الجمعة , نوفمبر 22 2024

قمة بوتين بايدن، هل تنهي الحروب أم تؤججها؟

قمة بوتين بايدن، هل تنهي الحروب أم تؤججها؟

جان بو شعيا

في العام الماضي، أصدرت الولايات المتحدة مجموعة من العقوبات بحق مسؤولين روس متذرعةً بقائمة طويلة من الاتهامات، وأبرز

هذه الاتهامات هي التالية:

– التدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية عامي 2016 و2020.

– اضطهاد النشطاء والصحافيين في روسيا، بمن فيهم المعارض المسجون أليكسي نافالني.

– الانخراط في أنشطة إلكترونية من هجمات سيبرانية وعمليات قرصنة استهدفت كبرى المؤسسات الأميركية الحكومية وغير

الحكومية والغربية.

– ممارسة “البلطجة” الروسية وغيرها من الإجراءات في أوكرانيا.

روسيا بدورها شجبت تدخل الولايات المتحدة في شؤونها الداخلية وتهديدها الاستقرار الدولي، وسلّطت الضوء على ” البلطجة”

التي حصلت ضد المتظاهرين في البنتاغون وقمع حرياتهم وفق ما قال بوتين وأيضا وزير خارجية سيرغي لافروف.

اللقاء بين بايدن وبوتين سيكون مختلفاً عن الاجتماع الذي حضره الأخير مع الرئيس السابق دونالد ترامب في هلسنكي في

تموز/يوليو من العام 2018. حيث أحجم ترامب، بعد ذلك الاجتماع عن انتقاد بوتين، رافضًا بصراحة المعلومات الاستخبارية الأميركية

التي خرجت للتحدث حول التدخل الروسي في انتخابات عام 2016.

كان بايدن قد قال في حملته الانتخابات وبعد وصوله الى البيت الأبيض أنه ، سيتخذ مواقف أكثر صرامة من سلفه ترامب تجاه

روسيا، فهل سيستمر على صرامته في القمة المُرتقبة والتي ينتظرها العالم أجمع، أم تفرض مصالح الطرفين شيئا من الحلحلة؟

الواقع أن ثمة مجموعة كاملة ومعقّدة من القضايا الملحّة ستفرض نفسها بقوة قد تبدأ بقضايا حقوق الإنسان وقد لا تنتهي عند

حدود الهجمات الإلكترونية. إلا أن الكرملين سبق وأكد أن الرئيسيْن سيناقشان الوضع الحالي القائم وآفاق العلاقات الروسية-

الأميركية، وقضايا الاستقرار الاستراتيجي وأزمة المناخ والمشاكل الحادّة التي تتصدّر الأجندة الدولية، بما في ذلك التفاعل حول

كيفية التعامل مع جائحة كورونا وتسوية النزاعات الإقليمية.

وهنا تبرز قضية أوكرانيا كواحدة من ألقضايا الشائكة بين الطرفين ، وقد أكدت الناطقة باسم البيت الأبيض أن بايدن سيؤكد دعمه

لسيادة هذه الدولة وسلامتها الإقليمية. خصوصًا وأن روسيا تخضع لعقوبات أميركية بسبب ضمّ شبه جزيرة القرم في العام 2014.

ومنذ ذلك الحين، يحارب الانفصاليون المدعومون من قبل روسيا في إقليم دونيتسك في شرق أوكرانيا ضد القوات الأوكرانية.

وقد سبق وشهدنا آخر فصول التوتر الروسي-الاوكراني في نيسان/أبريل الماضي، حيث دعا بايدن بوتين إلى التهدئة ونزع فتيل

التوترات إثر إرسال موسكو سفن حربية محذرّةً/مهدّدةً أوكرانيا، وحشد عشرات الآلاف من جنودها على امتداد الحدود البحرية،

الأمر الذي أعاد إلى الأذهان صور الحشد العسكري الروسي الكبير منذ عام 2014.

 

كما لم تُخفي بساكي رغبة بايدن بالتطرق أيضا إلى الهبوط القسري الذي فرضته بيلاروسيا على طائرة “ريان إير” معتقلةً المدوّن

المعارض رومان بروتاسيفيتش في 23 أيار/مايو الماضي. ما أثار استهجان الرأي العام العالمي، وقررت بعض الدول، بما في ذلك

المملكة المتحدة وليتوانيا، تجنب التحليق ضمن المجال الجوي البيلاروسي.

