بعد إدلب وأوكرانيا.. تركيا تتحدّى روسيا في بولندا
وقّعت تركيا، الإثنين الماضي، اتفاقية مع بولندا لبيعها 24 طائرة مسيّرة مسلّحة، وهي أوَّل دولة أطلسيّة تشتري هذا النوع من السلاح التركي. وقد رحّب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان “باستفادة بولندا، بصفتها أول دولة عضو في الحلف الأطلسي، من خبرات تركيا وإمكانياتها العسكرية”، مشيراً إلى “أنَّ تركيا تُعتبر من بين أفضل 3 أو 4 دول في العالم في مجال الطائرات المسيَّرة”.
وأشار إردوغان إلى “أنَّ تركيا سترسل طائرات “أف – 16” التركية إلى بولندا، كجزء من مهمة قوات الحلف الأطلسي الجوية”، وعبَّر عن “ترحيبه بإرسال بولندا طائراتها للقيام بجولات استطلاعية بحرية (في البحر الأسود)، وإرسال وحدة عسكرية جوية إلى قاعدة “إنجيرليك” الأميركية جنوب تركيا، في إطار مسؤوليات الحلف للدفاع عن تركيا”.
بدورها، ذكرت شركة “بايكار” الَّتي يملكها صهر الرئيس التركي سلجوق بيرقدار: “وفقاً للاتفاقية المبرمة، سيتم تصدير 24 مسيّرة إلى بولندا مع محطات تحكّم وبيانات أرضية، كما سيتم تصدير صواريخ موجّهة، تستطيع المسيّرة الواحدة حمل 4 منها، وتستطيع إصابة الهدف بشكل دقيق ومحدد عبر مؤشر الليزر”.
من جهته، رحّب الرئيس البولندي دودا بالتعاون العسكري مع تركيا، وقال إنهم “سعداء بأن تقوم طائرات “أف – 16” التركية بحماية الأجواء البولندية”، متوقعاً “المزيد من التعاون الاستراتيجي مع تركيا في جميع المجالات”.
زيارة الرئيس دودا لأنقرة وتوقيعه اتفاقيات عسكرية استراتيجية مع الرئيس إردوغان والمسؤولين الأتراك، تزامنا مع تصريحات مهمة أدلى بها وزير الخارجية الروسي لافروف، الّذي “لم يخفِ انزعاجه من التعاون العسكري التركي مع أوكرانيا”، وقال: “إننا نوصي، وبقوَّة، زملاءنا الأتراك بقراءة الوقائع بشكل سليم، ووضع حدّ نهائيّ لتشجيعهم كييف على المزيد من العمل العسكري ضد روسيا. كما أننا نتمنى لأنقرة أن تحدد مسار علاقاتها مع أوكرانيا، واضعة بعين الاعتبار قلقنا من سياسات كييف الاستفزازية في القرم”.
استبقت أنقرة القلق الروسي هذا بموقف آخر يستفز موسكو، وهذه المرة لدى جارتها بولندا، التي لا تختلف علاقتها بروسيا عن علاقات الأخيرة بالجارة أوكرانيا، والتي تريد واشنطن لهما معاً أن تكونا بمثابة الخندق الأمامي لإزعاج الرئيس بوتين،
الذي ردّ في بداية نيسان/أبريل الماضي على الاستفزازات الأميركيّة بحشد عشرات الآلاف من قواته البرية والبحرية والجوية في البحر الأسود وقرب أوكرانيا، واضطرّ الطرف الآخر حينها إلى التراجع والتفكير في حوار مباشر مع موسكو، والإعداد لقمة مع الرئيس بوتين في 16 حزيران/يونيو القادم في جنيف، بعد يومين من القمة الأطلسية في بروكسل في 14 حزيران/يونيو.
