السبت , نوفمبر 23 2024

تسوية “بوتين” السورية

تسوية “بوتين” السورية

نشر موقع “أوراسيا دايلي مونيتور” التابع لمؤسسة “جيمس-تاون” الأمريكية للأبحاث والتحليلات العالمية، مقالاً بانورامياً استجمع فيه أبرز التعليقات والمواقف الصادرة بحق قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فيما يخص تمديد السماح بفتح المعبر الوحيد المتبقي لنقل الإمدادات الانسانية للداخل السوري جاء في مستهلّه:
لقد تطلب الأمر مكالمة هاتفية من رئيس الولايات المتحدة “جوزيف بايدن” بعد ظهر يوم الجمعة الماضي (9 تموز/ يوليو) لإقناع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” بالتخلي عن موقفه “المبدئي” بشأن “التمسك بسيادة سوريا” ومنح الموافقة على بقاء الممر الذي يوصل المساعدات الإنسانية إلى محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة مفتوحاً.
وأضاف الموقع أنه حتى ذلك الحين، بدا أن المحادثات المتوترة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قد وصلت إلى طريق مسدود، فقد رفضت روسيا تمديد الآلية التي تم التوصل إليها قبل عام، والتي أجازت فتح معبر باب الهوى الحدودي في المنطقة الحدودية مع تركيا.
ونقل الموقع ما جاء في صحيفة “إزفستيا” الروسية الصادرة في 9 تموز/ يوليو والتي قالت بدورها “لكن بعد المكالمة الهاتفية بين بوتين وبايدن، رفعت موسكو فجأة اعتراضاتها المصاغة بصرامة في اللحظة الأخيرة، دون أي شروط”.
كما نقل الموقع ما نشره معهد “كارنيغي” في الثامن من تموز الجاري الذي قال بأن “هذه المرونة غير المعهودة، في الواقع، قد جاءت تماماً في السياق الإقليمي للكارثة الإنسانية المتفاقمة في سوريا.
ومع ذلك، لا ينبغي أن يُنظر إلى ذلك على أنه تحول في سلوك روسيا الخارجي نحو نمط أكثر استقراراً ويمكن التنبؤ به، وعلى النحو الذي تريده إدارة بايدن.
وعرض الموقع ما نشرته صحيفة “كوميرسانت” الروسية في الثامن من تموز/ يوليو حيث قالت إنه في الواقع، كان “بوتين” مستعداً لمناقشة قضية إدلب في قمة جنيف في 16 حزيران/ يونيو مع “بايدن”، حيث حضر هناك مبعوثه الخاص لسوريا، “ألكسندر لافرنتييف”، لكن الرئيس الأمريكي فضّل إبقاء المناقشة قصيرة والتركيز على الاستقرار الاستراتيجي.
وبذلك ظل موقف واشنطن مؤيداً لتوسيع عمليات تسليم المساعدات عبر الحدود، بالشكل الذي عرضه وزير الخارجية “أنتوني بلينكين” في اجتماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في أواخر آذار/ مارس الماضي.
لكن صحيفة “نوفوستي” أوردت في 7 تموز/ يوليو أن المسؤولين الروس أصروا بشكل قاطع على أن آلية نقل المساعدات عبر المعابر الحدودية غير الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية, قد تجاوزت غرضها المؤقت وأن جميع المساعدات الدولية يجب أن تصل عبر دمشق.
كما قالت صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية إن موسكو لم تكن مهتمة في الواقع بعرقلة قرار مجلس الأمن الدولي بشأن إطالة أمد العمل بممر باب الهوى، وحاولت الدخول في مساومة تهدف إلى زيادة حجم المساعدات المتاحة لدمشق.
وبناءً على ذلك، عقد “لافرينتيف” اجتماعاً مع المسؤولين الأتراك والإيرانيين في ما يسمى بصيغة “أستانا”، ولكن لم يتم تحقيق تقدم ملموس في المشكلة الضخمة لإعادة إعمار سوريا بعد الحرب، كما جاء في موقع “تاس” الإخباري الروسي.
وعن المناورات المتعلقة بابرام الصفقة الخاصة بالمعبر يستشهد موقع أوراسيا بصحيفة “ذي إنسايدر” الأمريكية، التي تقول بدورها إن ما أزعج تكتيكات المساومة الروسية ودفع موسكو على الموافقة على الحفاظ على الآلية العابرة للحدود لعام آخر، هو التحول القوي للاهتمام الدولي والمخاوف الأمريكية بعيداً عن سوريا والتوجه نحو الأزمة التي تتكشف في أفغانستان.
فقد اعتاد المسؤولون والمحللون الروس على انتقاد عدم فعالية تدخل منظمة حلف شمال الأطلسي “الناتو” في منطقة الحرب التي استمرت 20 عاماً؛ لكن ظهور تحدٍ أمني مباشر لروسيا من هذا الاتجاه فاجأهم.
هذا وقد شجع الانسحاب السريع لقوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، “طالبان” على شن سلسلة من الهجمات الجديدة التي تستهدف بشكل خاص المقاطعات الشمالية، ووجدت موسكو فجأة أنه يتعين عليها الاستجابة للنداءات العاجلة من طاجيكستان للحصول على مساعدة أمنية طارئة، كما جاء في صحيفة “صدى موسكو”.
