“حصن مائي” لتحييد الغابات السورية عن سيناريو الحرائق
تنتصب الأشجار المحروقة مستندة إلى جذورها في مساحات واسعة من غابات اللاذقية شمال غربي سوريا، لتحيي في أذهان السكان، مشاهد الحرائق التي اندلعت العام الماضي، وخلّفت آلاف الدونمات الحراجية والزراعية المحروقة.
المنطقة التي تعد قبلة السياحة وتصنف كـ “رئة سوريا”، ترنو إلى تجنب تكرار سيناريو العام الماضي، خاصة مع بدء تسجيل حرائق شبه يومية في قرى ريف اللاذقية، الأمر الذي دفع مديرية الزراعة إلى التسلح بخطة لمكافحة الحرائق عمادها الماء الذي يعد العنصر الأساسي والأكثر فعالية في إخماد الحرائق إلى جانب التدخل السريع من قبل فرق الاطفاء.
ففي عمق الغابات والمحميات الحراجية التي تعاني عوزا مائيا، وتنتشر فيها النيران بسرعة، كثفت المديرية من إجراءاتها الوقائية حيث عملت على إيجاد حصن مائي لتزويد سيارات الإطفاء واستثمار الوقت المهدور في عملية التزود من مصادر مياه بعيدة في إخماد النيران بالسرعة المطلوبة، لا بل، ومع تقهقر الإمكانيات اللوجستية بسبب الحرب والحصار، فقد ذهبت إلى حشد أجهزة الرش الزراعي للمشاركة في تعزيز كفاءة الاستجابة في الأماكن الصخرية الشاهقة التي لا يمكن الوصول إليها إلا سيرا على الأقدام.
حصن مائي في ريف اللاذقية
ماهية خطة المحافظة والإجراءات الوقائية لمكافحة الحرائق يوضحها مدير زراعة اللاذقية المهندس منذر خير بك لـ”سبوتنيك”، بالقول: “من خلال متابعة موسم الحرائق الذي يحدث بشكل سنوي خلال فصل الصيف، خاصة في أيلول وتشرين الأول والثاني وهي الأشهر التي تعد ذروة الحرائق، كان هناك الكثير من الثغرات التي نعاني منها في عملنا، وعليه قمنا هذا العام بالتحضير مبكراً لموسم الحرائق، من خلال تأهيل عدد من الينابيع وخزانات المياه الاحتياطية في الغابات والمناطق الحبلية التي لا يوجد فيها مصادر مياه، بهدف تأمين سرعة تزود سيارات الإطفاء بالماء، واختصار الوقت بين موقع الحريق والمصدر المائي”.
وأضاف خير بك: “ناهيك عن المناهل الأساسية للمياه التي توفرها مؤسسة مياه الشرب ومديرية الموارد المائية، تم تأهيل 7 خزانات مياه احتياطية سعة كل منها 160 ألف متر مكعب، بالإضافة للتنسيق مع منظمة الهلال الأحمر العربي السوري لتركيب 10 خزانات متنقلة في المناطق الجبلية التي لا يوجد فيها مياه أو أكثرها عوزاً للمياه، الغاية منها أن تكون المنهل المائي لتزويد سيارات إطفاء مديرية الزراعة والاطفائيات الأخرى في المناطق الحراجية”.
كما لفت خير بك إلى تأهيل عدد من الينابيع في المناطق الجبلية، وتركيب مضخات عليها وضعت على جرارات لتزويد هذه البرك بالمياه، ومن ثم نقلها إلى الإطفائيات، مشيراً إلى الانتهاء مؤخراً من تأهيل نبع قاسم في قرية بيت حليبية ودخوله الخدمة في تزويد سيارات الإطفاء بالمياه.
وضمن الإجراءات الوقائية الأخرى لمكافحة الحرائق، لفت خير بك إلى جاهزية 34 إطفائية و3 صهاريج تغذية في مديرية الزراعة للتعامل مع أي حريق، بالإضافة لتأهيل مركز إطفاء لدعم فرق الاطفاء الدائمة الخمسة الموجودة في المناطق الجبلية، وفرق تدخل سريع وعد كبير من الجرارات المزودة بالصهاريج.
