السبت , ديسمبر 21 2024
شام تايمز
"حبّالَة" حلب القديمة يجدل حبال الأمل بعودة الحياة

آخر “حبّالَة” حلب القديمة يجدل حبال الأمل بعودة الحياة إلى أسواقها

شام تايمز

آخر “حبّالَة” حلب القديمة يجدل حبال الأمل بعودة الحياة إلى أسواقها

شام تايمز

مع كل جديلة جديدة، تتجدد آمال “جمال الحبال”، بعودة قريبة لضجيج الباعة والزبائن إلى سوق الحبالين في حلب، شمالي سوريا، كما كانت عليه الحال قبل سيطرة المجموعات الإرهابية على أحياء المدينة القديمة.

شام تايمز

“ما في غير حديدان بالميدان”… بهذا المثل الشعبي السوري، يومي تجار المدينة القديمة في حلب، إلى آخر صانع للحبال المجدولة من ألياف نبات القنّب، بعدما نفض غبار الحرب عن متجره الصغير في سوق (الحبالين).

وحيدا في هذا السوق التاريخي، الواقع في الجهة الجنوبية من الجامع الأموي بحلب، يمضي “جمال حبّال” جل يومه في بث الروح بجدائل القنب، ناثراً حباله المعروضة من إنتاجه ضمن متجره الصغير، فيما تتوضع عيّنات من أعماله على الواجهة الحجرية العتيقة، لتضفي على المشهد لمسة حزينة تتعشق نفحات التراث في منطقة لطالما كانت جزءا من سحر الشرق القديم.

يصطف (سوق الحبالين) في طابور الترميم الطويل للأسواق التي دمرها الإرهاب في المدينة القديمة، فيما أرواح من بنوها ومن عاشوا حياتهم بين حجارتها، تجوب أقبيتها انتظارا لتحريرها.

بين جمله القصيرة لـ “سبوتنيك”، يدفع الرجل الستيني بعضا من عواطفه التي نحتتها حجارة السوق أيام شبابه، مشوبة بذكرياته التي تطاول الأربعين عاماً احتضنها مشغله التجاري الذي لطالما شعر بالعجز عن مفارقته، لاسيما في ذروة الحرب التي ضربت سوريا منذ العام 2011 حين حاولت رحى الإرهاب طحن نفائس التراث الحلبي المادي بكل أشكاله.

العم “أبو محمد” كما يناديه أقرانه، عاد إلى مشغله ومتجره في سوق الحبالين مناجيا الله عودة أصحاب (50) متجرا آخرين جميعهم يبيعون الحبال، بعدما عادت السكينة إلى أرجائه ومحيطه عقب تحرير المنطقة على أيدي الجيش السوري وحلفائه.

وبحسب حديثه لـ “سبوتنيك”، حاول الحبال ترميم ما استطاع من تدمير طفيف طال متجره سعياً منه لإكمال حياته الحرفية دون انقطاع:

“الجلوس بالمحل معنوي في المقام الأول على الرغم من الظروف المادية الصعبة والسعي لكسب الرزق، نتمنى عودة الحياة للسوق كما كانت، إن الأزمة خربت كل شيء، والحرب تركت بصمتها حتى على التراث”.

يرمق الحبال جدائل حباله الملفوفة بألوانها وأصنافها المتنوعة المتناثرة على أبوابه الخشبية، ويقول: “حبال القنب لم تعد تمنح المردود المالي كما كانت عليه في ثمانينات القرن المنصرم، الأمر يتعلق بغلاء المواد الأولية وصعوبة تأمينها، علاوة على بروز الآلات وانتاجها الغزير من خيط النايلون الذي شكل منافساً عاتيا لخيط القنب، من حيث كميات الإنتاج الكبيرة وجودتها أيضاً.

يؤكد جمال حبال قدرة صانعي الحبال على استعادة أمجادهم الضائعة فيما لو عادوا إلى سوقهم، معتبرا أن هذه الصناعة التراثية استطاعت الصمود أمام المنافسة سابقا، ويمكنها الآن، مختتما حديثه بالقول: “قبل الحرب لم تتوقف حرفتنا رغم المنافسة الشديدة مع خيوط النايلون، وكنا نصدر لدول الجوار خاصة لما تطلبه بيوت الشعر التي تستخدم في البوادي والخيام وغيرها، مع إدخالنا أنواع جديدة كالمكرمة وشبك الملاعب والأراجيح المصنوعة بأيدينا”.

من جهته، يرمي التاجر الحاج حسان الشيخ عمر، بكرة عودة حرفيي وتجار أسواق حلب القديمة، في ملعب وزارة المالية السورية، مطالباً إياها بضرورة سن تشريعات كفيلة بتشجيعهم على العودة إلى مشاغلهم ومتاجرهم، وأضاف لـ “سبوتنيك”:

“لقد نال أصحاب المحال التجارية في هذه الأسواق نصيبهم من الخسائر الفادحة، ما نسعى إليه هو مبادرات تشجيعية وتحفيزية منها إعفاءات ضريبية والإسراع في الترميم، بغية عودة عجلة الحياة إلى المدينة”.

ويحكي تاجر آخر في السوق المجاور: “منذ صغري كنت أعمل بخيط القنب مع والدي وهذه الحرفة متوارثة أباً عن جد، نأتي به من دمشق فنصنعه بشكل يدوي، ويدخل بكثير من الحرف كالتنجيد وملحقات الخيام”.

في مقابل الصورة السوداوية لحال العمليات التجارية في أسواق حلب القديمة، فلم تتوقف عمليات الترميم عن نشاطها المتواصل في إعادتها إلى ما كانت عليه قبل الحرب.

ولعل آخر النشاطات في هذا الميدان، توقيع اتفاق برعاية وزارة الثقافة، بالاشتراك مع جهات حكومية وجمعيات ومنظمات تعنى بالآثار، والتراث لترميم سوق الأحمدية القريب من سوق الحبالين، في وقت يسري تفاؤل بأن يأتي دور هذا السوق في خطة ترميم يعاود فيها سوق (الحبال) إلى الواجهة، معيداً معه إحياء تراث حرف آيلة إلى الاندثار إلا أنه يبقى متحف مفتوح للناس قبل أن يكون مكاناً لممارسة النشاط التجاري رغم أداء هذا الدور بلا شك.

اقرأ أيضا: دعوات في ألمانيا والنمسا لترحيل لاجئين سوريين خطيرين إلى بلدهم

شام تايمز
شام تايمز