الرواية الأميركية لسلاح الطاقة الروسي “قاتل الجواسيس”
بالرغم من أن مجتمع الاستخبارات الأميركية لم يتخذ قراراً رسمياً إلا أن المسؤولين الأمنيين قالوا للمشرعين بأنهم كثفوا تحقيقاتهم في الأسابيع الأخيرة لتشمل جميع وكالات الاستخبارات الفدرالية البالغ عددها 18 وكالة، حيث تركز التحقيقات على احتمال تورط الاستخبارات العسكرية الروسية، في حوادث متشابهة إستهدفت أميركيين في أكثر من بلد في السنوات الخمس الأخيرة.
وتقول مجلة “بوليتيكو” إنه تم إدراج وحدة الاستخبارات العسكرية الروسية، في حوادث الطاقة الموجهة كمشتبه بها في التحقيق. ويأتي ذلك في الوقت الذي يعمل فيه مسؤولو إدارة جو بايدن على طمأنة المشرعين الغاضبين بأنهم ملتزمون بالوصول إلى جوهر القضية ومحاسبة المسؤولين. وتضيف:”لقد دق المسؤولون بالفعل ناقوس الخطر لأعضاء الكونغرس بشأن ما يرون أنه تهديد متزايد لهجمات الطاقة الموجهة ضد الأفراد الأميركيين”.
وفي هذا الإطار، يعمل مدير وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز على تعميق مشاركته في الجهود، ويتلقى إحاطة يومية بشأن التحقيق، وفقًا لما ذكره شخصان مطلعان على الأمر. كما عين بيرنز ضابطاً كبيراً يقدم تقاريره مباشرة إليه بشأن تلك الجهود.
منذ أواخر عام 2016، أبلغ ما يقرب من 50 مسؤولًا عن أعراض مرض غامض أصبح يُعرف باسم “متلازمة هافانا” بين الدبلوماسيين الأميركيين المعينين في كوبا. شملت تلك الأعراض طنيناً حاداً وضغطاً في الأذنين، وكذلك فقدان السمع والتوازن، والتعب والصداع، وفي حالات أخرى يعاني بعض الضحايا من تلف طويل الأمد في الدماغ.
ذكرت “بوليتيكو” في تقرير لها في نيسان/ أبريل الماضي، أنه “تم إخطار أعضاء الكونغرس المطلعين على معلومات استخباراتية سرية للغاية، والمعروفة باسم عصابة الثمانية، حول استهداف روسيا المشتبه به للأميركيين في سوريا باستخدام الطاقة الموجهة. كما تم اطلاع لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ على شهادة شخصين على دراية مباشرة بالمسألة، قالوا إن المسؤولين حدّدوا روسيا باعتبارها “الجاني المحتمل”.
واكد المصدران أن “الإحاطات تضمنت معلومات عن الإصابات التي لحقت بالقوات الأميركية في سوريا. ويشمل التحقيق حادثاً واحداً في سوريا، وقع في خريف عام 2020، ظهرت فيه أعراض تشبه أعراض الإنفلونزا على عدة جنود”.
مارك بوليمروبولوس هو واحد من الاشخاص الذين اصيبوا. كان مسؤولاً كبيراً في وكالة الاستخبارات المركزية، ومكلفاً بالتعامل مع روسيا. ذات ليلة في موسكو، تغيّرت حياته إلى الأبد. يقول إنه أصيب بسلاح غامض، وانضم إلى عشرات الدبلوماسيين والجواسيس الأميركيين الذين يعتقدون أنهم استُهدفوا بهذا الجهاز السري في جميع أنحاء العالم – وحتى على الأراضي الأميركية. وبينما يوجه تحقيق وكالة الاستخبارات المركزية اللوم إلى روسيا، فإن الضحايا ما لبثوا يتساءلون عن سبب عدم قيام إدارة دونالد ترامب بأي أمر من شأنه ملاحقة القضية.
