تسارع وتيرة بناء المساجد في عفرين: مخطط تركي لتغيير “ديمغرافي” مستدام شمال سورية
أكثر من 24 مسجدا تتوزع على 19 قرية أنشأت في عفرين منذ سيطرة تركيا والجماعات المسلحة التابعة لها ” غصن الزيتون ” على منطقة عفرين شمال غرب سورية.
حركة نشطة لبناء مساجد ضمن مخطط تركي يهدف لإحداث تغيير ثقافي وفكري في المنطقة ذات الغالبية الكردية، فأنقرة التي حرصت على إلحاق التعليم في عفرين بوزارة التربية والتعليم التركية، لم يغب عنها الجانب الديني، فأنشأت المدارس الشرعية، وحرصت على تطبيع القرى في عفرين بنهج ديني من خلال بناء المساجد في كامل جغرافيا المنطقة.
مؤخراً، وضع “وقف التعاون الإنساني للحقوق والحريات”، وهو وقف تركي شبه حكومي، حجر الأساس لجامع في مدينة عفرين، وأطلق على الجامع اسم “الجامع الكبير” بحجة أن عدد المساجد في مركز مدينة عفرين قليل.
وأشار معاون رئيس وقف التعاون الإنساني للحقوق والحريات الذي يدعى “إرهان ياملك” إلى أن الجامع سيفتح في شهر حزيران من سنة 2021، لكن منظمة حقوق الإنسان في عفرين أعلنت أن الجامع يتم بناؤه من قبل جمعية ” العيش بكرامة” التابعة لفلسطيني أراضي 48 .
تحت اسم “مشروع نور الهدى” ضمن حركة دينية نشيطة ومتشددة تشهدها عفرين، عمدت تركيا عبر دائرة الأوقاف في ولاية هاتاي التركية “لواء اسكندرون” إلى بناء مساجد جديدة في قريتي “جلمة” و “برجكة” التابعتين لناحية جينديرس، كما بنت 9 مساجد في قرى (عتمانا، راجو، قربه، تل حمو، جنديرس، شوربا، معبطلي، قطمة، قسطل علي جندو، إيكدام، شرا، تل طويل، عفرين) منذ 2020 حتى ربيع 2021، من أسماء القرى المشار إليها نلاحظ بناء مساجد في قرى إيزيدية أبرزها (قطمة، قسطل علي جندو، تل طويل).
وفيما يتعلق بالإيزيديين قالت جمعية الشعوب المهددة بالانقراض الدولية (STPI) ومقرها ألمانيا، إن الهيئة الدينية العليا في تركيا، ومديرية الشؤون الدينية (ديانت)، بنت مساجد في قرى إيزيدية لتعزيز الأسلمة في منطقة عفرين بشمال سورية، كما أن تركيا تروج لتفسير متطرف بشكل خاص للإسلام السني، وهناك مصادر إيزيدية تحدثت عن بناء مسجد في قرية “شدير” الإيزيدية جنوب مدينة عفرين، وبحسب معلوماتنا أن 45 إيزيديًا ما زالوا يعيشون هناك، في حين كان هناك 450 قبل الاحتلال التركي.
في الإطار ذاته، بدأ مستوطنون مقيمون في قرية إيزيدية تابعة لناحية شران بريف عفرين ببناء مسجد في القرية قبل نحو شهر، ويعتبر المسجد الثاني من نوعه، الذي يتم بناؤه في قرية إيزيدية في مناطق ما تسمى بـ “غصن الزيتون” بعد سيطرة القوات التركية وفصائل ما تسمى بـ”الجيش الوطني” التابعة لها .
وبحسب مؤسسة “إيزدينا”، فإن المستوطنين الذين ينحدرون من ريف حلب الشمالي والغربي حصلوا على رخصة رسمية من مجلس ناحية شران المدني المشكّل من قبل السلطات التركية لبناء مسجد في قرية “قسطل جندو” الإيزيدية التي تقع شمال شرقي عفرين.
يتم بناء هذه المساجد بالتنسيق مع جمعية ” العيش بكرامة- فلسطين 48 ” التي تسعى لتوطين فلسطينيين في عفرين، و( تعرف عن نفسها بأنها “جمعية إغاثية مسجلة قانونياً لكفالة الأيتام ومساعدة المحتاجين ومقرها الرئيسي في مدينة الطيرة (المثلث) بفلسطين، باشرت نشاطها في شهر تموز/يوليو 2021، وهذا ما يظهره أول منشور لها على صفحتها على فيسبوك).
