الجمعة , نوفمبر 22 2024

القبّار.. ذهب سوريا الأخضر الذي يَجنيه تاجر واحد

القبّار.. ذهب سوريا الأخضر الذي يَجنيه تاجر واحد

حسان إبراهيم

يحاول “أيمن الياس” من أبناء قرية “المشرفة” في ريف “حمص” الشمالي، أن يكسب بعض الرزق من موسم ‘‘القبَّار’’ الذي يبدأ جني براعم أزهاره في هذا الوقت من العام، ومثلهُ كثيرٌ من أبناء المنطقة، الذي يجدون في موسم القبار فرصة لتحقيق بعض الربح.

يقول “الياس” لـ”سناك سوري”: «نخرج بحثاً عن ثمار ‘‘القبّار’’ لمسافات طويلة، من أجل الحصول على كمية قد لا تتعدى بعض الكيلوغرامات منها، بسبب قطفها من قبل آخرين مروا عليها قبلنا، ثم نقوم ببيع الغلَّة لمراكز موجودة في قريتنا، الذين بدورهم يحددون سعرها حسب أحجامها ويتراوح بين 6000-6500 ليرة سورية للكغ الواحد، و كلما كانت البراعم ذات حجم صغير، كلما حصلت على سعر أعلى».

مركز، معتمد، موَّرد.. تاجر أوحد!!

تباع براعم ‘‘القبَّار’’ إلى المراكز الصغيرة المعتمدة لذلك، والمنتشرة في عموم قرى منطقة ‘‘المخرم’’ بحسب ماذكر “خليل صقور” صاحب مركز معتمد بالمنطقة، في حديثه مع سناك سوري ويضيف: «أشتري الكميات من الأهالي بعد فرزها على غربال خاص، بحيث تؤخذ حبات البراعم التي تسقط تحته فقط، ثم توضع في براميل بلاستيكية كبيرة وتغمر بالماء والملح من أجل الحفاظ عليها، لأنها تتعرض للفساد بعد 48 ساعة من قطافها، ثم نسلمه للمعتمدين الذين يجولون على المراكز لجمع الكميات الموجودة لديها».

وأشار إلى وجود أكثر من معتمد في كلِّ منطقة يقوم بتوزيع البراميل على المراكز وتزويدها بالتمويل اللازم لعملية الشراء مقابل نسبة مئوية متفق عليها، وبدورهم المعتمدون يجمعوها ويوردوها للتاجر الأكبر “والوحيد” حيث تجمَّع ضمن مستودعات ضخمة تابعة له.

الدكتور.. من يكون؟

لا يعلم “صقور” كما غيره من غالبية أصحاب المراكز من يكون (الدكتور) لكنه – بحسب قوله – هو الشخص الذي لفت انتباه الناس لفوائد هذه النبتة منذ أكثر من 15 عاماً حينما بدأ بشراء كامل الكميات منهم وما زال، من خلال أشخاص تابعين له، قدموا إلى المنطقة من محافظتي “إدلب” و “حلب” تحديداً، موضحاً أنه في البدايات كان يتم شراء (المحصول) كما هو دون معايير محددة بطريقة (الدوغما) لكن خلال السنوات العشر الأخيرة ظهر (الغربال) و تم توزيعه على المعتمدين والمراكز الصغيرة، بهدف الحصول على حبَّات البراعم الناعمة فقط.

يضيف لـ سناك سوري: «قبل سنوات قليلة لم يعد لهؤلاء التجار ظهور، وتحوَّل بعض أهالي المنطقة للعمل مع (الدكتور) كتجار مسؤولين عن توريد كامل الإنتاج له، ليقوم هو بعملية تصديرها للخارج كما هو معروف لدينا»، متمنياً أن تتنبه الجهات الحكومية لهذا النبات وتستلم مسؤولية شراء محصوله وتسويقه بدلاً من الوقوع تحت رحمة التجار وجشعهم.

بورصة الذهب الأخضر

أطلق الأوربيون تسمية الذهب الأخضر على نبات القبار، الذي تباع منتجاته لديهم ومنها المخلل بسعر يتراوح بين 22 و30 دولار أي أن التاجر المصدر يكسب أكثر من 10 أضعاف للكيلو الواحد، كما أن السعر يتضاعف مرتين بعد التخليل والتعبئة.

مكونات حيوية فعالة

‘‘القبَّار’’ عبارة عن شجيرة شائكة وزاحفة دائمة الخضرة تنمو في المناطق ذات البيئة الجافة، يتطلب نموها التعرض لأشعة الشمس، وهي تتميز بفروعها الكثيفة والمتشعبة ذات اللون النبفسجي وأزهارها البيضاء، كما تذكر الدكتورة ‘‘ميريانا سلامة‘‘ المدرِّسة بكلية ‘‘الصيدلة’’ بجامعة ‘‘البعث’’ في حديثها مع سناك سوري، وتضيف: «عملية نمو وإزهار النبات تتم بين شهري ‘‘أيار’’ و‘‘تشرين الأول’’ وأكثر المناطق التي يتواجد فيها هي دول حوض البحر الأبيض المتوسط، بالإضافة إلى مناطق معينة في شرق “آسيا”».

