عقوبات أمريكا الجديدة… ما دلالات التوقيت وما تأثيرها على سوريا؟
في الوقت الذي نجحت فيه سوريا في الخروج من عزلتها، وبدأت في فتح حدودها مع الدول المجاورة، آخرها كان الأردن، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية، عقوبات جديدة مرتبطة بدمشق.
وصرحت وزارة الخزانة الأمريكية، أمس الأربعاء، أنها أضافت 8 أفراد و10 كيانات إلى قائمة العقوبات الأمريكية، بحسب “رويترز”.
وقال مراقبون إن العقوبات تأتي في الوقت الذي بدأت تتعافى فيه الدولة السورية، وبعد زيارة وزير الخارجية الصيني، وكذلك بعد عدم تمكن الولايات المتحدة الأمريكية من إفشال الانتخابات الرئاسية.
عقوبات جديدة
وأوضحت وزارة الخزانة الأمريكية أن هذه الخطوة تأتي في إطار إجراءات منفصلة لمواجهة الإرهاب ومرتبطة بسوريا، الأمر الذي يزيد الضغوط على الحكومة السورية.
وذكر موقع الوزارة أن هذه الكيانات تضم فروعا للاستخبارات العامة والحربية السورية.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، قال الرئيس السوري بشار الأسد، إن العقوبات الغربية على بلاده تعد عائقا أمام الاقتصاد، مؤكدا أنه يجب إيجاد حلول للتخفيف من آثار تلك العقوبات.
وأكد أن “عنوان المرحلة القادمة زيادة الإنتاج ودور الدولة خلق المناخ لتحسين بيئة الاستثمار والإنتاج”.
وتعاني الأسواق السورية من ضعف في القوة الشرائية بعد تهاوي سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار بشكل حاد في السوق الموازية، بالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد من قبل الاتحاد الأوروبي الذي جددها لمدة عام كامل، والولايات المتحدة والتي كان آخرها “قانون قيصر”.
ضغوط ما قبل الحل
اعتبر الدكتور أسامة دنورة، المحلل السياسي والاستراتيجي السوري، أن هناك آلية دائمة في الولايات المتحدة تتابع كل ما يتعلق بالدولة والحكومة والجيش في سوريا، وتحاول التضييق عليها جميعًا، وعلى الرغم من أن مثل هذه الآليات ممكن أن تكون مستمرة بحكم اندفاعها الذاتي المستند لقرارات لا تزال سارية المفعول أصدرتها الإدارات الأمريكية السابقة أو قوانين صدرت على الكونغرس، إلا أن ذلك لا يمنع من أن الإدارة الأمريكية قد تكون في وارد زيادة الضغوط ليس من منظور إسقاط الدولة السورية أو إنتاج حل صفري، ولكن من منطلق زيادة أوراق الضغط في مرحلة ما قبل الحل، ومن الوارد أيضاً أنها تريد في هذا التوقيت أن ترسل رسالة تصلب وتشدد تجاه الدولة السورية لكي تغطي أية تفاهمات هي قيد البحث مع الروس.
وأضاف في حديثه لـ “سبوتنيك”: “من ناحية نجد أن التصريحات الروسية تشير إلى مباحثات أمريكية – روسية بناءة فيما يتعلق بالوضع السوري، ومن جانبٍ آخر تتحدث مصادر عسكرية عن تزويد روسيا لسوريا بمنظومات دفاع جوي متطورة لصد الاعتداءات الإسرائيلية، ومن جانب ثالث يتحدث ملك الأردن بخطاب ذو ملامح جديدة تجاه سوريا بعد أقل من أسبوع من لقائه مع بايدن، ويوقف الأمريكان منذ مدة الاستثناء الممنوح لشركة دلتا كريسنت الأمريكية للنفط، والتي كانت تشرف على عمليات تسويق النفط السوري المسروق، وينسحب الأمريكان من العراق، الأمر الذي يدل على أن وجودهم في سوريا أصبح فاقداً لأي عمق استراتيجي.
ويرى دنورة أن كل هذه المعطيات تشير إلى ملامح فض اشتباك وليس للتصعيد في الاتجاهين الروسي – الأمريكي، والإيراني – الأمريكي، الامر الذي قد يكون مستبعداً معه، قياساً للمؤشرات العامة، أن تدل العقوبات الأمريكية على اتجاه للتصعيد أو إعادة أو توسيع الانخراط الأمريكي بالحرب السورية.
أما عن الرد السوري على عقوبات المنظومة الغربية برمتها يتخذ بحسب المحلل السوري عدة اتجاهات، فالجيش يرد اليوم باستكمال عمليات القضاء على الإرهابيين في درعا، والدولة السورية ترد سياسياً واستراتيجياً واقتصادياً بتعميق علاقات التحالف والتكامل مع الأطراف المناوئة للهيمنة الأمريكية على مستوى الإقليم والعالم، والزيارتان المتزامنتان لوفدين روسي وإيراني إلى العاصمة دمشق، والإعلان عن اتفاقيات تعاون كبرى هي قيد التوقيع، إضافة إلى تعزيز العلاقات مع الصين تشير جميعها إلى دبلوماسية وسياسة سورية نشطة في مواجهة الحصار والعقوبات.
نجاح سوري
من جانبه اعتبر المحلل السياسي السوري غسان يوسف، أن العقوبات الأمريكية الجديدة هي أول عقوبات تفرضها إدارة بايدن، وتأتي في سلسلة العقوبات التي كانت تفرضها الإدارة الأمريكية السابقة، لا سيما بعد إقرار قانون قيصر من قبل الكونغرس الأمريكي.
وبحسب حديثه لـ “سبوتنيك”، العقوبات التي تفرضها الإدارة الأمريكية طالت الشعب السوري ولم تطل “النظام السوري” كما يقولون، لكنها تستهدف الدولة السورية بعد فشل أمريكا في التدخل بالانتخابات أو تفشل الدستور، أو تجعل سوريا بدون رئيس أو بدون انتخابات تشريعية.
وأكد أن الدولة السورية لا تزال قائمة وموجودة في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وتحظى بدعم دولتين كبيرتين مثل الصين وروسيا، وكان هناك زيارة أخيرة لوزير الخارجية الصيني وأكد على دعم دمشق، وعرض المشاركة في إعادة الإعمار.
ويرى يوسف أن الولايات المتحدة الأمريكية عندما تستهدف سوريا فهي تستهدف بذلك روسيا والصين وإيران، لذلك تأتي هذه العقوبات كمثيلتها السابقة التي فرضت على سوريا.
ويعتقد المحلل السوري أن هذه العقوبات رغم قسوتها، وتأثيرها على حياة المواطنين وتؤدي إلى غلاء الأسعار والتضخم، إلا أن الدولة السورية بدأت بالتكيف معها، حيث فتحت حدودها لجيرانها، في بغداد والأردن ولبنان، حيث تمكنت سوريا من الخروج من عزلتها.
يذكر أنه في أواخر عام 2019، وقع الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، “قانون قيصر” الذي يشمل عقوبات تمس جميع مجالات الاقتصاد السوري تقريباً. وتم إدراج ما يقرب من 90 شخصا وكياناً قانونيا سورياً في قوائم العقوبات بموجب هذا القانون.