الإعلان عن الجمعية وبدء عملها تزامن مع تسارع وتيرة التطبيع من قبل دول عربية عدة مع الاحتلال الإسرائيلي، ما فتح باب الشك بالأهداف الحقيقية لها وأسباب دخولها إلى الساحة السورية من بوابة اللاجئين.
الجمعية افتتحت مسجدا ودار القرآن في قرية “مشعلة” في شهر نيسان من هذا العام، وهي بصدد بناء مسجد آخر ومركز تحفيظ القرآن ضمن مشروع ” قرية بسمة” جنوب ناحية “شيروا” في عفرين ذات الأغلبية الإيزيدية، تساهم جمعية “العيش بكرامة” بتأمين الريع المالي اللازم للمشاريع في حين تتكفل جمعية “الأيادي البيضاء” وهي (جمعية حصلت على الترخيص للعمل من تركيا في عام 2013 من مدينة إسطنبول، وحصلت على ترخيص مكتب أنطاكيا في عام 2014 وهي معنية بتنفيذ المشاريع ومتابعة الوضع لقربه من الحدود التركية) بتنفيذ المشاريع.
في منطقة ” تل طويل” التابعة لمركز مدينة عفرين وعلى أرض زراعية في قرية عشونة، تمكنت الجمعيتان المذكورتان بمساعدة مسلحي “غصن الزيتون” من استملاك أرض زراعية دون موافقة صاحب الأرض، الهدف بناء مسجد، والتبرير للحادثة “المنطقة لا يوجد فيها جوامع ويسكنها أكثر من ست مائة نسمة” المسجد حمل اسم “ايكي دام”.
وفي قرية “قطمة” التابعة لناحية شرا نفذت جمعية “الأيادي البيضاء” مشروع بناء مسجد على الرغم من وجود مسجد فيها منذ أكثر من خمسين عاما، وبنت مسجداً آخر في قرية “تل حمو” التابعة لناحية جنديرس في مدينة عفرين .
في مدينة عفرين شمال حلب تم تشييد أكبر مسجد يحمل اسم مسجد “الذاكرين”، يتسع إلى ألف وخمسمئة مصلٍ من قبل هيئة الإغاثة التركيةihh وهي (هيئة تأسست في إسطنبول عام 1992 بهدف جمع التبرعات الإغاثية لضحايا الحروب واستمرت في عملها، حيث تتعاون مع المنظمات وتقوم بنشاطات مشتركة معها حيث تشمل أعمالها الإغاثية تقديم المساعدات الغذائية والتعليم والصحة وإنشاء مشاريع التنمية المستدامة) .
وبالتعاون مع “وقف الديانة التركي” ومديرية الإفتاء والأوقاف والشؤون الدينية في مدينة عفرين افتتحت تركيا مسجد “الهدى” في قرية “بتيتة” بعفرين.
في سياق متصل، عمل “وقف الديانة التركي” عن طريق منسقه المدعو “محمد الأنطكلي” وهو تركي الجنسية بمشروع بناء مسجد في قرية “قسطل مقداد” وذلك بالتنسيق مع المجلس المحلي لناحية “بلبله” المشكل من قبل التركي، بعد أن قام الأخير بتأمين قطعة أرض لبناء مسجد عليها، على الرغم أن القرية يوجد فيها مسجد منذ أكثر من ثلاثين عاماً.
بتمويل منظمة تعرف باسم “البنيان المرصوص” وهي ( جمعية إخوانية مقرها في إسطنبول ) تم بناء مسجد باسم “مسجد النور” في قرية “بيلان”، بعد تأمين قطعة أرض في القرية من أراضي المواطنين المهجرين قسرا للبناء عليها، بدعم أيضا من قبل “وقف – الديانة التركية) لاستمرارهم في نشر الفكر الديني المتشدد، وتم بناء المسجد أيضاً بالتعاون مع “جمعية عبد الله النوري” وهي (جمعية كويتية إخوانية، نشطت كمركز تحويل أموال قادمة من قطر وإرسالها على فروع التنظيم على مستوى المنطقة). و مولت هذه الجمعية عدداً من المشاريع في منطقة عفرين التي تشرف “جمعية الأيادي البيضاء” عليها كبناء مسجد يدعى “الأمام الخطيب”.
