التوقيع على هذا التقرير.

بعد ذلك، اختلف البريطانيون والفرنسيون حول مكان دفن الإمبراطور السابق. كان نابليون قد طلب إعادة جثته لدفنها في فرنسا، التي أحبها كثيراً. لكن البريطانيين لم يرغبوا في وجود ضريح نابليون في أوروبا. تقرَّر دفنه في نهاية المطاف في جزيرة سانت هيلينا.

أخيراً، تجادل البريطانيون والفرنسيون حول ما ينبغي كتابته على شاهد قبره. أراد الفرنسيون كتابة اسمه “نابليون” بوصفه “الإمبراطور” في حين رفض البريطانيون منح حكمه أي شرعية وأرادوا الاكتفاء بنقش اسمه بالكامل: “نابليون بونابرت”.

لم يتنازل أي من الطرفين عن موقفه، الأمر الذي جعل جسد نابليون يرقد ما يقرب من 20 عاماً في قبر بدون شاهد حتى عام 1840 عندما وافق البريطانيون- الذين كانوا يحتاجون إلى تعاون فرنسي في قضية سياسية منفصلة- على إعادة جثمانه إلى باريس.

تساؤلات عالقة حول موت نابليون

غالباً ما يشير المؤمنون بنظرية القتل إلى “مشتبه به واحد”: الكونت تشارلز مونثولون، وهو رجل فرنسي كان يعيش في جزيرة سانت هيلينا مع نابليون. يعود السبب الرئيسي وراء الشك في هذا الرجل تحديداً إلى أنَّ بعض المؤرخين يعتقدون أنَّ مونثولون كان عميلاً للملكيين الفرنسيين، ومن ثمَّ ربما كان يريد ضمان عدم محاولة نابليون الاستيلاء على السلطة مرة أخرى.

وفقاً لتلك النظرية، يُفترض أنَّ مونثولون سمَّم نابليون بمادة الزرنيخ- بوضعها في زجاجة النبيذ. أظهرت بعض خصلات شعر نابليون المحفوظة بعد الوفاة أنَّ مستويات الزرنيخ أعلى 38 مرة من المستويات المعتادة.

ومع ذلك، تشير نتائج أحدث إلى أنَّ تقرير التشريح الأولي الصادر عام 1821 كان صحيحاً. وعلى الرغم من أنَّ مستويات الزرنيخ تبدو مقلقة على نحوٍ واضح، يجب معرفة أنَّ مادة الزرنيخ كانت شائعة للغاية خلال القرن الـ19، حيث كانت تُستخدم في الطب والمنتجات الغذائية ومستحضرات العناية بالشعر.

علاوة على ذلك، تطابقت الأعراض التي ظهرت على نابليون مع تلك التي يعاني منها مرضى سرطان المعدة. وكشف فحص البناطيل التي كان يرتديها في منفاه بجزيرة سانت هيلينا أنَّ خصره أصغر مما كان عليه في فرنسا ويُحتمل أن يكون فقد 30 رطلاً من وزنه قبل وفاته.

وهذا أمر متوقع حدوثه لشخص مصاب بسرطان المعدة، وليس في حالة التسمم بالزرنيخ. في الوقت نفسه، وُصف جلد وأظافر نابليون بأنَّها كانت “شاحبة”، وهذا ما قد تسببه جرعة قاتلة من مادة الزرنيخ.

وعلى الرغم من احتمالية عدم الوصول مطلقاً إلى الحقيقة المؤكدة، تشير حقيقة طرح السؤال– وبقائه عالقاً لفترة طويلة- إلى أنَّ البريطانيين فشلوا في وأد الاهتمام بنابليون عندما نفوه إلى سانت هيلينا.

ربما يكون نابليون بونابرت قد مات حزيناً وحيداً، لكن من المؤكد أنَّ حياته وسيرته ستظل تشغل حيزاً كبيراً من التاريخ.

اقرأ أيضا: قصة مرعبة… شخص يقوم بالاحتفاظ بجثة لص حاول سرقته منذ 15 عاما

شام تايمز
شام تايمز