السبت , نوفمبر 23 2024
هل تتحوَّل إدلب إلى مخرج نحو نظام إقليميّ جديد؟

هل تتحوَّل إدلب إلى مخرج نحو نظام إقليميّ جديد؟

هل تتحوَّل إدلب إلى مخرج نحو نظام إقليميّ جديد؟

تعتبر كلٌّ من تركيا و”إسرائيل” والسعودية والإمارات وقطر أكثر الدول خسارةً، وفقاً للتصور الإقليمي الجديد الَّذي لم تتضح معالمه النهائية بعد.

أثارت الحشود العسكرية السوريَّة على حدود المناطق المحتلَّة من إدلب، وحدّة الاشتباكات اليوميّة مع المجموعات المسلَّحة التي تعمل تحت إدارة الاحتلال التركي، الأسئلة حول احتمال حدوث عمل عسكري سوريّ كبير بغية تحريرها.

وقد تحوَّلت إدلب، بما آلت إليه أوضاعها، إلى مشكلة إقليمية ودولية، بفعل تجمّع العدد الأكبر من المسلَّحين الإسلاميين التكفيريين من جميع الجنسيات فيها، عدا عن كونها بمثابة خرّاج متقيّح قابل للانفجار في وجه الداخل السوري وكلٍّ من روسيا والصين وإيران والعراق. وقد يتجاوزها إلى الدول التي احتضنت هؤلاء ورعتهم ودعمتهم.

إنّ إدلب، قبل كلِّ ذلك، أراضٍ سورية محتلَّة بشكل مباشر من قوات تركية متمركزة فيها بأعداد تتجاوز 20 ألف جندي تركي، تحت حماية مجموعات مسلّحة يصل عددها إلى 110 آلاف، يرتبط 35 ألفاً منهم بتنظيم “القاعدة”.

وفقاً للمصالح الأميركيَّة المستجدَّة في رؤيتها إلى منطقة غرب آسيا وضرورة إخراجها من مشروع “الحزام والطريق” الصيني والمشروع الأوراسي، كان لا بدَّ من الوصول إلى اتفاق مع إيران التي أثبتت قدرتها مع شركائها في سوريا والعراق ولبنان وفلسطين واليمن على الصمود في وجه أعتى العواصف التي هبَّت على المنطقة.

وسيحدّد هذا التصور الجديد الرابحين بأدوارهم الجديدة التي انتزعوها قسراً، وسيشمل منطقة واسعة تمتدّ من أفغانستان إلى البحر الأبيض المتوسط، مع الاعتراف بالدور اليمني الجديد في التحكّم في مضيق باب المندب نحو البحر الأحمر، الذي يعتبر الأهم دولياً كممرّ للتجارة العالمية.

تحوّلت هذه الرؤية الأميركية المتجددة، فضلاً عن العمل عليها، إلى كابوس للأطراف التي راهنت على انتصارها في الحرب على سوريا والعراق واليمن وفلسطين ولبنان بشكل أساسي. وتعتبر كلٌّ من تركيا و”إسرائيل” والسعودية والإمارات وقطر أكثر الدول خسارةً، وفقاً للتصور الإقليمي الجديد الَّذي لم تتضح معالمه النهائية بعد، وإن كان يعتمد على التوافق وفقاً لمعادلات القوة الجديدة، لاستمرار الانكفاء الأميركي وصعود قوى آسيوية دولياً وإقليمياً.

وقد أدركت السّعودية والإمارات مبكراً تحوّلات الولايات المتّحدة وتراجعها، مع خسارتهما الكبيرة في اليمن، بعد حرب تجاوزت السنوات الست، فسارتا باتجاه الاعتماد على قادة تل أبيب، في محاولةٍ لتشكيل تحالف قادر على الوقوف في وجه المتغيّرات الإقليميّة، وفي الوقت نفسه العودة إلى دمشق والإقرار بنظامها السياسي بشكل مباشر من قبل أبو ظبي، التي حزمت أمرها مبكراً في العام 2018. وقد بدأت الرياض تتحرّى سبل العودة لمواجهة طهران وأنقرة من جهة، ومحاولة تقليل الخسائر في اليمن من جهة أخرى، بإيجاد توافق مع طهران ما زالت تتلمَّس حدوده.

