خالد العبود: ما هو موقف السوريّين من عودة العلاقات مع الدول العربيّة؟!
خالد العبود
-القاعدة الأساسيّة الحاكمة للسياسة السوريّة، على مستوى العلاقات الخارجيّة، أن تبقى الأبوابُ مفتوحةً للجميع، وأن يتمّ
استيعاب كلّ من طرق باب سوريّة، وأن يدخل من غير تعبٍ، وأن يجدَ مكاناً يجلسُ فيه، وأن لا يتمّ عتابه في أيّ موقفٍ اتّخذه قبل
ذلك!!..
-هذه واحدة في السياسيّة، تحتاج طاقاتٍ بشريّةً فريدةً وغير طبيعيّةٍ، وتحتاج رجالاً يدفنون مشاعرهم وعواطفهم وقلوبهم، وتحتاج
تمريناً صعباً عند الهواة، وعند الناس العاديّين!!..
-نعم هذا في السياسة، هذا في القواعد العامة لبناء العلاقات مع الحكومات والدول والأنظمة، أو استعادتها، تؤدّيها المؤسّسات
المسؤولة عن ذلك، والأفراد الذين يمثّلون هذه المؤسّسات..
-لكن السؤال المرير هنا – خاصة في مثل هذه المرحلة التي نمرّ بها، في استعادة علاقاتنا مع بعض الأنظمة والحكومات التي
ساهمت بحريق سوريّة، ودعمت ودفعت وحرّضت وقاتلت، في سبيل قتل وتهجير وهزيمة السوريّين – ماذا عن الجمهور، ماذا عن
الناس، ماذا عن السوريّين الذين واجهوا الويلات والمصائب، من وراء هذه الأنظمة والحكومات؟!!..
-هل نُلزم هؤلاء السوريّين جميعاً، أن يُتقنوا قواعد لعبة المؤسّسات الرسميّة، وأن يتحوّلوا جميعاً إلى وزراء خارجيّة وسفراء وأعضاء
سلك دبلوماسيّ، أو أن يتحوّلوا إلى رجال آليّين، لا يعبّرون عن مشاعرهم وعواطفهم، تجاه ذلك، خاصة وأنّ فاتورة بقائهم
وصمودهم كانت عالية جدّاً؟!!..
-الجواب في تقديرنا، طبعاً لا، فعلى المؤسّسات أن تعمل وفق قواعدها، في الدّفاع عن مصالح الشعب، وحماية هذه المصالح،
وفق القواعد التي تراها مناسبة، وعلى الشعب أن يعبّر عن كامل مشاعره وعواطفه، من خلال مؤسّساته غير الحكوميّة، من
أحزابٍ ومنظماتٍ واتحادات ونقابات، حتّى أنّه مطلوبٌ من مجلس الشعب، ألا ينعزل عن هذه المشاعر والعواطف، وأن يتماهى
معها تماماً..
-لا بدّ من استغلال الجمهور لشعوره وغضبه على تلك الأنظمة والحكومات، ولا بدّ من الإبقاء على وجدانه الجمعيّ تجاهها، لا بل
أكثر من ذلك، إنّه مطلوبٌ من النخب والمثقفين والمفكّرين، الاستثمار في هذا الغضب والسُخط الجماهيريّ، وتحويله إلى مادة
حيّة في السياسة، يمكن أن تستعملها مؤسسات الدولة المسؤولة من خلال ترتيب علاقاتها الجديدة، مع تلك الأنظمة
والحكومات..
-إلى جميع المثقفين والمفكرين والمحلًلين، وجميع قيادات الأحزاب السياسيّة السوريّة، ممّن يشارك في السلطة وممّن لم
يشارك، إلى هؤلاء جميعاً، لا نريد من أحدٍ غداً أن يحدّثنا عن فضائل عودة العلاقات، العربيّة – العربيّة، وعن أهمية التضامن العربيّ،
وعن دور الجامعة العربيّة، وعن علاقات الأخوة مع الأنظمة العربيّة، وعن فوائد التقارب العربيّ – العربيّ!!..
-إنّ السوريّين يفهمون كلّ ذلك، ويدركون أكثر من ذلك، ويعرفون تماماً كلّ اسطواناتكم النظريّة تلك، وهم يحفظونها عن ظهر قلب،
وهم يفصلون جيّداً بين هذه الأنظمة والحكومات البالية والبائسة، وبين أبناء أمتهم العظيمة..
-مطلوبٌ من جميع القوى، الاجتماعيّة والثقافيّة والسياسيّة، على مستوى الخارطة الوطنيّة السوريّة، تلك القوى المجتمعيّة التي
لا تتواجد في مؤسسات الدولة الرسميّة، مطلوبٌ منها أن تبتكر صيغة خطاب وطنيّ جديد، يساهم في تأصيل موقف وطنيّ جامعٍ
للسوريّين، من هذه الأنظمة والحكومات، ليس بالضرورة أن يتطابق تماماً، مع موقف الحكومة الرسميّ!!..