الضربات الاسرائيلية في سورية ما هو دور روسيا؟
بعد فترة قصيرة على انخراط موسكو العسكري والمُباشر في الحرب السورية في العام 2015 الى جانب حليفها الرئيس بشار الأسد، استأنفت إسرائيل عدوانها مرّات عديدة على سورية بالرغم من الوجود العسكري الروسي الضخم، وبالرغم من تسليم دمشق منظومة صواريخ متطورة جدا وقادرة على اسقاط الطائرات المُغيرة.
لماذا لا تدعم موسكو حليفها السوري ضد إسرائيل؟ وهل ثمة تسويات حصلت بين الجانبين الروسي والاسرائيلي للسماح للقوات الاسرائيلية بضرب أهداف ايرانية ولحزب الله والجيش السوري بلا تدخل، وفي أي حالة ؟
الباحث في العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية حسين محمد جواد، يقدّم لنا الإجابات التالية في هذا البحث.
حسين محمد جواد-بيروت
وضعت إسرائيل عدة أهداف لها في سوريا واعتبرتها خطوط حمرا لا يجب تجاوزها، تمثلت في منع نقل أسلحة من سوريا إلى حزب الله، ومنع إنتقال الحرب إلى حدودها، وحقها في الدفاع عن نفسها وتوجيه ضربات إستباقية لأي أهداف ترى فيها تهديداً لأمنها القومي، والرد على أي عمليات تنطلق ضدها من الاراضي السورية. فاستخدمت أوراقاً عدة لتحقيق هذه الأهداف وصلت الى التدخل العسكري المباشر، فمنذ كانون الثاني 2013 بدأت بتوجيه ضربات جوية في سوريا بهدف منع إنتقال الاسلحة لأي طرف معادٍ لها، وللتأكيد على دورها في رسم المشهد الإقليمي [5].
لم تتجاهل إسرائيل الدور الروسي وأهميته، فعملت على التقرب من روسيا أكثر، وأوضحت لها أهدافها من التدخل في سوريا، باعتبارها من أهم الفاعلين على الارض السورية ولديها تأثير وعلاقات مع معظم الجهات المتدخلة في الأزمة.
وجدت إسرائيل في روسيا الضامن بأن أعدائها لن يهاجموها، وبأن روسيا قادرة على ضمان ذلك لانها تحارب الى جانبهم، كما أن إسرائيل لا يمكنها أن تتجاهل الوجود الروسي عند مهاجمة أي عدو لها في سوريا، حتى لا يؤدي ذلك إلى حوادث ومواجهة بينهما، اضافة الى أن التقارب من روسيا قد يضمن لها دوراً في تسوية الأزمة السورية لما يخدم مصالحها الحيوية.
قوبل ذلك بتفهم روسي للمصالح الإسرائيلية ذات الطابع الأمني في سوريا، وللمخاوف والخطوط الحمراء التي وضعتها، وقد ساعد على ذلك حجم المصالح بينهما، إضافة الى مكانة إسرائيل الإقليمية كدولة مهمة وفاعلة في الشرق الأوسط.
لم يؤثر ذلك على توجه روسيا في إدارة الأزمة السورية، بل تمسكت أكثر ببقاء النظام والحفاظ على قوته عبر مده بالأسلحة والخبراء ورفض العقوبات عليه، وصولاً الى التدخل العسكري المباشر عام 2015 والذي شكل نقطة تحول ليس فقط على صعيد الأزمة واختلاف موازين القوى فيها، بل أيضاً على العلاقات الروسية الإسرائيلية، فنتج عنه جملة من التداعيات من بينها بلوغ العلاقات بينهما ذروتها.
حرصت إسرائيل على عدم الاشتباك مع الطائرات الحربية الروسية واتخذت بالحسبان المظلة النارية لأنظمة الدفاع الجوية المتطورة التابعة للروس، من أجل ذلك قام رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عشية التدخل الروسي بزيارة إلى موسكو في 21 أيلول 2015 على رأس وفد عسكري رفيع، ويدل توقيت الزيارة وبنية الوفد الإسرائيلي، أنّ إسرائيل تطلعت إلى التنسيق مع روسيا في الشأن السوري.