وروسيا ملتزمة بمعاهدة مساعدة هذا الحليف في حماية حدوده؛ ولكن من حيث القيمة الحقيقية، فهي مترددة للغاية في تخصيص قوات وموارد لهذه المهمة و تفضل روسيا الدخول في مفاوضات مع طالبان، على الرغم من أن المشرعين الروس يعرّفون هذه المجموعة المسلحة على أنها منظمة “إرهابية” غير شرعية.
ويكمل الموقع الأمريكي “أوراسيا” اقتباساته بالنقل عن موقع “أر بي سي” الأمريكي، الذي أورد أنه في يوم الجمعة، لم ير “بايدن” أي جدوى من مناقشة هذا القلق الخطير مع “بوتين”، وبدلاً من ذلك، كان عليه أن يثير قضية أخرى قللت من أهمية اللغز السوري إلى مستوى غير مهم في المحادثة الصعبة المتعلّقة بـ”رانسوم وير” أو ما يعرف بـ”هجمات برنامج الفدية السيبراني”.
كان الاتفاق على إطلاق المشاورات الثنائية التي تركز على تخفيف التوترات في مجال الأمن السيبراني غير المنظم أحد النتائج الرئيسية لقمة جنيف، ولكن تبين أن الرضا في موسكو عن هذه المداولات المشتركة المقترحة منذ فترة طويلة لم يدم طويلاً، فقد أدى التصعيد الحاد، في الأسابيع الأخيرة، لبرامج الفدية والهجمات الإلكترونية المنسوبة إلى الجماعات الروسية إلى تقويض البداية الهشة لبناء الثقة، كما أن الإنكار الذي أصدره الكرملين -كما هو متوقع- يتناسب بشكل واضح مع نمطه السابق المتمثل في الإنكار الوهمي للعديد من الأفعال السيئة والجرائم وهو ما جاء في صحيفة “كوميرسانت”.
وينقل الموقع الناشر القول عن صحيفة “ريا نوفوستي” إنه لا تزال الأدلة التي تشير إلى تورط عصابات المتسللين المتمركزة في روسيا غير قاطعة، لكن “بايدن” وجد أنه من الضروري ليس فقط مطالبة “بوتين” باتخاذ إجراءات فعالة ضدهم، ولكن أيضاً الإعلان عن تحذيرات من أن روسيا ستتحمل المسؤولية، فمن المشكوك فيه ما إذا كان “بوتين” قادراً أو مستعداً لكبح المتسللين المرتبطين بخدمات خاصة روسية مختلفة، لكنه يحتاج بالتأكيد إلى إظهار العزم على الوقوف بحزم ضد الضغط الأمريكي.
وتقول صحيفة “روسبالت” الناطقة بالروسية إنه من خلال منح الموافقة على العمل الإنساني للأمم المتحدة في سوريا، ربما سعى “بوتين” (لكنه لم ينجح تماماً) لتقليل هذا الضغط وكذلك لإثبات أن الحوار رفيع المستوى هو السبيل الوحيد لحل القضايا الخلافية.
هذه الرسالة موجهة في المقام الأول إلى الأوروبيين، لأن السؤال حول استعادة العلاقات السياسية مع روسيا وعقد قمة مع “بوتين” مثير للانقسام داخل الاتحاد الأوروبي.
ويقول مركز أبحاث المجلس الروسي إنه قد لا يكون بوتين حريصاً على المشاركة في مثل هذه القمة المثيرة للجدل، لكنه بالتأكيد يهدف إلى إعادة إطلاق الحوار مع ألمانيا والتأثير على نتائج انتخابات هذا العام في هذه القوة الأوروبية الرئيسية.
فالمستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” كما تقول صحيفة “روسيسكايا غازيتا” كانت شريكاً صعباً ولكن فعالاً، ويأمل الكرملين أن يختار خلفاؤه -باستثناء حزب “الخضر” المنشق- الحفاظ على هذه العلاقات، بينما ربما يتمتعون برأس مال سياسي أقل بشكل ملحوظ.
بالامتناع عن التدخل في الانتخابات الألمانية، تتوقع موسكو مساعدة جماعات الضغط المؤثرة المؤيدة لروسيا في أوروبا على إعادة تجميع صفوفها، مما سيساعد في تجنيد أعضاء جدد في الشبكات الفاسدة، مثل وزيرة الخارجية النمساوية السابقة “كارين كنيسل”، التي انضمت إلى مجلس إدارة “روسنفت” شركة النفط والطاقة الروسية التي مقرها موسكو، بحسب صحيفة “غازيتا” الروسية.
وتقول صحيفة “ليفادا” الروسية إن روسيا باتخاذها موقف تعاوني في سوريا، ضحت بالنفوذ للمطالبة لكنها اكتسبت موقفاً لتشجيع الاتحاد الأوروبي والجهات المانحة الأخرى على توسيع المساعدات الإنسانية القادمة إلى دمشق، مما يساهم في استقرار الحكومة السورية وتأكيد “انتصار روسيا”، وإن ما جعل من السهل على “بوتين” إجراء تراجع مرن عن المطلب المتطرف للسيطرة الكاملة على إيصال المساعدات هو اللامبالاة العميقة تجاه الجمود السوري في الرأي العام الروسي، الذي يهتم بشكل أساسي -وغير راضٍ بشكل متزايد- بالمسائل المحلية.
ويختم الموقع الأمريكي “أوراسيا ديلي مونيتور” اقتباساته بنقل ما نشرته صحيفة “ليفادا” عن محاولات “بوتين” لتهدئة القلق الناجم عن سوء الإدارة الفادح لوباء “كوفيد-“19 القاتل, في حين أن شغفه بانقلاب يغير الاتجاه في الساحة الدولية آخذ في الازدياد، فقد يُسعد تخفيف حدة التوترات مع الغرب بعض نخب رجال الأعمال، لكن الجماهير القلقة تزداد غضباً من المحنة التي تواجههم، لذا تستعد أجهزة الأمن في نظام “بوتين” لتطبيق رؤية صراع مصيري للمصالح والقيم -مثل ما ورد في “المقدمة في إستراتيجية الأمن القومي” المعدلة حديثاً- في الممارسات العملية.
وكالات