ولعلّ إثارة قضية الهجمات الإلكترونية لن تكون مستغربة، بعدما وجّه بايدن أصابع الاتهام تجاه روسيا إثر الهجوم الإلكتروني على

شركة تكنولوجيا المعلومات الأميركية “سولارويندز” العام الماضي، والذي أضرّ بما لا يقل عن تسع وكالات فدرالية و100 شركة

غربية.

ناهيك عن هجمات بارزة حملت بصمات روسية بعد الهجوم الذي استهدف خط أنابيب شركة “كولونيال پايپلاين” لنقل الوقود في

أميركا في منتصف أيار/مايو الماضي. كما كشفت شركة “مايكروسوفت” عن هجوم كبير مصدره شركة “نوبيليوم” في 27 أيار/

مايو، وهي المجموعة نفسها التي تقول الولايات المتحدة إنها تقف خلف هجوم “سولار ويندز”.

وفي الأول من حزيران/يونيو الحالي، اعلنت شركة إنتاج اللحوم البرازيلية العملاقة JBS، التي تزوّد أميركا الشمالية بكمّ هائل من

اللحوم، عن استهدافها بهجوم يقع ضمن سلسلة “برامج الفدية” التي تنتهجها روسيا.

مصير المعارض الروسي نافالني

تشير الترجيحات الى أن بايدن سيكرّر دعواته للإفراج عن الناشط السياسي نافالني، الذي تعرّص لعملية تسميم عبر استخدام

غاز أعصاب من الدرجة العسكرية في آب/أغسطس من العام 2020، ما دفع نافالني والحكومات الغربية لاتهام موسكو بالضلوع في

الحادث الذي كاد يودي بحياته، وهو ما تنفيه السلطات الروسية منذ حدوثه.

في شباط/فبراير الماضي، صدرت أحكام قضائية بسجن نافالني لمدة عامين وثمانية أشهر بتهمة انتهاك الإفراج المشروط في

قضية اختلاس تعود إلى العام 2014 يرجح أن تكون ذات دوافع سياسية. تسارعت بعد ذلك وتيرة حملة ملاحقة المعارضين، حيث

أضاف الكرملين في 30 نيسان/أبريل الماضي شبكة المقرات الإقليمية التابعة لنافالني إلى قائمة المنظمات المتورطة في

“التطرف والإرهاب”، جنبًا إلى جنب مع مجموعات على غرار “الدولة الإسلامية” و”شهود يهوه”. ما يتيح للسلطات إغلاق

الحسابات المصرفية التابعة للشبكة.

العلاقة الشخصية بين بوتين وبايدن؟

 

الواضح حتى الآن العلاقة تفتقد إلى الكيمياء بين الرجلين، وهذا ليس جديدا، ففي اللقاء الذي جمعهما في العام 2011 وكان

بايدن نائبا للرئيس الاميركي باراك اوباما ، نظر بايدن في عينيْ بوتين وقال: “لا أعتقد أن لديك روحًا”، وفق ما أوردته مجلة

“نيويوركر”.

وقد بلغ السيل الزّبى بين الزعيمين بعدما فجّر بايدن مفاجأة غير متوقعة، في خلال مقابلة تلفزيونية أجراها في آذار/مارس

الماضي، بوصفه بوتين بالقاتل، متوعّدًا إيّاه بتكبيده ثمن أفعاله إثر محاولاته الحثيثة لتقويض الإنتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة،

الأمر الذي دفع روسيا إلى استدعاء سفيرها لدى الولايات المتحدة، مؤقتًا، للمرة الأولى منذ 20 عاماً، حيث علّق بوتين على كلام

بايدن بالقول “عندما كنا اطفالاً، كانت لدينا مقولة نرددها: كل ما تقوله يرتّد عليك”، قبل أن يردف ساخراً تمنياته لبايدن “بصحة

جيدة”.