وصرح نتنياهو في ختام الزيارة، بأنه اتفق مع بوتين على إنشاء آلية للتنسيق تجنباً للصدامات غير المقصودة بين قوات الدولتين في سوريا، من جهته رد بوتين بأنه حسب المعلومات التي يملكها، فإن وضع الجيش السوري لا يسمح له بفتح جبهة جديدة ضد إسرائيل في الجولان، محاولاً تهدئة المخاوف الإسرائيلية التي قد تدفع إسرائيل لتقوم بأعمل عدائية في سوريا [6].
وبالفعل شنَّت إسرائيل للمرة الأولى، بعد زيارة نتنياهو لروسيا، هجوماً على مواقع للجيش السوري في مركز هضبة الجولان، في تشرين الأول 2015، وكان قد سبق هذا الأخير هجوم آخر عشية دخول القوات الروسية لسوريا، وذلك في نهاية أيلول ولنفس السبب، وهو ما يدل على حرص روسيا على عدم المساس بالمصالح الإسرائيلية التي حددتها الأخيرة لنفسها قبل التدخل الروسي (7).
تكررت الزيارات الإسرائيلية، فكان 2016 أكثر عام شهد زيارات إلى موسكو، فزارها نتنياهو أربع مرات خلاله، واختلفت الأهداف المعلنة لكل زيارة إلا أنها لا تنفصل عن الساحة السورية وتطوراتها وكيفية التنسيق بينهما. فقد استغلت إسرائيل التدخل الروسي لبناء تفاهمات عسكرية وسياسية مع روسيا، فعملت على خط التنسيق معها لتجنب وقوع أي حوادث ولتجنب المواجهة بينهما، فقد كان هناك قلق إسرائيلي من نشر روسيا أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة في سوريا، مما يزيد أكثر من أي وقت مضى فرص المواجهة، في السماء أو البحر، بين القطع الاسرائيلية والروسية، ولعل هذا ما جعلها تطلب تشكيل لجنة عسكرية مشتركة بين البلدين، وقد تجاوبت موسكو معها، على أمل تحييد التدخل الإسرائيلي في سوريا، أو على الأقل تقييده، وترأس اللجنة نائب رئيس الأركان الروسي الجنرال فاليري غيراسيموف، ونظيره الإسرائيلي الجنرال يائيرغولان، واجتمعت للمرة الأولى في تل أبيب في 6 تشرين أول2015 [8].
ثم أعلنت بعد ذلك وزارة الدفاع الروسية أن القوات الجوية الروسية والإسرائيلية قد أطلقت برنامجاً للتدريبات العسكرية المشتركة بهدف تأمين الأمن العسكري لكلا الطرفين في الأجواء السورية. وانطلقت المرحلة الأولى من التدريبات في 12 تشرين الأول 2015، تم خلالها تبادل المعلومات عن تحركات الطيران الحربي في الأجواء السورية.
كل هذا التنسيق والتعاون، لم يحل دون وقوع حوادث أثرت على العلاقات بينهما، فقد دخلت العلاقات منعطفاً خطراً بعد حادثة إسقاط طائرة روسية ومقتل 15 عسكرياً كانوا على متنها، بعد إستهدافها عن طريق الخطأ من قبل الدفاعات الجوية السورية، خلال تصديها للطائرات الإسرائيلية التي كانت تنفذ غارات في مدينة اللاذقية في 17 ايلول 2018، وقد أحدثت هذه الحادثة شرخاً في العلاقة بين البلدين، وولدّت شروطاً وإجراءات جديدة من قبل الروس.
فكان الرد على الحادثة، بأن أتخذت موسكو عدة خطوات أعلنها وزير الدفاع سيرغي شويغو في 24 أيلول 2018، كان أبرزها قرار بتزويد الجيش السوري بمنظومات إس300 الصاروخية للدفاع الجوي وهو ما شكل تحدياً جدياً لحرية العمل للطائرات الإسرائيلية فوق سوريا.