جاءت الانتفاضة الفلسطينيّة في القدس وفلسطين الـ1948 وصواريخ المقاومة في غزة، لتهشّم نتنياهو عسكرياً وسياسياً، ما أتاح للإدارة الأميركية التي تقودها أكبر كتلة يهودية في تاريخ الإدارات الأميركية ممارسة الضغوط الهائلة على نتنياهو، والعمل على إبعاده من المشهد السياسي الإسرائيلي، رغم ما قد يترتَّب على ذلك من إمكانية الهروب نحو حرب إقليمية معروفة النتائج بكارثيتها على الكيان، أو الذهاب نحو حرب أهليّة، في استعادة لمرحلة إسحاق رابين وأكثر من ذلك، وليس أمام الكيان سوى الانضباط بحدود الدّور المحدّد له في المرحلة القادمة.

والآن، جاء دور تركيا باستهداف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الَّذي بدأت عمليّة تحطيمه بكشف المستور في علاقاته بالمافيا والفساد ودعم المجموعات التكفيرية في سوريا، بأمر من الإدارات الأميركية المتعاقبة. ولم يكن أفضل من يقوم بذلك سوى زعيم المافيا التركية، سيديت بيكير، الذي بدأ ببثِّ برنامج عبر “يوتيوب” يتابعه أكثر من 100 مليون إنسان.

لم يتوقَّف الأمر عند ذلك، بل استمرَّ كبرنامج عمل للإدارة الجديدة، وخصوصاً بعد أن سرَّبت صحيفة “التايمز” قرار المحكمة العليا باتهام قطر وأميرها بدعم الإرهاب وتمويل المجموعات الإرهابية في سوريا عبر الإدارة التركية، باستخدام مصرفين حكوميين قطريين ورجال أعمال وأثرياء قطريين.

كلّ هذه الضّغوط التي تنفذها الولايات المتحدة الأميركية على حلفائها لإعادة التموضع مع مقتضيات المصالح الأميركية فقط، تتطلَّب منهم التخلّي عن الهوامش التي أتاحتها إدارة ترامب لهم، والعودة إلى الاصطفاف الكامل مع الاستراتيجية الجديدة التي يتم العمل على إنجازها خلال الأشهر القادمة.

من هنا، تأتي أهميّة الرسائل العسكرية التي توجّهها دمشق وحلفاؤها في موسكو وطهران في إدلب، وخصوصاً قبل اللقاء المرتقب بين بايدن وإردوغان في اجتماع حلف الناتو القادم في 14 يونيو/حزيران في بروكسل.

ولا يوجد خيار أمام أنقرة سوى التعاطي بإيجابية مع علاج خراج إدلب بشكل محافظ، والتخلّي عن كل المجموعات التكفيرية، وهو أمر صعب، بفعل تداعياته على النظام السياسي التركي، وبالتالي لن يبقى هناك سوى العمل الجراحي الاستئصالي، والتخلّص من القيادات الصلبة للمجموعات، مع محاولات إعادة تظهير تنظيم جبهة “النصرة” كفصيل سياسيّ مدنيّ تكفيريّ، مقابل حلّ سياسيّ مخفّف يعيد السلطة المركزية إلى دمشق في كلّ من إدلب وجرابلس وعفرين وشمال شرقي الفرات بأكمله، وعودة تدفّق النفط السوري إلى مصفاتي حمص وبانياس.

تدرك أنقرة طبيعة تهديدات عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، وإلغاء العقوبات على طهران، وغضّ النظر عن قانون “قيصر”، فذهبت بعيداً في محاولات الضغط في إدلب، ومنع التعامل بالهويات السورية، ونزعها من السوريين، لكنَّ ذلك لن يجدي نفعاً، فقد حان وقت محاسبة من يظنّون أنَّهم يمتلكون القدرة على استثمار المصالح الأميركية خدمة لمشاريعهم الخاصة، والزمن القادم ليس لهؤلاء، بل لمن يفرضون على الولايات المتحدة قبولها بنظام إقليميّ جديد لا تستطيع التحكّم في مفاصله ومساراته، فعهدها الإمبراطوري إلى مزيدٍ من الانكفاء، والدور الذي ترسمه قوى قارة آسيا الصاعدة سيكون محوراً لحركة التاريخ على مدى قرن من الزمان.

وتبقى التحدّيات الداخليّة لدول غرب آسيا الرابحة هي الأكبر، فهي لن تستطيع أن تتصدّى للدور الذي حقّقته، ما لم يترافق مع عمليّة تغيير عميقة في بنى الدولة، وإشراك العناصر الوطنية في إعادة بناء ما تهدَّم عمرانياً واجتماعياً ومعرفياً وثقافياً، فهل ستكون على مستوى التحدي؟

الميادين-أحمد الدرزي

اقرأ ايضاً:الدفاع الروسية تحذر من تحركات خطيرة في ادلب