ناهيك عن تأهيل الطرق الحراجية على مساحة المحافظة والبالغة طولها 1700 كم بالآليات الهندسية المتوفرة لدى مديرية الزراعة ومديرية استصلاح الأراضي، إضافة لشق العديد من الطرق الحراجية.
بدوره، قال مدير دائرة حراج اللاذقية المهندس باسم دوبا لـ”سبوتنيك”: الماء هو العنصر الأساسي والأكثر فعالية في إخماد حرائق الغابات التي لا تستخدم فيها الوسائل التقنية الأخرى كالبودرة والرغوة، ولذلك قمنا بتوفير مصادر مياه في عمق الغابة لاستغلال الوقت واستثمار المياه بالشكل الأفضل وزجها بأقصى سرعة ممكنة في إخماد حرائق الغابات.
التحدي الأكبر أثناء إخماد الحرائق، حسب دوبا، هو الوقت المهدور أثناء تنقل سيارة الإطفاء من موقع الحريق للتزود بالمياه والعودة لموقع الحريق، خاصة في ظل عدم وجود مناهل مياه في المناطق الجبلية وصعوبة تأمين مصادر مياه، مبيناً أن تأمين المياه بالقرب من الموقع الحراجي يؤدي لفعالية وكفاءة أكبر بكثير من منهل المياه البعيد الموجود في المناطق السهلية والساحلية، فكلما اختصرنا الوقت في عملية التزود بالمياه كلما كانت كفاءتنا بإخماد الحرائق أعلى.
بالإضافة للينابيع، يشير دوبا إلى تأهيل خزانات بيتونية في مناطق الغابات، الهدف منها تجميع المياه في وقت الوفرة واستخدامها أثناء حدوث الحرائق لتغطية المناطق البعيدة عن مناهل المياه وبالتالي اختصار الزمن الذي تستهلكه سيارة الإطفاء للوصول إلى مناهل المياه البعيدة.
ويشير دوبا إلى وجود 7 خزانات مياه موجودة في عمق الغابات تؤمن الامداد المائي أثناء حدوث الحرائق، وتبلغ سعة الخزان المائي بحدود 300 م3 وهو كافٍ لتزويد 20 سيارة إطفاء بالمياه، وهو عامل حاسم في إخماد نسبة كبيرة من الحرائق.
ولا تقتصر الفعالية في مكافحة الحرائق وإخمادها بالسرعة المطلوبة على التحصّن مائياً فقط، إذ يقول دوبا: “مراكز حماية الغابات هي النواة الأساسية والقوة الضاربة في عملية إخماد الحرائق، حيث يوجد في اللاذقية 5 مراكز ضمن الخدمة تغطي جغرافية المحافظة، مهمتها تنظيم عملية إخماد الحرائق ضمن قطاع شعب الحراج، وتوجيه سيارات الإطفاء، ومتابعة ترميم خطوط النار، وتنسيق الاتصال مع أبراج المراقبة”.
ويضيف دوبا: “تقوم مراكز حماية الغابات على اليد العاملة داخلها والتي تبقى بأتم الجاهزية على مدار الساعة، فعند حدوث أي إنذار بنشوب حريق، تكون سرعة الإبلاغ عن الحريق وسرعة التدخل للاخماد خلال وقت قصير وبكفاءة عالية”.
ويشرح دوبا: “اليد العاملة مهمة جداً، حرائق الغابات تختلف عن الحرائق الأخرى والتي تحتاج لعمالة بشرية، مدللاً بوجود مسافات ومناطق لا يمكن الوصول إليها بواسطة سيارات الإطفاء في مناطق تحتاج لمعالجة النار من خلال قطع خطوط النار أمام النيران الممتدة من خلال إقامة مناطق عازلة باستخدام المناشير والأعمال اليدوية والتي ينفذها عمال مراكز حماية الغابات مستخدمين خراطيم المياه في الإطفاء”.