القبار غني جداً بالمكونات الحيوية الفعالة التي تتوزع في كل أجزائه، بحسب “سلامة”، تضيف: «مثلاً تحتوي الأجزاء الهوائية منه (البراعم والثمار والأوراق) على مركبات مثل (القلويدات – الفلافونوئيدات – الستيروئيدات) وغيرها، التي لها دور هام بالوقاية والتخفيف من مخاطر التسرطن، وتأثيرها المضاد للجراثيم، أهمها ‘‘الروتين Rutin” هو فعال بتقوية الشعيرات الدموية، ومنع تكلس الصفيحات الدموية، بسبب خصائصه المضادة للأكسدة، ومساهمته بتخفيف نسبة البروتين الدهني منخفض الكثافة (LDL)».

وتابعت حديثها مع سناك سوري: «كما تحتوي ثمار ‘‘القبَّار’’ على مركبات (جينكجيتين – ساكورانتين) المفيدة لصحة الأعصاب، الجذور هي الأخرى تحتوي على ‘‘قلويدات’’ عديدة أهمها (كاباريسبين – ستاكيدرين) لها دور فاعل في معالجة أمراض الروماتيزم والمفاصل، من هنا كان الاستخدام الشعبي لجذور ‘‘القبَّار’’، ونتيجة بحث طويل ومجهد قمت به، توصلت لاستخراج زيت خاص من الجذور تمَّ اختبار فاعليته الدوائية ضد أنواع معينة من الجراثيم تدعى (E-Coli) مسؤولة عن أمراض التهابات الأمعاء والمجاري البولية».

مصير “القبَّار” السوري

فوائد ‘‘القبَّار’’ مجهولة لدى الغالبية في “سوريا”، في حين تتهافت الشركات الأجنبية على شراء محصول ‘‘القبَّار’’ السوري، الذي يكثر تواجده في مناطق ريفي “حمص” الشرقي والشمالي، فالقبار يدخل بصناعة المنتجات الدوائية، والغذائية، لذا نجد أن ثماره تقدَّم كوجبات رئيسية في المطاعم وبسعر مرتفع كما هو الحال في ‘‘تركيا’’ مثلاً وغيرها من الدول الأوروبية، وفي ‘‘أميركا’’، حيث يتم تصنيعها كنوع من المخللات المحفوظة.

أبحاث ودراسات وتوصيات دون تطبيق

أجريت دراسة خاصة عن نبات ‘‘القبَّار’’ تمَّ نشرها في مجلة ‘‘جامعة تشرين للبحوث والدراسات العلمية’’ سنة 2011 بالعدد 4// منها ضمن المجلد /11/ بسلسلة العلوم البيولوجية، ومن أهم الاستنتاجات التي توصلت إليها تلك الدراسة التي اطلع عليها سناك سوري، أنَّ عملية تسعيره تتم من قِبل التاجر (الأوحد) بناءً على العرض والطلب العالمي (بورصة)، كذلك وضعت الدراسة توصيات هامة، منها وجوب اعتبار نبات ‘‘القبَّار’’ محصولاً وطنياً هاماً، يحقق مورد دخل لسكان المناطق التي ينمو فيها، ويجب على وزارة الزراعة وضعه ضمن اهتماماتها، وأولوياتها في مخططاتها التنموية لتلك المناطق (هذا ما لم يتحقق لغاية إعداد هذا المقال للأسف الشديد!!).

أرقام خيالية..!!

يتمتع القبار بأهمية اقتصادية كبيرة عدا عن فوائده الطبية الهائلة، فمما جاء في الدراسة التي أشرنا إليها أعلاه، والتي أجريت خلال موسم 2006-2007، بلغت الكمية المنتجة منه 506.394 طن، ونسبة تصديرها مئة بالمئة، والسعر المحدد حينها كان يتراوح ما بين 65-75 ليرة سورية للكيلو غرام الواحد، والدول التي تصدَّرت قائمة المستوردين له هي: ‘‘تركيا’’ تلاها ‘‘اسبانيا’’ ومن بعدها ‘‘الولايات المتحدة الأميركية’’ إضافة لدول أوروبية أخرى، بحسب بيانات المديرية العامة للجمارك عام 2007، وللقارئ أن يتخيل الكميات المنتجة خلال السنوات اللاحقة وفي الوقت الراهن، ومقارنة الفروقات بالأسعار الرائجة في يومنا هذا.