السبت , نوفمبر 23 2024
لماذا لا نضحك عندما ندغدغ أنفسنا؟

لماذا لا نضحك عندما ندغدغ أنفسنا؟

لماذا لا نضحك عندما ندغدغ أنفسنا؟

يعتبر هذا السؤال دون مبالغة أحد أكبر الألغاز حول العقل البشري، فعدم قدرتنا على دغدغة أنفسنا تتعلق بالوعي الذاتي، ففي جميع الأوقات، ومن دون حتى أن نفكر في ذلك، نحن ندرك أين توجد أطرافنا وما يقوم به جسمنا، وهذا ليس بالأمر المضحك.

لمعالجة الأمر من ناحية علمية، قامت (سارة-جين بلاكمور)، عالمة الأعصاب في جامعة لندن، بإجراء مسح دماغي مغناطيسي وظيفي لمجموعة من الأشخاص لمراقبة مدى استجابتهم للدغدغة عند محاولتهم لدغدغة أنفسهم،

وعندما يتم دغدغتهم من قبل شخص آخر، وتبين بأنه عندما كان يتم دغدغة المشاركين من قبل شخص آخر، كانت القشرة الحسية الجسدية لدى المشاركين (جزء الدماغ المسؤول عن حاسة اللمس) والقشرة الحزامية الأمامية (التي تتعامل مع العاطفة، والمكافأة والسيطرة على الانفعالات) تومضان مثل شجرة عيد الميلاد، ولكن عندما كان المشاركون يحاولون دغدغة نفسهم، بقيت المنطقتان خاملتين نسبياً، في الوقت الذي كان فيه المخيخ – الذي يشارك في تنسيق وتنظيم النشاط العضلي – يبدأ بالعمل.

أدى ذلك لجعلها تستنتج بأن عملية توقع الأحاسيس المحددة للأفعال المعينة تتضمن المخيخ بشكل من الأشكال، وبأنه هو من يقوم بتقليل مستوى استجابة الدماغ قبل وصول الرسائل الحسية إليه، وبعبارة أخرى، فإن المخيخ يعرف أين تتجه اليد، ويحدد، بأن هذا الفعل سيسبب الدغدغة، وبذلك فهو يثبط من مفعوله ويقطع استجابة القشرة الحسية الجسدية قبل أن يبدأ الشخص حتى في دغدغة نفسه.

لكن لماذا؟ لفهم السبب وراء رد الفعل هذا، علينا التفكير في السبب الذي يجعل الأشخاص يتأثرون بالدغدغة في المقام الأول.

يمتلك هذا السؤال تاريخاً طويلاً – فحتى داروين تساءل عن ذلك- ولكننا سنبدأ من عام 1897، عندما صاغ كل من عالمي النفس (جرانفيل ستانلي هول) و(آرثر ألين) المصطلحات الأولى للدغدغة، فهناك الـ(knismesis)، وهو الشعور بالحكة الطفيفة الذي تشعر به عندما يقوم أحدهم بتمرير ريشة برفق على بشرتك، ومن ثم هناك الـ(gargalesis)، وهو الشعور الغامض الذي يولد الضحك والذي لا يمكن أن يتسبب به سوى شخص آخر.

بحسب (كريستين هاريس) وهو طبيب نفسي في جامعة كاليفورنيا في سان دييغ، فقد يبدو من السهل تصور الوظيفة التطورية للـ(knismesis)، فهو ذلك الإحساس المزعج الذي يدعو الشخص لحك أو فرك المنطقة التي يتم تحفيزها، وبالتالي التخلص من الحشرات أو الطفيليات التي يمكن أن تكون قد زحفت على الجسم.

تختبر الكثير من الثدييات هذا النوع من الاستجابة اللمسية الخفيفة، ولكن من المعروف أن الرئيسيات هي الوحيدة التي تمر بتجربة الـ(gargalesis)، حيث قامت عالمة الرئيسيات (مارينا دافيلا روس) بإجراء تجارب قامت خلالها بدغدغة صغار السعادين والغوريلا والشمبانزي والبابون ووجدت بأن ذلك جعل الصغار يصدرون أصواتاً تشبه الضحك، وحتى أن صغار الشمبانزي أبدت نوعاُ من “الوجوه الضاحكة”،

حيث أنها كانت تبتسم بأسنان ظاهرة وهي تلعب، وهذا ما جعل (روس) تعتقد بأن البشر ورثوا قدرتهم على الضحك من آخر سلف مشترك لهم مع القردة العليا.