قوبلت هذه القرارات بغضب إسرائيلي، وتعهُد بتدمر المنظومة حسب تصريحات لوزير الدفاع السابق افيغادور ليبرمان، وعلى الرغم من هذه التصريحات إلا أنّه كان هناك بعض الخطوات الدبلوماسية والسياسية من الجانبين أفضت بطبيعة الحال إلى تسليم روسيا المنظومة الدفاعية لدمشق ولكن دون اعتراض أي طائرات أو صواريخ إسرائيلية تدخل المجال السوري، ففي كانون الثاني 2019 أغارت إسرائيل على بعض المواقع في دمشق، أي بعد تسليم المنظومة ودون أي اعتراض منها لهذه الصواريخ، بل تصدت لها منظومات الدفاع السورية، وهذا يوضح مدى الضمانات التي أعطتها موسكو لإسرائيل بعدم توجيه هذه المنظومة تجاهها، كما يوضح أن قرار إطلاق النار من المنظومة الدفاعية يتخذ من موسكو وليس من دمشق لأن في حال استخدامها من قبل دمشق سيكون لها تداعيات على العلاقات بين روسيا وإسرائيل [9].
على الرغم مما قيل حول المقيدات الروسية تجاه أنشطة وعمليات سلاح الجو الإسرائيلي فوق الأراضي السورية بعد هذه الحادثة، الا أن درجة التنسيق بين الطرفين عادت الى سابق عهدها، مع ترتيبات محددة من ضمنها تجنب إسرائيل إستهداف لأماكن ينشط فيها الوجود الروسي، وهو ما ترجمته عودة الاتصالات بين الجانبين، وسلسلة الغارات التي نفذها سلاح الجو الإسرائيلي فوق الأراضي السورية خلال الفترة من 29 تشرين الأول 2018 الى 22 كانون الثاني 2019 والتي بدت وكأنها تأخذ نمطاً تصاعدياً وهو ما أثار حفيظة وإنتقاد الجانب الإيراني بشكل علني لهذا التنسيق [10].
عملت روسيا في إطار إدارتها للأزمة السورية على إيجاد أرضية مشتركة، ليس فقط بين السوريين بل أيضاً بين الفاعلين الإقليميين الذين يلعبون دوراً مهماً فيها، ومنهم إسرائيل فقامت بالتعاطي معها لتبديد مخاوفها، فلم تعارض تدخلها العسكري بل اعتبرته جزءاً من دفاعها عن أمنها القومي، واعتبرت أن هذه الأعمال والعمليات لا تؤثر على العمليات والأهداف الاستراتيجية التي تقوم بها روسيا مع الجيش السوري وحلفائه.
الخاتمة:
شكلت الأزمة السورية منعطفاً مهماً في العلاقات الروسية الإسرائيلية، ففرضت حاجة للتقارب والتنسيق بين البلدين على الرغم من تضارب المصالح والأهداف في سوريا. جاء ذلك من خلفية علاقات تاريخية وثقافية، وتداخل كبير في المصالح المشتركة، إضافة الى مكانة كل منهما على المستوى الإقليمي والدولي. فاستطاعت إسرائيل أن تبني تفاهمات مع روسيا حول مصالحها الأمنية في سوريا، والتي تمثلت في منع نقل الأسلحة الى الجهات المعادية لها، ومنع إقتراب الحرب من حدودها، وحقها في الدفاع عن نفسها والقيام بضربات إستباقية ضد أي أهداف تهدد أمنها في المناطق السورية. وكان هناك تفهم روسي لهذه المصالح، ضمن تصور أن ذلك لن يؤثر على المصالح الروسية وعلى العمليات التي تقوم بها روسيا وحلفائها في سوريا، فظهر ذلك تباعاً من خلال الحرية التي اعتمدتها إسرائيل في التحرك في الأجواء السورية لضرب أهدافها، فكان هناك تنسيق مع روسيا حول الطلعات الجوية حتى لا يحدث تصادم وحوادث بين الطرفين، وحتى بعد وقوع حوادث، كإسقاط الطائرة الروسية عام 2018، فقد استطاعت الدبلوماسية بين البلدين تمرير الحادث دون تطوره إلى خلاف ومواجهة.