تقول مجلة “جي كيو” الاميركية، ان “بوليمروبولوس لا يزال على اتصال بأصدقائه وزملائه في “لانغلي” (مختصر وكالة الإستخبارات الأميركية سي آي إيه)، وما أخبروه به أثار قلقه. كانت الهجمات على ما يبدو مستمرة في جميع أنحاء العالم”. تنقل كاتبة التحقيق في المجلة عن مصادر استخباراتية ـــ طلبت عدم الكشف عن هويتها – قولها إن الهجمات المستمرة، كاشفة انه في خريف عام 2019، سافر اثنان من كبار مسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية، وكلاهما يعملان في الخدمة السرية، إلى أستراليا للقاء مسؤولين في وكالة التجسس في هذا البلد. وأثناء وجودهما في غرفتهما الفندقية في أستراليا، شعرا بهذه العوارض: صوت غريب، ضغط في الرأس، طنين في الأذنين. وبحسب هذه المصادر فإنّ الرجلان أصيبا بالغثيان والدوار. ثم سافرا إلى تايوان للقاء مسؤولي الاستخبارات هناك. لقد شعروا بالعوارض ذاتها مرة أخرى أثناء وجودهما في الفندق على الجزيرة.
وأضافت المجلة أنه “وفقاً لهذه المصادر، فإن الهجمات أصبحت أكثر جرأة”، مؤكدة ان أحد مسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية الذين قُتلوا في أستراليا وتايوان “كان من بين كبار المسؤولين الخمسة في الوكالة”.
يستخدم هجوم الطاقة الموجهة طاقة كهرومغناطيسية شديدة التركيز، بما في ذلك الترددات الراديوية ذات طاقة عالية، أو أسلحة المايكروويف (أسلحة الموجات الدقيقة) او الجسيمات الشعاعية (هو نوع من إشعاع الطاقة بواسطة جسيمات دون ذرية سريعة التحرك)، لإيذاء الهدف.
لم يقتصر التحقيق في هذه القضية على البنتاغون، بل كان جزءاً من جهد أوسع قامت به جهات متعددة في السنوات الأخيرة للنظر في مثل هذه الهجمات، إذ كشف تقرير صدر في كانون الأول/ ديسمبر عام 2020، بتكليف من وزارة الخارجية الأميركية، ونشرته صحيفة “نيويورك تايمز” في الشهر ذاته، عن أن “طاقة الترددات الراديوية النبضية الموجهة” هي السبب الأكثر احتمالا لحوادث “متلازمة هافانا”.
وتابعت “نيويورك تايمز” أن “الاستنتاج الذي توصلت إليه لجنة من 19 خبيراً، في الطب ومجالات أخرى، هو أن طاقة الترددات الراديوية النبضية الموجهة” هي الآلية الأكثر منطقية لتفسير المرض الذي أصبح يعرف باسم متلازمة هافانا، بالرغم من أنهم قالوا إنهم لا يستطيعون استبعاد الأسباب المحتملة الأخرى، وأن العوامل الثانوية ربما تكون قد ساهمت في ظهور الأعراض”.
الاستنتاج الذي توصلت إليه لجنة من 19 خبيراً، في الطب ومجالات أخرى، هو أن “طاقة الترددات الراديوية النبضية الموجهة” هي الآلية الأكثر منطقية لتفسير المرض الذي أصبح يعرف باسم متلازمة هافانا
تعتبر “نيويورك تايمز” ان التقرير الذي صدر بتكليف من وزارة الخارجية الاميركية، يقدم أوضح تفسير حتى الآن للمرض الذي أصاب العشرات من موظفي الحكومة، أولاً في سفارة الولايات المتحدة في هافانا عام 2016 ، ثم في الصين ودول أخرى، حيث عانى العديد من الضباط وكالة الأمن المركزي الذين يزورون المحطات الخارجية من أعراض الدوار والتعب والصداع وفقدان السمع والذاكرة والتوازن، وأجبر بعضهم على التقاعد الدائم، حسبما ذكرت صحيفة “التايمز” ومجلة “جي كيو” الأميركية، في تشرين الأول/اكتوبر عام 2020، حيث كان الضباط يسافرون لمناقشة مكافحة العمليات السرية الروسية مع وكالات الاستخبارات الأجنبية، وهي حقيقة تزيد من الشكوك في أن موسكو تقف وراء هذه الأحداث.