رئاسة الشؤون التركية نشرت تقريرا لها حول أنشطتها في مناطق شمال سوريا، ووفقاً للتقرير فقد قامت بترميم 108 مساجد في مناطق عفرين وجرابلس وإعزاز ومارع، حيث بلغت كلفة ترميم هذه المساجد في المناطق المذكورة عشر ملايين ليرة تركية، كما أشار التقرير إلى أن رئاسة الشؤون الدينية والاستطلاع أنهت أعمال الكشف والاستطلاع لترميم 160 مسجداً بتكلفة خمسة ملايين ليرة تركية، لبناء مقرات الإفتاء والمدارس الشرعية.
كما كشف التقرير أن “وقف الديانة التركي” يدفع كل شهر رواتب للعاملين، حيث بلغت قيمة الرواتب التي قامت بدفعها خلال فترة 2018/2019، خمسة ملايين وأربع مائة وست وخمسون ألف ليرة تركية.
من جانبها، أعلنت مديرية أوقاف إقليم هاتاي التركي “لواء اسكندرون” إتمامها مشروعي ترميم جامع “عمر بن الخطاب” وضريح “النبي هوري” في منطقة عفرين.
جمعية ” شباب الهدى” هي (جمعية دينية شعارها عثماني، تعمل في مجال الأنشطة والدورات الدينية تستهدف اليافعين والأطفال) افتتحت مدرسة شرعية في قرية “مشعلة”، وأفاد أمين سر الجمعية “خالد أدميرال” أن الجمعية نظمت دورات دينية لنحو 1300 طفل و 750 رجلا و400 امرأة خلال أسبوعين.
قام “وقف الديانة التركي” بالتعاون مع “تجمع شباب تركمان سوريا” (نأسس في عام 2012 على يد مجموعة من الطلاب التركمان السوريين، وقد جاءت التسمية نسبة إلى جبل التركمان الواقعة في ريف اللاذقية شمال غرب سوريا هدفه تقديم العون في مختلف المجالات الاجتماعية والثقافية والتعليمية) في ناحية “بلبله” بإجراء الاختبارات الدينية التي تعرف باسم مسابقة بلبل القرآنية لأكثر من 120 طالب وطالبة، وذلك في جوامع الناحية، استمرارا لحركتها الدينية المتشددة في المنطقة، كما افتتح معهد ديني باسم ” الفتح المبين” بقرية “كورزيليه”.
عمل هذه الجمعيات مستمر وتدار من قبل متشددين من بقايا تنظيم “داعش” وغيرها من مسميات وجمعيات خيرية وإغاثية ممولة من تنظيمات ذات ميول إخوانية لنشر فكرهم المتشدد في المناطق التي تسيطر عليها في مناطق الشمال السوري، وخاصة منطقة عفرين التي تشتهر بالتنوع الديني والعرقي، لاستكمال تغيير ديموغرافية المنطقة ومحو الهوية الكردية.
من خلال ما سبق، يمكن أن تتضح الجهود التركية الرامية إلى فرض سياسة تشبه التتريك في المناطق الخاضعة لسيطرة مسلحين تابعين لها في الشمال السوري، وحرصها على صبغ سياستها بغطاء ديني، من خلال بناء المساجد بأكثر من 25 قرية في منطقة عفرين، تشكل عاملا إضافيا في دعم سياسة التتريك التي تنتهجها أنقرة في عفرين شمال غرب حلب، والتي يقوم عمادها على فرض المناهج التربوية والتعليمية التركية في مدارس المنطقة، إضافة إلى افتتاح المدارس الشرعية بهدف ترسيخ سياسة حزب العدالة والتنمية لدى الأطفال و الفتيان، خاصةً إذا ما علمنا أن معظم المدارس الشرعية تخضع للإشراف مباشر من قبل الجمعيات التي تعمل بدورها بإشراف من الرئاسة التركية وحزب العدالة والتنمية الذي يتراسه رجب طيب أردوغان.
واقع تسعى من خلاله أنقرة لبقاء تأثيرها في الداخل السوري حتى بعد انتهاء الحرب، خاصة في ظل التقلبات الميدانية التي أفقدت الجماعات المسلحة مساحات واسعة كانت تسيطر عليها في السنوات السابقة، ما يجعل استهداف الأطفال واستخدام الدين وسيلة ربما تضمن لتركيا تأثيراً مستداماً في حال خسارتها كامل الميدان العسكري.
اقرأ أيضا: تسيير دوريات روسية تركية مشتركة في حلب السورية