وقد بات واضحاً أن الرئيس إردوغان يستعدّ لهذه القمة عبر إشارات يريد لها أن تقنع بايدن بأنه ما زال حليفاً لواشنطن، وهو ما فعله ببيع الطائرات المسيّرة لبولندا؛ العدو الآخر لروسيا، لتكون بذلك بعد أوكرانيا، ولاحقاً جورجيا، وحتى أذربيجان، ساحات جديدة “لاستفزاز” الرئيس بوتين الذي يواجه مثل هذا “الاستفزاز” أساساً في سوريا، وفي إدلب تحديداً،
حيث يتواجد الجيش التركي بأسلحته كافة، بما فيها الطائرات المسيرة، وهي قرب القواعد الجوية والبحرية الروسية في طرطوس واللاذقية القريبة من أماكن تواجد مسلحي “النصرة”، بمن فيهم الشيشانيون (الروس) والتركستانيون (الصينيون). كما ساعدت هذه المسيَّرات الفصائل الموالية للسرّاج في ليبيا على تحقيق انتصارات مفاجِئة في صيف العام 2019 على القوات الموالية لخليفة حفتر، والمدعومة من مصر وروسيا.
التعاون العسكري التركي مع أوكرانيا، والآن مع بولندا، التي ستشتري مسيَّرات تركية تمَّ تطوير محركاتها بالتعاون مع كييف التي تشهد علاقاتها تطورات مثيرة مع أنقرة في عهد الرئيس الحالي زالنسكي، وهو يهودي الأصل، يبدو واضحاً أنه سيزعج موسكو، وخصوصاً إذا ارتاح الرئيس بايدن إلى تحركات إردوغان هذه، من دون أن يكون واضحاً كيف سيكون موقف واشنطن ورد فعلها على إرسال تركيا عدداً كبيراً من مسيَّراتها إلى الشطر الشمالي القبرصي،
في الوقت الذي تسعى أنقرة لبناء حاملة طائرات مسيَّرة تتجوَّل في الأبيض المتوسط، ولاحقاً في بحر إيجة والبحر الأسود الذي تطلّ عليه رومانيا وبلغاريا، العضوان في الحلف الأطلسي، والبلدان اللذان تربطهما علاقة جيدة بأنقرة، فيما تستمرّ واشنطن في مساعيها لضمّ جورجيا وأوكرانيا إلى الحلف الأطلسي وبناء قواعد بحرية في الدول المذكورة، بهدف تضييق الحصار على روسيا في البحر الأسود.
وحتى ذلك التاريخ الذي يسعى الرئيس إردوغان أثناءه لترتيب أموره الإقليمية والدولية، مع انعكاسات ذلك على الوضع الداخلي، يعرف الجميع أن اللقاء مع الرئيس بايدن في 14 حزيران/يونيو هو الذي سيحدد مسار كل الحسابات الإردوغانية ومستقبلها. ويلتقي إردوغان، الأربعاء، عبر الإنترنت، ممثّلي أهم 20 شركة أميركية، وسيعدهم بكل التسهيلات والامتيازات مقابل أن يدعموه في حواره القادم مع الرئيس بايدن والمؤسسات الأميركية الأخرى.
كما سيعد الرئيس بايدن بتعاون أوسع وأوثق من تعاون واشنطن مع القاهرة، ما دامت أميركا بحاجة إلى تركيا أكثر من مصر، لأنها تجاور العدو التقليدي روسيا في حدائقها الخلفية في القوقاز وآسيا الوسطى وأوروبا الشرقية، وهي جميعاً ضمن اهتمامات أميركا التي أسقطت الاتحاد السوفياتي ومزَّقته بنظرية الحزام الأخضر، ويبدو أنها الآن تبحث عن نظريات جديدة.
ويريد الرئيس إردوغان أن يكون لتركيا دور فعال فيها، كما كان لها مثل هذا الدور في مشروع “الشرق الأوسط الكبير” وما لحق به من سيناريوهات “الربيع العربي”، الذي يريد له الرئيس بايدن أن ينتهي بإغلاق الملف الفلسطيني وفق المصالح والحسابات الإسرائيلية التي بَنى ترامب على أساسها اتفاقية “أبراهام”!
ويبدو أنَّ الرئيس إردوغان لن يعترض عليها بعد الآن، ما دامت هناك دول عربية تؤيدها، كما سيسعى لكسب ثقة الرئيس بايدن بشتى الوسائل، المباشرة وغير المباشرة، في ساحات تهمّ واشنطن وتعدّ أولوية لها، وهي خاصرة روسيا، أينما كانت!
الميادين-حسني محلي
إقرأ أيضاً:هل تمت إقالة رئيس “الموساد” بسبب حرب غزة؟