“سي إن إن”: بوتين نال ما يريده من بايدن في قمة جنيف
كتب مراسلا قناة “سي إن إن” الأميركية ماثيو تشانس ولوك ماكجي تحليلاً في الموقع حول نتائج قمة جنيف بين الرئيسين
الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين.
وقالا إنه إلى جانب بعض الالتزامات الأساسية بشأن إعادة الدبلوماسيين والموافقة على فتح حوار “بناء” مع الولايات المتحدة حول
قضايا مثل الأمن السيبراني والسياسة الخارجية، لم يشر بوتين إلى أن الاجتماع الأول للزعيمين وجهاً لوجه يوم أمس الأربعاء قد
أسفر عن تغيير جوهري.
وأضاف الكاتبان أنه لم تكن هناك عدد من الكلمات الودية، على ما يبدو، التي قد تمنع الزعيم الروسي “من الاستمرار في متابعة
أجندته السياسية بقوة سواء في الداخل في روسيا أو في الخارج مع إفلات شبه كامل من العقاب”.
وعلى الرغم من قوله في الجزء العلوي من مؤتمره الصحافي إنه لا يعتقد أن هناك “أي نوع من العداء” بينه وبين بايدن، أطلق
بوتين خطاباً مألوفاً من الانتقادات اللاذعة المناهضة للولايات المتحدة لتفادي الانتقادات الموجهة إلى الاتحاد الروسي.
وعندما سألته شبكة CNN عن الهجمات الإلكترونية على المؤسسات الأميركية القادمة من الأراضي الروسية، أثار بوتين مسألة
الهجمات الإلكترونية على روسيا. وقال “فيما يتعلق بالأمن السيبراني، اتفقنا على أننا سنبدأ المشاورات بشأن هذه المسألة
وأعتقد أنها مهمة للغاية. من الواضح أن كلا الجانبين يتعين عليهما تحمل التزامات معينة هناك”.
وبعد سبره لأغوار السياسة الداخلية الروسية، انتقد بوتين مراراً استقرار أميركا ومكانتها الأخلاقية، مشيراً إلى أعمال الشغب في
الكابيتول في 6 كانون الثاني / يناير وقتل الأميركي الأفريقي جورج فلويد. وقال بوتين: بالنسبة للعديد من السود في أميركا “ليس
لديك وقت لفتح فمك وأنت مقتول بالرصاص”.
وعندما سُئل الرئيس الروسي عن “حملة القمع” التي تشنها روسيا على المعارضة السياسية الداخلية وبخاصة اعتقال أليكسي
نافالني، أشار إلى أن المنشق المعروف أراد بالفعل أن يتم القبض عليه. وقال إن نافالني “كان يعلم أنه يخالف قانون روسيا. وقد
أدين مرتين … لقد أراد أن يخالف القانون بوعي. لقد فعل بالضبط ما أراد أن يفعله. لذا ما نوع المناقشة التي يمكن أن نجريها
بشأنه”.
فيما يتعلق بموضوع ضم روسيا غير القانوني لشبه جزيرة القرم، قال بوتين إن النشاط العسكري لبلاده في المنطقة يتوافق كلياً
مع القانون الدولي، وأن الأميركيين هم المعتدون سبب “بنائهم القدرات على الحدود الروسية”. وحول المسألة الحساسة
المتعلقة بانضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، قال إنه “لا يوجد شيء للمناقشة”.
وقال الكاتبان إن المراقبين المنتظمين للرئيس الروسي معتادون على هذا المستوى من الثقة والرفض. فبوتين رجل مؤمن جداً
بسلطته المطلقة في بلاده بحيث يمكنه الدخول في اجتماع مع أقوى شخص على وجه الأرض من دون أن يخسر شيئاً تقريباً.
وأضافا أن هندسة القمة صُممت تقريباً لتناسب احتياجات بوتين الداخلية. فالولايات المتحدة هي التي طلبت هذه الاجتماعات،
وبذلك هي تؤكد، من وجهة نظر الكرملين، أن بوتين زعيم له مكانة مماثلة لرئيس الولايات المتحدة.
وكما قال أوليغ إغناتوف، كبير محللي الشؤون الروسية في “مجموعة الأزمات” ومقره موسكو، “هذا هو تماماً ما يريده الكرملين.
التحدث إلى الولايات المتحدة على قدم المساواة وبطريقة لا يطالب بها الطرف الآخر بتغيير الموقف كشرط للحوار.. لا شك في أن
بوتين سيواصل اختبار بايدن إذا تعثر الحوار أو تطور في اتجاه غير مواتٍ لموسكو. هذه ليست بداية لتطبيع العلاقات. إنها توقف في
تدهورها المتزايد”.
ورأى الكاتبان أنه على الرغم من أنه قد يكون من غير المنطقي بالنسبة لبوتين أن يثير غضب بايدن في وقت لاحق، فإن كل إجراء
يقوم به الرئيس الروسي يتم من خلال رؤية كيف سيلعب ذلك لصالحه داخلياً.
يشير كير جايلز، كبير الزملاء الاستشاريين في برنامج روسيا وأوراسيا في مركز “تشاتام هاوس” البريطاني، إلى أن مواجهة
الولايات المتحدة كانت جزءاً كبيراً من نجاح بوتين في الداخل. وقال إن إجاباته القوية على كل من أسئلة وسائل الإعلام الروسية
والتحديات من الصحافيين الأجانب “ستكسبه نقاطاً في الداخل من أولئك الروس الذين يشاركونه اقتناعه بأن الغرب هو الشريك
الخطير، الذي لا يمكن التنبؤ به، والعدواني في العلاقة”.
وأشار تحليل “سي إن إن” إلى أن قمة الأربعاء في جنيف ستلعب دوراً في رواية أطول ترسخت على مدار العقد الماضي: الغرب،
بغض النظر عن مدى صعوبة محادثاته مع روسيا، كان غير قادر إلى حد كبير على كبح جماح بوتين وحلفائه. وفي نظر معارضي
بوتين، “لم تكن هناك تداعيات كافية لرجل يسمم المعارضين السياسيين، ويتدخل في انتخابات دول أخرى، ويدعم الرئيس
السوري بشار الأسد، ويضم أراضي أجنبية”، على حد زعم الكاتبين.
أما في نظر العديد من مؤيديه، سيبدو لقاء بوتين – بايدن دليلاً على أن أفعاله لها ما يبررها. يمكنهم المحاججة الآن بأنه وافق
على العمل مع الولايات المتحدة بشأن القضايا الدولية الكبرى مثل الأمن واستعادة القنوات الدبلوماسية التقليدية، وهو قد نجح
في فعل ذلك مع تسليط الضوء على عيوب المجتمع الأميركي والدفاع عن نفسه.
وخلص التحليل إلى أنه كما منحت القمة بوتين فرصة لوقف تداعيات تدهور العلاقات بين موسكو وواشنطن، إذ قد تكون الولايات
المتحدة مترددة حالياً في فرض عقوبات اقتصادية إضافية على روسيا أو توبيخ بوتين لاعتقاله المعارضين في الداخل. قد يكون كل
ذلك مفيداً عندما تجري روسيا انتخابات برلمانية في وقت لاحق هذا العام. وختما بالقول: “باختصار، ذهب بوتين إلى جنيف وحصل
على ما يريده بالضبط. وغادر سويسرا بانتصار دبلوماسي ضخم، بمجرد حضوره”.
نقله إلى العربية بتصرف: هيثم مزاحم
ماثيو تشانس ولوك ماكجي
المصدر: سي إن إن