ما يثير الدهشة هو أن دراسة أخرى أجريت في عام 2000، وجدت بأن الفئران المخبرية تستجيب للدغدغة بذات النوع من الزقزقة التي يستخدمونها أثناء اللعب مع بعضهم البعض.

من غير الواضح تماماً ما هي الفائدة التطورية لهذا النوع من الدغدغة، ولكن البعض يجادل بأن الضحك – بما في ذلك نوع الدغدغة – يرتبط بالذكاء الاجتماعي، فإذا كنت كائناً يعيش ويعمل ضمن مجموعات، فمن الجيد أن تكون قادراً على تكوين الصداقات من حولك، حيث اقترحت (روبرت بروفين)،

وهي طبيبة نفسية في جامعة ميريلاند، بأن الدغدغة توفر وسيلة للاتصال بين الآباء والأمهات والأطفال الرضع قبل أن يصبح الأطفال قادرين على التحدث، والاستجابة بالضحك تجاه لمسة لعوب تقدم ردود فعل إيجابية للآباء والأمهات، مما يجعل البالغين أكثر انتباهاً على أطفالهم ويزيد من فرص بقاء الأطفال على قيد الحياة.

تشير نظرية أخرى إلى أن الدغدغة تعزز حماية المناطق المعرضة للخطر والغير مدعمة بالكثير من العظام، مثل المعدة، ومنطقة تحت الإبطين، وباطن القدمين، حيث أن الدماغ يسارع في المكافحة أو الهروب، وبهذا تكون ردة الفعل هذه شكل من أشكال الدفاع الغريزي عن النفس، حيث يتم ضغط ذلك الجزء من الجسم لتقليل الحيز المتاح للهجوم.

تشير بحوث (هاريس) إلى أن الدغدغة هي استجابة فيزيولوجية تلقائية منخفضة المستوى، وسلوك بيولوجي لا نملك السيطرة الواعية عليه، وهو في هذا يشبه الإحساس بالمفاجأة، حيث تشير إلى أننا لا يمكننا السيطرة عليها أو جعل أنفسنا نشعر بها، لأن معرفة الدماغ بما سيحصل بناءً على الإشارات الآتية من حركة العضلات في المخيخ، ستجعله يقطع الاستجابة الفيزيولوجية،

ومن وجهة النظر التطورية، هناك ميزة واضحة لهذا النظام، حيث أنه يبقينا في حالة تأهب لمواجهة الحيوانات المفترسة المحتملة، ولكنه يمنعنا من إضاعة الوقت في التفاجؤ من حركاتنا التي لن تلحق الأذى بنا.

ولكن هناك طرق للالتفاف حول ذلك، ففي دراستها على الدغدغة الذاتية، استخدمت (بلاكمور) آلات لخلق تأخير صغير بين حركة يد المشارك وحركة الدغدغة الفعلية، ووجدت بأنه كلما زاد تأخير رد فعل، زاد شعور المشارك أكثر بالدغدغة، لذلك قد يكون بإمكانك دغدغة نفسك، إذا كنت على استعداد لشراء هذه الآلة.

من جهة ثانية، استطاع (جاكوب هوهوي)، وهو أستاذ في جامعة موناش، تخفيز الدغدغة الذاتية عن طريق جعل المشاركين يفكرون بأنهم في أجسام أشخاص آخرين (حيث ارتدى المشاركون نظارات موصولة إلى كاميرا كانت موضوعة على رأس شخص آخر)، وقد وجد أيضاً بأن الأشخاص الذين يعانون من الفصام يكونون أكثر عرضة لدغدغة أنفسهم.

قد يبدو هذا البحث سخيفاً، لكنه وبحسب (هوهوي) يساعد العلماء على فهم كيفية شعور البشر بالعالم من حولهم، وهو يعتقد بأن أدمغتنا تعمل بنظام “الاختبار الفرضي” أي أنها تتعلم من خلال مقارنة التوقعات حول بيئتنا بالتصورات الفعلية لدينا.

مجلة نقطة

إقرأ أيضاً:عرض فيلم لتشريح “كائن فضائي” للبيع بمبلغ مليون دولار (فيديو)