روسيا النووية في سوريا
نبيه البرجي
لا شيء هنا يقع، أو يقال، بالصدفة. ماذا يعني أن تعلن موسكو، وعشية الانتخابات الرئاسية في سوريا، عن وجود قاذفات
بـ»قدرات نووية» في قاعدة حميميم؟
تزامن ذلك مع اصدار بيانات حول عقد قمة أميركية ـ روسية يوم 16 حزيران المقبل في جنيف. بطبيعة الحال سيكون على جدول
الأعمال الوجود الأميركي على الأرض السورية والذي يؤمن، بشكل أو بآخر، التغطية لـ»الوضع التركي» في منطقة ادلب، كما
للحركة الكردية الانفصالية، ناهيك عن كونه الغطاء لـ «الغارات الاسرائيلية» التي لا مبرر لها سوى زعزعة الأمن الداخلي السوري.
الجانب السوري لم يتعرض، في أي يوم، لخطوط فك الاشتباك التي وضعت عام 1974، حتى أن الذريعة بمحاولة الايرانيين اقامة
مراكز متقدمة في اتجاه الجولان تلاشت، وقد تم ابعادهم الى أكثر من 100 كيلومتر من تلك الخطوط، دون أن يبقى وارداً، لأسباب
شتى من بينها المشهد العربي الراهن، انشاء جبهة موحدة تمتد من الناقورة الى القنيطرة.
لنتذكر أن فلاديمير بوتين صرح، في بدايات الأزمة السورية، بأن النظام الدولي الجديد ينبثق من سوريا. بكل وضوح، وجود القاذفات
من طراز «تو ـ 22 ام 3» بمثابة رسالة الى واشنطن، والى أنقرة، بأن النظام الحالي في دمشق هو أحد حجارة الزاوية في خارطة
القوة في الشرق الأوسط، بعدما باعت الفصائل المعارضة نفسها للشيطان. وهذا ما صدر، حرفياً عن برهان غليون، أول رئيس
لـ»المجلس الوطني السوري» الذي أتهم «بعض من أيّد الثورة» بتسليم مفاتيح البلد الى الشيطان.
كما اشتكى المعارضون الذين اتخذوا من اسطنبول مقراً لهم، وسنداً لهم، دون أن يفكروا بما في رأس رجب طيب اردوغان، من
أنهم باتوا يعاملون كما أكياس القمامة على أرصفة المدينة التي كانت تعدّ لتكون عاصمة الخلافة «النيو» عثمانية؟
كل شيء يشير بأن المنطقة على بعد خطوات من تحولات مثيرة في العلاقات، كما في المعادلات. جو بايدن يريد أن يزيل كل أثر
لدونالد ترامب الذي لم تكن تغريداته العشوائية تستند الى أي منطق، وهو الشخصية البهلوانية الذي رأت فيه السناتور اليزابت
وارن دونكيشوت وهو يحارب طواحين الهواء. ألم يهدد بازالة كوريا الشمالية من الوجود، اذا لم تفكك ترسانتها النووية، فاذا به
يرقص التانغو مع كيم جونغ ـ أون؟
بطبيعة الحال، لا بد أن يكون جو بايدن، الابن القديم للاستبلشمانت، مختلفاً، وأن يدع وزير خارجيته أنتوني بلينكن يبلغ بنيامين
نتنياهو أن الولايات المتحدة ليست في وارد الانزلاق من الجحيم الأفغاني الى الجحيم الايراني الذي لا بد أن يكون أكثر تعقيداً
بكثير، وأن اتفاقاً مع آيات الله وحده يحول دون حيازتهم القنبلة النووية في أي لحظة. بالتالي حصول «انقلاب جهنمي» في
معادلات القوة في الشرق الأوسط.
هل صحيح أن وزير الخارجية الأميركي نقل، حرفياً، الى زعيم الليكود سؤال جو بايدن «هل تريد لليهود أن يحزموا حقائبهم ويعودوا
من حيث أتوا؟».
للمرة الأولى تتصف تعليقات أميركية بشيء من التوازن في مقاربة المشهد (واحتمالات المشهد) الشرق أوسطي. اذ تبدو الحرب
مستحيلة ضد ايران، فان ابقاء العلاقات معها على ذلك المستوى من الاضطراب الذي أحدثه دونالد ترامب، وقد تفادى الصدام
العسكري معها، يعني أن نسبة تخصيب اليورانيوم ستقفز، في غضون ساعات، من 60 % الى 90 %. هنا تصبح القنبلة تحت
عمامة آية الله خامنئي.
هل ننتظر تطورات ما على الأرض السورية بعدما بات واضحاً أن الكرملين لا يريد، في أي حال، أن يبقى الوضع السوري على ما هو
عليه في الشمال كما في الشرق؟
الاعلان عن تعديل مدرجات قاعدة حميميم لتغدو صالحة لاستقبال القاذفات الاستراتيجية بمثابة انذار الى من يعنيهم الأمر. الروس
لا يتقنون البروباغندا، حتى حين يبدو دورهم واضحاً في تقريب المسافة بين الرياض وطهران، وبين الرياض ودمشق.
ربما معركة غزة أفادت كثيراً الرئيس الأميركي. «اسرائيل» لم تعد «ظاهرة الهية»، وتطحن أعداءها الجبابرة، خلال ساعات.
الصواريخ لم تغيّر فقط قواعد الاشتباك. غيّرت أيضاً قواعد اللعبة. «اسرائيل» دولة قابلة للعطب. من هنا تبدأ الحكاية…
الديار