اما في إطار العقوبات والعقوبات المضادّة، وفي إطار ما وصفه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بأنه “إجراء متبادل” ضد

الولايات المتحدة، قال الكرملين في 16 نيسان/أبريل الماضي أنه سيطرد عشرة دبلوماسيين أميركيين ونشر قائمة سوداء لثمانية

مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين بمن فيهم مدير مكتب التحقيقات الفدرالي. كذلك، أعلنت موسكو أنها ستوقف أنشطة

المنظمات الأميركية التي ترى أنها تتدخل في شؤونها السيادية.

لكن ثمة بارقة أمل لاحقت في الافق مؤخرا بعودة العلاقة إلى حال أقل تشنجًا واحتقانًا، حين قرر بايدن مؤخراً التنازل عن العقوبات

الأميركية المفروضة على الشركة المتعهدة باستكمال بناء مشروع “نورد ستريم 2″، وهو خط أنابيب الغاز الذي يربط بين روسيا

وألمانيا ومنها يمدّ الاتحاد الأوروبي بالغاز ما يُنذر، حسب خبراء أوروبيين وأميركيين، باعتماد أوروبا بشكل اعمق على مشتقات

الطاقة الروسية. فيما تأتي هذه الخطوة، التي يعتبرها بايدن أنها تصبّ في المصلحة الوطنية العليا للولايات المتحدة، في الوقت

الذي يسعى فيه إلى تعزيز العلاقات مع ألمانيا.

آمال القمة

 

من مصلحة الزعيمين أن يسعيا في الوقت الراهن إلى إيجاد أرضية مشتركة وتحسين شروط الحوار الحالي والمستقبلي. ولعلّ

أبرز القضايا التي قد تحظى برضى الطرفين ستتمحور حول الوباء وحال عدم الاستقرار السائدة في منطقة الشرق الأوسط،

خصوصًا بعد تفجّر الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي الذي يتهدّد أمن المنطقة ومستقبلها فضلاً عن أزمة المناخ.

لعلّ ما قالاه في الأشهر التي أعقبت حملة انتخاب بايدن ووصوله الى البيت الأبيض، بلغ ذروة الانتقادات والاتهامات المُتبادلة، ثمة

من يرى أن ذلك كان لرفع سقف شروط كل منهما قبل القمة، خصوصا حين وصل الأمر ببوتين الى حد الايحاد بالإستغناء عن

الدولار الأميركي محذرا أميركا من أنها الخاسرة في لعبة العقوبات.

ورغم حدة اللهجة الخطابية بين الرجلين، الا أننا غالبا ما نقرأ بين السطور رغبة بتحسين العلاقات. فروسيا بحاجة الى انفراجات

مالية، والى التعاون لانهاء صراعات كثيرة وبينها مثلا الحرب السورية، أو الحروب الاخرى في ليبيا واليمن، وتريد تعزيز دورها في

سلام الشرق الأوسط، وأميركا تُدرك أن عدوها العالمي الأول أي الصين، قد يضاعف تقدمه على حسابها عالميا اذا ما عززت بكين

العلاقة مع موسكو.

لذلك ثمة رغبة دفينة أميركية في سحب روسيا من التحالف مع الصين، تماما كما تريد ضمنيا ضرب طريق الحرير عبر اغراء الدول

التي يمر بها بالابتعاد عن الصين.

لذلك يُمكن القول إن آمال نجاح القمة توازي تقريبا نُذُر فشلها، وكل الاحتمالات قائمة، لكن مصلحة واشنطن وموسكو هي في

نجاحها، فبايدن بحاجة الى ترتيب البيت الداخلي عنده بعد ما أحدثه ترامب من دمار، وكذلك تهدئة بؤر التوتر العالمي، وهذا يحتاج

الى تعاون مع روسيا بعد العداوة اللفظية.

لعل ختام المقال سيكون أكثر تفاؤلا لو عدنا الى ما قاله الرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف الذي قبل صفحة الصراع

مع أميركا بعد قمته العالمية الزلزالية مع رونالد ريغان عام 1985، فهو قال قبل أيام ومن على سنواته التسعين “إن بايدن هو

شخص يمكن لروسيا التفاوض معه وأن الإدارة السابقة تبين أنها غير موثوقة”.

موقع لعبة الأمم