ست دلالات للانتخابات السورية
حسن حردان
شكلت المشاركة الكثيفة، داخل سورية وخارجها، في الانتخابات الرئاسية السورية التي جرت في موعدها الدستوري، الدلالات
المبالغة الأهمية التي أكدتها، تتويجاً لصمود وثبات وانتصار الدولة الوطنية بقيادة الرئيس المقاوم بشار الأسد، وهزيمة مدوية
لمخططات واشنطن وحلفائها في محاولاتهم النيل من شرعية الانتخابات، وإعاقة إجرائها، والتأثير على إرادة السوريين وحرية
قرارهم في انتخاب رئيس بلدهم، وسقوطاً مدوياً لكلّ الرهانات الغربية على إضعاف التفاف الشعب السوري حول دولته الوطنية،
والذي أكد عملياً عبر إقباله الكثيف وغير المسبوق على صناديق الاقتراع، على رفض التدخلات والإملاءات الغربية، والانتصار لخياره
الوطني الاستقلالي.. وبالتالي فشل محاولات إثارة الفتنة بين أطياف الشعب السوري من ناحية، ودولتهم الوطنية من ناحية
ثانية.. كما عكست فشلاً مدوياً لخطط الاحتلال الأميركي وقوى الأمر الواقع التابعة له في الجزيرة السورية، حيث جاءت المشاركة
الشعبية هناك، رغم العوائق، لتعرّي سلطة الأمر الواقع «قسد» التابعة للاحتلال، التي حاولت إعاقة إجراء الانتخابات في المنطقة
دون جدوى، كما جاءت الانتخابات لتزيد من عزلة الجماعات الإرهابية المتبقية في بعض مناطق محافظة إدلب…
على أنّ نتائج هذه الانتخابات وحجم المشاركة الشعبية غير المسبوقة، عكست جملة من الدلالات بالغة الأهمية، أبرزها:
الدلالة الأولى، تمثلت بتحوّل يوم الانتخابات إلى عرس وطني، الأمر الذي فاجأ الحكومات المعادية لسورية، لا سيما الحكومات
الغربية، الذين حاولوا طوال أكثر من عشر سنوات من عمر الحرب الإرهابية التي شنّوها على سورية، دولة وجيشاً وشعباً،
استمالة الرأي العام السوري وتأليبه ضدّ قيادته وفي الطليعة الرئيس بشار الأسد، ووظفوا لهذا الهدف كلّ ما لديهم من إمكانيات
مالية سخرت لشنّ أوسع حرب إعلامية، بالتوازي مع شنّ الحرب الإرهابية، لتضليل الشعب السوري، ودفعه إلى الانقلاب ضدّ
دولته ورئيسها الرافض للهيمنة الاستعمارية، وتأييد الجماعات الإرهابية المسلحة، وتمكينها من إسقاط الدولة السورية، وإقامة
دولة عميلة للغرب الاستعماري، على أساس طائفي ومذهبي وعرقي…
غير أنّ نتيجة هذه الحرب، كانت الفشل الذريع، وتعرية الادّعاءات والمزاعم الغربية وانكشاف زيفها وعدم مصداقيتها، حيث جاءت
نتائج الانتخابات والزخم الشعبي في الإقبال على مراكز الاقتراع في أرجاء سورية، وخارجها، والتصويت بحماس لإعادة انتخاب
الرئيس الأسد لولاية رابعة، جاءت لتوجه ضربة قاصمة للمخططات والرهانات الغربية على منع حصول هذه الانتخابات أو إعاقة
المشاركة الفعّالة فيها، وبالتالي التشكيك بشرعيتها، وبشرعية إعادة انتخاب الرئيس الأسد.. لكن الشعب السوري خيّب آمال الغرب وأسقط رهاناته…
الدلالة الثانية، تتويج صمود سورية، وانتصارات الجيش العربي السوري بدعم من حلفائه، من خلال هذا التأييد والالتفاف الشعبي،
المنقطع النظير، حول الدولة الوطنية السورية كضمانة لوحدة سورية، أرضاً وشعباً، ولتحقيق الأمن والاستقرار في كلّ ربوع
سورية، لا سيما بعد أن رأى السوريون واختبروا الخيارات البديلة التي قدّمتها سلطات الإرهابيين المسلحين في المناطق التي
سيطروا عليها، حيث سادت الفوضى والحروب بين الجماعات المسلحة وفرض الخوات والذبح على الهوية، وقتل كلّ معارض أو
مخالف لآرائهم.. في مقابل الأمان والاستقرار الذي تنعم فيه المناطق الخاضعة لسلطة الدولة والحفاظ على الوحدة الوطنية
واستمرار التقديمات الاجتماعية من صحة وطبابة وتعليم ونقل عام ودعم للسلع والمواد الأساسية إلخ… وهي أمور حُرم منها
المواطنون في مناطق سيطرة المسلحين.