التضاريس الصعبة للمناطق الجبلية في ريف اللاذقية، لا تجعل جميع الأحراج من السهل الوصول إليها بواسطة آليات الإطفاء، خاصة إذا كانت شديدة الانحدار وتفتقد للطرق الحراجية، ما يجعل القوى البشرية هي عامل الحسم في السيطرة على النيران.
على ظهره يضع مضخة المياه، ويستعد للدخول إلى مكان اندلاع النيران، ويقول: “مهمتنا أن نبقى في أتم الجاهزية للتدخل في اخماد النيران التي لا تستطيع آليات الإطفاء الوصول إليها، حيث نتعامل مع النار وجهاً لوجه واخمادها بواسطة المضخة، وعندما تفرغ اتوجه إلى أقرب سبارات إطفاء للتزود بالمياه والعودة إلى مكان الحريق مجدداً”.
ناهيك عن أبراج المراقبة التي تعد من الأجزاء المهمة في منظومة مكافحة حرائق العابات ولها دور مهم جداُ في الكشف المبكر عن الحرائق والمراقبة واكتشاف النار وتوجيه أقرب فرقة تدخل أو أقرب مركز اطفاء أو إطفائية لموقع اندلاع الحريق.
وأهمية عمل برج المراقبة، حسب دوبا، يأتي من أن الكشف المبكر للحريق يفضي إلى تدخل مبكر، وعليه يكون حجم الضرر الناتج عن الحريق أقل بكثير من التأخر بالتدخل لإخماده.
وأشار دوبا إلى وجود 11 برج مراقبة، ضمن الخدمة حالياً في المحافظة، توجد على قمم جبلية ما يجعلها تتحكم بمنظومة الاتصالات اللاسلكية الموجودة بإدارة حرائق الغابات، وهي تصلح لتكون مقرات قيادة وتشرف على موقع الحريق من توجيه القوى وتحذير الكوادر الموجودة ضمن موقع الحريق من اتجاه النيران وسلوكها.
وتزود أبراج المراقبة بأجهزة اتصال لاسلكي مرتبطة مع جميع الأجهزة الموجودة مع سيارات الإطفاء وقادة فرق الإطفاء والسيارات الحقلية.
المنظومة الوقائية التي تحصنت بها مديرية الزراعة ومعها جميع الجهات ذات العلاقة في اللاذقية، برأي دوبا، تحد بنسبة كبيرة من الحرائق، لكنها لا تمنع خروج حريق عن السيطرة، ويضيف: “لا يوجد شي أقوى من الطبيعة، فعندما تكون سرعة الرياح ببن 60-70كم/سا، والرطوبة النسبية بين7-8%، مع احتباس مطري لمدة 8 أشهر، وتضاريس صعبة من جبال وسهول ووديان وغابات صنوبرية ممتدة، فاننا أمام جملة من الظروف السلبية التي لو اجتمعت مع بعضها عند اندلاع أي حريق فاننا سنواجه صعوبة بالغة بالسيطرة على النيران التي ستمتد بسرعة كبيرة”.
ويتابع دوبا: “خطر حرائق الغابات قائم باستمرار، لكن الاجراءات الوقائية التي نقوم بها من شأنها أن تزيد من الكفاءة والفعالية، وحكماً ستكون نتائجها فعالة في العدد الأكبر من الحرائق”.
للمرة الأولى، شهدت سوريا في تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، سلسلة حرائق ضخمة اندلعت بيوم واحد في كل من اللاذقية وطرطوس وحمص، وكان أكثرها عدداً وضرراً في اللاذقية حيث تضررت 144 قرية بنيران الحرائق التي خرجت في بعض القرى عن السيطرة وأدت إلى وفاة شخصين، وخلفت أضراراً كبيرة في الأراضي الزراعية والخراجية وعدة منازل لمواطنين.
سبوتنيك
اقرأ ايضاً:ما قصة موظف وزارة المالية السري الذي يشتري الذهب؟