تؤكد “نيويورك تايمز” أن “التقرير الجديد صيغ بلغة علمية دقيقة، ويكشف عن أدلة قوية على أن الحوادث كانت نتيجة هجوم خبيث. وهو يعزو الأمراض إلى الطاقة الموجهة والنابضة – بدلا من المستمرة، ما يعني ضمنا أن تعرض الضحايا كان مستهدفاً، وليس نتيجة لمصادر أكثر شيوعا للطاقة بالموجات الدقيقة، مثل الهاتف المحمول على سبيل المثال”.
وأشار التقرير إلى أن “اللجنة وجدت أن الأعراض الفورية التي أبلغ عنها المرضى – بما في ذلك الأحاسيس الغريبة بالألم والضغط والصوت التي غالباً ما يبدو نابعاً من اتجاه معين، أو يحدث في بقعة محددة في غرفة – كانت أكثر اتساقاً مع هجوم موجه من طاقة الترددات الراديوية”.
فضلاً عن ذلك، نظرت اللجنة في أسباب أخرى مثل التعرض للمواد الكيميائية والأمراض المعدية، لكنها قالت إنها تبدو غير مرجحة.
وبناء على ذلك، اوضح مسؤولو الكونغرس الذين اطلعوا على تفاصيل هذه الحوادث إن “البنتاغون يعتقد أن طبيعة هجمات الطاقة الموجهة، مماثلة لتلك التي نفذت ضد الأميركيين في كوبا، لكنهم مترددون في رسم تشابه مباشر”.
في المقابل، خلصت الأكاديميات الاميركية الوطنية للعلوم والهندسة والطب في تقرير لها، إلى أن “السبب الأكثر احتمالاً لسلسلة الآلام الغامضة التي أصابت الجواسيس والدبلوماسيين الأميركيين في الخارج خلال السنوات الماضية كانت طاقة الترددات الراديوية، وهي نوع من الإشعاع يشمل الموجات الدقيقة”.
في 23 كانون الأول/ ديسمبر عام 2019، قدم فريق وكالة الاستخبارات المركزية الذي يحقق في الهجمات نتائجه إلى مديرة وكالة الاستخبارات المركزية جينا هاسبل. توضح مجلة “جي كيو”، في تقرير لها في خريف العام 2020، أنه “بعد الاستماع إلى المحققين وهم يعرضون أدلتهم التي تشير إلى أن الأجهزة الأمنية الروسية كانت وراء إصابة موظفي الوكالة، تحدّتهم هاسبل”.
وتابعت المجلة “اتهمت هاسبل حينها المحققين بإخفاء معلومات عنها والكذب عليها بشأن ما كشفه تحقيقهم”. ونقلت عن مصادر استخباراتية قولها إن “المديرة شككت في دوافع أولئك الذين ينظرون في الهجمات الغامضة. وقالت، في إشارة إلى وحدة عمليات وكالة الاستخبارات المركزية التي تركز على روسيا، إن هذا هو السبب في أننا بحاجة إلى تنظيف (روسيا هاوس). إنكم تحاولون فقط إثارة المشاكل مع روسيا”.
وفندت المجلة، تصرف مديرة “سي أي آيه” السابقة بالقول “بدا أن هاسبل مترددة بشأن المعلومات التي تقدمها عن روسيا إلى البيت الأبيض، نظراً إلى افتقار الرئيس ترامب إلى الرغبة في إدانة فلاديمير بوتين أو الهجمات الروسية بأي شكل من الأشكال”.
وأردفت “هناك البعض في لانغلي (مقر “سي أي آيه”) ممن يعتبرون دوافع هاسبل نبيلة، وإن كانت قصيرة النظر. من وجهة نظرهم، قد تكون منخرطة في محاولة لحماية الوكالة، حتى على حساب عدم حماية موظفي وكالة الاستخبارات المركزية”.
علي دربج باحث ومحاضر جامعي، لبنان
180بوست
اقرأ ايضاً:قمة جنيف أمام الإختبار السوري.. ماذا يريد بايدن من بوتين؟