هل تتلقى سورية ضربة عسكرية؟
نتيجة تقدّم الجيش السوري في حربه ضد التنظيمات الإرهابية الموجودة شرق العاصمة؛ هددت السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة “نيكي هيلي” رسمياً بضرب سوريا إذا استمرت المعارك في الغوطة الشرقية، أما على الجانب الآخر؛ خرج رئيس أركان الجيش الروسي ليؤكد أنّ القوات العسكرية الروسية ستقف في وجه أي ضربة عسكرية أمريكية ضد سوريا.
لكن السؤال هنا؛ هل أمريكا والغرب، مع الأخذ بعين الاعتبار تجربتهما السابقة بقصف قاعدة الشعيرات الجوية جنوب حمص بصواريخ كروز في أبريل من العام الماضي، والتي كانت تحت ذريعة استخدام الجيش السوري للأسلحة الكيميائية، سيخاطران مرة أخرى بهجوم عسكري آخر تحت ذريعة المواجهات في الغوطة، وهما تعلمان أنّ العمليات العسكرية في الغوطة تتم بدعم واضح من القوات الروسية للجيش والحكومة السورية؟.
العام الماضي شهد تقدماً سريعاً للجيش السوري بمساعدة قوات عسكرية من روسيا وإيران في مدينة حلب وتطهيرها من المجموعات المسلحة، شاهدت أمريكا والغرب بشكلٍ عام فشلهما في السيناريوهات التي رسموها لمستقبل سوريا، وتعاملوا بعدها بنوعٍ من السلبية على الساحة السورية، غير أنّ الغرب ولعلمه بأهمية سوريا بالنسبة لروسيا، بالإضافة لأهميّة سوريا كجزء من محور المُقاومة الذي تقوده إيران؛ ودورهم في إعادة رسم الخريطة السياسية في الشرق الأوسط خصوصاً بعد هزيمة تنظيم داعش الإرهابي، فإنّه لن يُقدم على التدخل.
الغرب ومن أجل أن يكونوا قادرين على حفظ وجودهم في المجال السياسي السوري ولو في حدّه الأدنى، إلى جانب نوع من التدخل العسكري (هجمات صاروخية وجوية محدودة) في سوريا بذريعة الهجمات الكيميائية، مع أن سوريا وباعتراف المنظمات الدولية تخلت عن أسلحتها الكيميائية بشكلٍ كامل، كما أنّه لا يوجد سبب معقول لاستخدام مثل هذه الأسلحة، وعملياً لا توجد أيّ أدلة ووثائق على استخدام الأسلحة الكيميائية، ومع ذلك فإنّ سوريا عرضة لتدخل الدول الغربية.
ويمكن رؤية الإصرار الغربي على لعب دور في سوريا من خلال مكالمة هاتفية أجراها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الجمعة الماضية مع كل من إيمانويل ماكرون وأنجيلا ميركل، حيث هدد ترامب الحكومة السورية بضربة عسكرية إذا حاولت تحرير الغوطة الشرقية من الجماعات الإرهابية، بدوره ماكرون وبعد يوم واحد من تلك المكالمة قال: “إذا استخدم الجيش السوري الأسلحة الكيميائية واستهدف المسلحين في سوريا، فإن باريس مستعدة لشن هجمات ضد المنشآت في سوريا”، أما نيكي هيلي فأشارت إلى أنّ الولايات المتحدة تحذّر الأمم المتحدة إذا لم تتخذ أيَّ إجراء ضد الحملات التي يشنها الجيش السوري، فإنّ أمريكا “مستعدة” للقيام بالإجراءات الرادعة.
الرد الروسي لم يتأخر كثيراً؛ حيث قال سفير روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا يوم الاثنين في اجتماع مجلس الأمن ردّاً على تصريحات نيكي هيلي: “إن ضواحي دمشق أصبحت مركزاً للإرهاب، والحكومة السورية لديها الحق في القضاء على التهديد الموجه لمواطنيها”، كما أنّ ردود الفعل الروسية تواصلت من خلال تصريحات رئيس الأركان الروسي الذي أكد أنّ بلاده ستواجه أيّ ضربة عسكرية أمريكية هدفها إضعاف النفوذ والمصالح الروسية في سوريا أو تهديد القوات الروسية العاملة هناك.
وبعد كلِّ المواقف السابقة؛ فإن الواقع يقول إن الغرب وحلفاءه الإقليميين كإسرائيل والسعودية لم تعد هناك رؤية واضحة لمصالحهم المستقبلية في سوريا، خصوصاً مع تواصل التطورات الحالية من خلال تحرير الغوطة الشرقية، واستمرار التقدم التركي في المناطق الكردية شمال سوريا.
وبشكلٍ عام؛ فقد فشلت جميع الخطط تقريباً للإطاحة بالنظام السياسي السوري، وتجزئة سوريا، وما سيتبعه من تقويضٍ للنفوذ الروسي من خلال حصارها وتوسيع الوجود العسكري للغرب في الشرق، هذا كله سيجعل الغرب يُحاول تغيير الوضع الحالي وإيجاد حل للخروج من هذا الطريق المسدود الذي وصل له.
وختاماً.. إنّ الغرب سيُعلن استسلامه للتغيرات الحالية في سوريا، وذلك بسبب الموقف الحاسم من قبل روسيا، بالإضافة للدعم القوي من قبل محور المقاومة للجيش والحكومة السورية في الغوطة الشرقية، كما أنّ الغرب لن يقوم بأيّ عمليات عسكرية في سوريا كونه غير مستعد لمواجهة روسيا عسكرياً، وذلك بسبب العواقب الوخيمة لمثل هذه المواجهة، بالإضافة لكونه لن يُخاطر بإشعال حرب عالمية ثالثة.
وبالنظر إلى إصرار كل من أمريكا وفرنسا على تمرير قرار ملزم في مجلس الأمن يقضي بوقف إطلاق النار في الغوطة الشرقية، وللحفاظ على مظهرها و”برستيجها” في العالم فإنّه من المحتمل أنّ تقوم الدولتان بعمل عسكري محدود في الغوطة الشرقية؛ شريطة ألا يؤدي هذا العمل إلى مواجهة مباشرة مع القوات الروسية.
الوقت