الدلالة الثالثة، انتصار خيار الاستقلال الوطني ورفض التبعية والتدخلات الأميركية الغربية في شؤون سورية الداخلية وخيارات
الشعب السوري، من خلال التأكيد على حرية إرادة وقرار الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه وانتخاب رئيس بلاده بعيداً عن
أيّ خضوع لأيّ إملاءات أو مؤثرات خارجية.
الدلالة الرابعة، وفاء الشعب السوري للرئيس الأسد لما شكله من ضمانة في الحفاظ على الوحدة الوطنية وتماسك الدولة
الوطنية السورية وقيادة الجيش العربي السوري في مواجهة أشرس حرب إرهابية كونية، وصموده وثباته وصلابة موقفه في
التمسك بثوابت سورية الوطنية والقومية وخيار ونهج المقاومة، والتمسك أيضاً بموقف سورية المبدئي بدعم قضية فلسطين
ومقاومتها ورفض ان تتحوّل سورية إلى حجر مسموم في خاصرة الشعب الفلسطيني، على غرار ما فعلت وتفعل بعض الحكومات
العربية التابعة للمستعمر الأميركي، وبالتالي رفض الرئيس الأسد التخلي عن التحالف الاستراتيجي مع إيران الثورة، أو التخلي
عن دعم المقاومين في العالم العربي وفي مقدّمهم المقاومين في لبنان، وتأكيده منذ بداية الحرب الإرهابية، انّ سورية لن تقبل
المساومة او التفريط باستقلالها الوطني ولن ترضخ للإرهاب وسوف تكافح وتقاتل جيوش الإرهاب، وخاض المعركة على كلّ الصعد
بجدارة القائد المقاوم مع جيشه وشعبه، ولم يغادر الساح في أشدّ الظروف قساوة وخطراً، ولم ترهبه كلّ التهديدات، ولم
يستسلم للإغراءات، ولذلك فإن إعادة انتخابه من قبل غالبية السوريين، إنما يعبّر عن وفاء الشعب له ولإخلاصه لسورية وشعبه
وجيشه…
الدلالة الخامسة، إسقاط الذرائع والمبرّرات التي كانت تستخدمها الحكومات الغربية لتبرير تدخلها في شؤون سورية الداخلية،
ومواصلة الحصار عليها، وإعاقة إنهاء الحرب وتحقيق السلام على كامل الأرض السورية، وإعادة الإعمار.. فهذه الحكومات الغربية،
ستكون، بعد نتائج الانتخابات والمشاركة الواسعة فيها، في حالة حرج شديد إزاء الرأي العام العالمي ودول العالم الأخرى، اذا ما
واصلت سياسة التشكيك بشرعية إعادة انتخاب الرئيس الأسد، أو ادّعاء انّ الشعب السوري لا يملك حرية التعبير عن رأيه، لانّ
هذا المنطق أسقطته هذه الانتخابات بالضربة القاضية.
لقد أكد الشعب السوري أنّ خياراته محسومة بوضوح بالوقوف إلى جانب دولته الوطنية وعودة سيطرتها على ما تبقى من مناطق
في شرق وشمال سورية.. هذا المناخ الشعبي والتأييد العارم للرئيس الأسد في مواصلة قيادة سورية في مسيرة إعادة البناء
والأعمار، كما قادها بجدارة وكفاءة في مواجهة الحرب الإرهابية الكونية، إنما يشكل تتويجاً لهزيمة أهداف المشروع الأميركي
الاستعماري في سورية.. سيجبر واشنطن، عاجلاً أم آجلاً، على سحب قواتها المحتلة من شمال شرق سورية بدون قيد ولا
شرط…
الدلالة السادسة، انتصار خيارات سورية الوطنية والقومية، المقاومة، إنما يشكل انتصاراً لكلّ دول وقوى المقاومة في المنطقة،
والعكس صحيح، ذلك أنّ أيّ انتصار يحققه ايّ طرف من أطراف محور المقاومة يشكل انتصاراً لجميع أطرافه، وما تحققه اليوم
المقاومة والانتفاضة في فلسطين المحتلة هو انتصار لخيارات سورية المقاومة، ولكل قوى المقاومة، وانتصاراً لإيران الثورة التي
وقفت منذ اليوم الأول لانتصارها إلى جانب فلسطين ومقاومتها، ووفرت لها كل أشكال الدعم… لذلك يمكن القول إننا أمام تحوّلات
في المنطقة تؤشر إليها نتائج الانتخابات السورية والإنجازات الهامة التي حققتها المقاومة والانتفاضة في فلسطين المحتلة،
والمعادلة الجديدة التي فرضتها، وعززها أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بمعادلة أخرى داعمة لها، تقوم على أنّ أيّ
تهديد للمقدسات في القدس المحتلة والوجود الفلسطيني فيها يعني اندلاع حرب إقليمية.. الأمر الذي يؤشر إلى مستوى تطوّر
قوة وقدرات قوى المقاومة، والتحول الحاصل في موازين القوى لمصلحة محورها، في مقابل المحور الأميركي الصهيوني الرجعي
العربي… ما يزيد من أزمة المشروع الصهيوني على أرض فلسطين المحتلة…