إعتبرت إسرائيل أن هذه الضربات لن تؤدي الى تصعيد الجبهة في سوريا أو لبنان، بسبب إنشغال كل من إيران وحزب الله بالحرب الداخلية السورية والصراعات السياسية داخل لبنان، كذلك فإن الجيش السوري لن يخاطر بالتصعيد مع إسرائيل بسبب إنهاكه بحربه الداخلية، إضافة الى إدراكه أن التدخل الإسرائيلي محدود وغير استراتيجي، وتضبطه خطوط حمراء متعلقة بنقل الأسلحة النوعية إلى الجهات المعادية لإسرائيل، ولا يهدف إلى تغيير موازين القوى في الساحة السورية. كما رأت إسرائيل في الوجود الروسي عاملاً لضبط الأطراف الموجودة على الساحة السورية وخاصة المعادية لها، وهو ما حصل على مدى سنوات الأزمة، ويظهر واضحاً من خلال تكرار هذه الضربات دون أن تؤدي الى قيام حرب بين إسرائيل والقوى المستهدفة، أو حتى قيام هذه القوى برد جدّي قادرعلى أن يضع حد لها. ويمكن الذهاب أبعد من ذلك، بالنظر الى حجم الخسائرالتي تنتج عن هذه الضربات والتي تأتي بمعظمها خسائر مادية، فربما يكون هناك معرفة مسبقة من قبل هذه القوى بتوقيت الضربات قبل وقوعها من خلال تحذير روسي.
أثبتت روسيا من خلال الدور الذي لعبته أنها الطرف الأكثر نفوذاً في سوريا، شكل ذلك عاملاً مساعداً لإسرائيل، فتفهمت الممارسات الإسرائيلية في سوريا وغضت الطرف عنها واعتبرتها أمر طبيعي في سياق دفاع إسرائيل عن أمنها القومي. فهذا الاطمئنان الذي يظهر في السلوك الإسرائيلي، والحرية الكاملة التي تمتلكها إسرائيل لتنفيذ ضربات جوية كلما أرادت في سوريا، تأتي من التفهم والرضى الروسي، فلولا الموافقة الروسية لما استطاعت إسرائيل القيام بكل ذلك.
قائمة المراجع:
1- محمود محارب، دور مشهود لروسيا في نكبة فلسطين، العربي الجديد، لندن، 23 تشرين الاول 2016.
https://english.alaraby.co.uk/opinion/2016/10/22/%D8%AF%D9%88%D8%B1-%D9%85%D8%B4%D9%87%D9%88%D8%AF-%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D9%86%D9%83%D8%A8%D8%A9-%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86-1
2- مي ياسر حمام، العلاقات الروسية الاسرائيلية في عهد بوتين فى الفترة من “2000 – 2016”، المركز الديمقراطي العربي، 2 آب 2017، ص11.
العلاقات الروسية الإسرئيلية فى عهد بوتين فى الفترة من “2000 – 2016”
3- آنا يورشفسكايا، نضوج العلاقات الاسرائيلية الروسية، معهد واشنطن لسياسة الشرق الدنى، واشنطن، 2016، ص2.
https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/the-maturing-of-israeli-russian-relations
4- أماني هاني عطالله، السياسة الاستراتيجية تجاه الصراع السوري 2011-2013، دار الجندي للنشر والتوزيع القدس، 2016، ص167-168.
5- أمجد جبريل، السياسة الاسرائيلية تجاه الثورات العربية سوريا نموذجاً، مجلة شؤون عربية، 2013 ، العدد154، ص127.
6- إبراهـيم عـبد الكريم، اسرائيل والتدخل الروسي العسكري في سوريا، مركز الإمارت للدارسات والبحوث الاستراتيجية، أبو ظبي، 15 تشرين الاول2015، ص1.
https://www.ecssr.ae/reports_analysis/%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AF%D8%AE%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D9%88%D8%B1/
7- مهند مصطفى، العلاقات الاسرائيلية-الروسية في سياق الأزمة السورية، مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة، 15 شباط 2017، ص3.
https://studies.aljazeera.net/ar/reports/2017/02/170215085531398.html
8- إبراهـيم عـبد الكريم، اسرائيل والتدخل الروسي العسكري في سوريا، مركز الإمارت للدارسات والبحوث الاستراتيجية، أبو ظبي، 15 تشرين الاول2015، ص1.
https://www.ecssr.ae/reports_analysis/%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AF%D8%AE%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D9%88%D8%B1/
9- محمد البنداري، العلاقات الروسية الاسرائيلية في ضوء الربيع العربي والأزمة السورية، المركز العربي للبحوث والدراسات، الدوحة، 6 آيار 2019، ص6. http://www.acrseg.org/41197
10- باسم جلال قاسم، الاستراتيجية الاسرائيلية تجاه الأزمة السورية 2011-2018، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت، 2018، ص50.
إقرأ أيضاً: لماذا وافقت روسيا على تجديد آلية إدخال المساعدات لسوريا؟
المصدر: لعبة الأمم