كمال خلف: تحولات كبرى في الملف السوري
كمال خلف:
يقول توماس فريدمان في مقال لصحيفة “نيويورك تايمز” “أن بايدن يمكنه الذهاب ودول الخليج إلى الروس والأسد بهذا العرض:
إخراج القوات الإيرانية من سوريا، وسنضاعف ثلاث مرات المساعدة المالية التي كانت إيران تقدمها لسوريا، وسنوافق ضمناً على
بقاء الأسد في السلطة “. هل فريدمان يقدم اقتراحا من بنات أفكاره ام تناها الى سمعه شيء من هذا؟
الثابت ان الشق السوري في القمة التي جمعت الرئيسين “فلاديمير بوتين “وجو بايدن” منتصف هذا الشهر ظل غامضا عدا بروز
حديث عن نقاش حول تجديد الية ارسال المساعدات الدولية عبر المعبر الذي تسيطر عليه جبهة النصرة شمال ادلب.
لكن ثمة تحركات في الملف السوري مؤخرا لافتة للانتباه ومرتبطة بالولايات المتحدة بشكل مباشر وغير مباشر، قد تعطي
مؤشرات نحو ملامح المستقبل في التعاطي مع سورية. تحركات لا يمكن تصنيفها بالطبيعية، خاصة لجهة تزامنها وطبيعة الدول
التي تتحرك تجاه سورية وطبيعة سياساتها ومواقف بعضها خلال السنوات الماضية.
انطلقت الأسبوع الماضي حملة انتقادات داخل الولايات المتحدة، بسبب سياسات الإدارة الامريكية تجاه سوريا، وعدم فرضه
العقوبات المنصوص عليها في قانون قيصر حتى الآن، وذلك في الوقت الذي أصدرت فيه وزارة الخزانة الأمريكية إعفاءات لشركات
سورية لمواجهة جائحة كورونا. التوقعات ذهبت نحور تقديم واشنطن تنازلات في ملفات إنسانية للروس، مقابل تمرير تمديد آلية
إدخال المساعدات الإنسانية إلى سورية في مجلس الأمن في العاشر من الشهر المقبل. قد يكون ذلك صحيحا، لكن في الاغلب
وحسب بعض المطلعين فان إدارة بايدن في الحقيقة غير متحمسة للذهاب بعيدا في حملة الضغط على سورية، كما كانت في
عهد “دونالد ترامب” على الرغم من كون قانون قيصر اقر في الكونغرس بتأييد أعضاء من الحزبين.
ومن المؤكد ان هناك عدة دول وخاصة العربية احجمت عن فتح باب التعاون مع دمشق او إعادة العلاقات الدبلوماسية بسبب قانون
قيصر، وتحذيرات إدارة ترامب لتلك الدول من التفكير في اختراق القانون الأمريكي لما لذلك من عواقب. اما الان تبدو الأحوال بعد
قمة “بوتين بايدن” تتجه نحو تغيير هذا النهج.
بدء التحرك الأردني نحو دمشق بعد احجام لسنوات بسبب تهديد الإدارة الامريكية السابقة والتنسيق الأردني مع روسيا لهذه
الغاية. يدلل بدون شك على موافقة ضمنية من إدارة بايدن. مصادر في دوائر دبلوماسية أردنية تقول اليوم أن الاقتصاد الأردني،
يعتبر الاقتصاد الثاني أكثر تضررًا بعد الاقتصاد السوري من قانون قيصر. وبحسب المصادر، فإن الملك الأردني سيحمل “رسالة
سورية” إلى الإدارة الأمريكية، ستتضمن ضرورة عودة سورية إلى جامعة الدول العربية. حيث يعتزم الملك، عبد الله الثاني،
مناقشة قانون “قيصر” مع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في قمة مرتقبة خلال شهر تموز المقبل. يبدو ان الأردن قد وصلته إشارات
من الإدارة الامريكية وبدأ التحرك في ضوئها، اذ لا يمكن تصور الأردن يتحرك بعيدا عن السياسية الامريكية في هذا الملف. وقد
يستطلع الملك جل التفاصيل خلال زيارته لواشنطن
ليس هذا المؤشر الوحيد على تحولات المقاربة الامريكية للملف السوري في ضوء القمة الامريكية الروسية. اذ اندفع العراق نحو
مساعدة الاقتصاد السوري بعد سنوات من التردد. وبدأت الوفود التجارية العراقية تتجه نحو دمشق وتبحث فرص الاستثمار وآليات
تطوير التبادل التجاري بين البلدين، وهذا كان محور مباحثات جرت امس بين وزير النقل السوري ونظيره العراقي، حيث ناقش
الجانبان آليات التنسيق المتبادل وواقع الشركة السورية -العراقية المشتركة وأهمية تسهيل عمل السائقين والشاحنات ونقل
البضائع بسلاسة وسهولة بين البلدين.
حتى لبنان البلد المنقسم على العلاقة مع سورية، حيث يلعب القرار الأمريكي دورا في منع الحكومات اللبنانية المتعاقبة من
الاستفادة من الانفتاح على سورية على الرغم من الضرر الكبير الذي لحق بلبنان بسبب هذه القطيعة. امس وصل الى دمشق
وفد لبناني حكومي لبحث التعاون مع سورية، فيما أبدت وزيرة الخارجية اللبنانية بالوكالة “زينة عكر” استعدادها للقيام بزيارة
دمشق من ضمن جولة على عدد من العواصم العربية والأجنبية.
ويصل اليوم الى دمشق وفد اقتصادي روسي كبير برئاسة نائب رئيس وزراء روسيا الاتحادية “يوري بوريسوف” للقاء الرئيس
السوري بشار الأسد. وحسب مصادر، فإن زيارة الوفد تأتي في إطار انعقاد اجتماعات اللجنة السورية الروسية الدائمة المشتركة
للتعاون التجاري والاقتصادي والتقني والعلمي، حيث يضم مسؤولين روساً في المجال الاقتصادي، إضافة إلى عدد من الشركات
التكنولوجية الروسية. اما الاتصالات السعودية السورية فتجري بعيدا عن الأضواء، وحسب المعلومات الشحيحة حول هذا المسار
يبدو ان القرار السياسي قد اتخذ، وقطعت المباحثات شوطا كبيرا بانتظار إخراجها الى العلن.
وبالتزامن اعلن في سورية امس عن قرب انطلاق للرحلات من مطار حلب الدولي باتجاه كافة دول مجلس التعاون الخليجي.
بالنسبة لكل من العراق ولبنان و الأردن والسعودية فان القاسم المشترك بينهم هو فرملة إدارة ترامب لرغبتهم في الانفتاح على
سورية خلال السنوات الأربع الماضية. فهل أزال جو بايدن الفيتو الان؟ ولماذا؟
يقول معارض سوري التقى أعضاء في الإدارة الامريكية قبل توجه بايدن للقاء بوتين في حديث صحفي انه ومجموعة من
المعارضين طلبوا توضيحا للتعبير الأميركي المستخدم أخيراً “تغيير سلوك النظام وليس إسقاطه”، لافتاً إلى أن الأميركيين شرحوا
لهم بأن ذلك يتعلق بإجراءات قانونية وأن استخدام مصطلح إسقاط النظام يفضي إلى مشاكل بين الكونغرس والدوائر القانونية
وبين الإدارة، لذلك يتم اللجوء إلى استخدام مصطلح “تغيير سلوك النظام” إعلامياً فقط.
ويبدو ان المعارض ذهب الى بيته مقتنعا بالجواب.
رأي اليوم