ماذا ينتظر كُرد سورية بعد أسابيع؟
يعيش الكُرد في سورية هاجس حملة عسكرية تركية جديدة على مناطقهم، خصوصا مع تكرار التهديدات والقصف على مناطق، مثل عين عيسى ومنبج، وهي المناطق المُستهدفة تركياً؛ نظراً إلى التركيبة الإثنية الخليطة واللاتجانس الشعبي مع “الإدارة الذاتية” مقارنة بمناطق أخرى؛ نتيجة لعلاقات القربى والامتداد العشائري للمجتمعات المحلية هناك مع فصائل المعارضة السورية التي تجسد رأس الحربة في أيَّ هجوم محتمل، ومحاولة لقطع التواصل البري والجغرافي بين عين العرب (كوباني) وعين عيسى ومنبج والريف الشمالي للرقة، وإنهاء مشروع الإدارة الذاتية لشمال شرق سورية، وتقليص المساحات التي تسيطر عليها “الإدارة الذاتية”، وتفكيك الجغرافيا الكُردية.
تابع الكُرد نتائج ومخرجات القمتين بين، الرئيسين الأميركي بايدن والتركي أردوغان، وبايدن والرئيس الروسي بوتين، في يونيو/ حزيران المنصرم، وكانت مخاوف كُردية من حصول تركيا على ضوء أخضر جديد للقيام باجتياحٍ رابع، بعد عمليات درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام.
ورُبما تكون الأيام القادمة محفزة، أو مُنهية للمخاوف، فالاتفاق إن وجد لن يكون في فاصل زمني كبير بعد القمة؛ لأن التوقيت مهم في قضايا واتفاقياتٍ كهذه، وهو ما يُرجّح إمكانية أن تكون المدن الكُردية أو المختلطة بحلول نهاية الأسابيع القليلة المقبلة، على مفترق طرق، ما بين اجتياح جديد وتفكيك الخزّان البشري الكردي وأفول الحلم الكُردي، أو نهاية كابوس الحرب عليهم وعودة أهالي عفرين إلى ديارهم وإخراج فصائل المعارضة السورية التي عاثت خراباً وفساداً ونهباً وقتلاً على الهويّة إلى خارج عفرين، وتكون سري كانيه الحلقة/ المرحلة اللاحقة وبداية عودة البريق الكُردي مُجدداً.
في العموم، ومهما كانت روسيا وأميركا متفقتين على بعض الملفات والحلول لسورية وغيرها، فإن الأولوية الأميركية، قبل كل شيء آخر، هي العمق الأطلسي وحاجتها لرأس الحربة في مواجهة الصين وروسيا وإيران. وتاريخياً لم يوجد أفضل من تركيا لتلعب هذا الدور، بعد قرابة القرن من العلاقات التاريخية بينهما، والتي تعرّضت لكثير من الشد والجذب والخلافات، لكن لا تفضيل أميركيا لأيَّ جهة/ دولة على تركيا التي كانت الفاعل الأساس للمشاريع الأميركية في بحر قزوين والبحر الأسود والقفقاز ومواجهة المدّ الروسي سابقاً.
لذا، المرجح أن تكون مساعي الرئيس بايدن تتجه إلى تحقيق مزيد من مساحات التوافق مع أردوغان وتركيا.
ولضمان بقاء حزب العدالة والتنمية في الحكم، وزيادة التنمية الاقتصادية وتفكيك العلاقة بين أميركا وقوات سورية الديمقراطية (قسد)، ربما لا توجد مشكلة لدى تركيا في الدخول إلى آسيا الوسطى، من ساحل بحر قزوين الشرقي حتى تخوم منغوليا بين الصين وروسيا، أي في المنطقة من شمال أفغانستان وحتى حدود روسيا الجنوبية، وهي تضم تركمانستان، كازاخستان، أوزبكستان، طاجاكستان، قرغيزستان.
وتذكر تقارير أن المنطقة كلها كانت تسمّى تركستان، وبعد ضمها إلى الاتحاد السوفييتي أطلقت عليها تسمية آسيا الوسطى، وبعد ذلك استقلت تلك الدول بعد انهيار السوفييت، وهي تشكل المجال الحيوي الروسي ومناطق التجارة الصينية، أيّ المواجهة السياسية والاقتصادية مع الصين وروسيا نيابة عن أميركا، وزيادة الضغط والخناق على إيران.
أمام هذه الوضعية السياسية الاقتصادية والسيولة المتوقعة في مشهد العلاقات بين واشنطن وأنقرة، والخدمات التي ستقدّمها تركيا للجانب الأميركي، يفرض المنطق السياسي أن تسعى الإدارة الأميركية للتركيز على أنقرة، أكثر من شمال شرق سورية، خصوصا أن فلول تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) المتبقية ليس في استطاعتها تشكيل خطر حيوي وجودي على المصالح الأميركية في المنطقة، ولا حتّى على الأمن المستدام، بسبب وجود قواعدها العسكرية هناك، وعلاقتها مع “قسد” التي تراهن عليها الإدارة الذاتية.
لكن هذه العلاقة لم تكن ولن تكون على حسابات واشنطن مع أنقرة، وهو ما يلزم تخفيف أميركا حدّية المشكلات الداخلية والإقليمية التي تؤرّق تركيا صاحبة الريادة كرأس حربة للمشروع الأميركي، إضافة إلى إبعادها عن روسيا. خصوصا أن لـ “العدالة والتنمية” هاجسين يؤرقانها.
خارجي: متمثلاً بقوات سورية الديمقراطية، والإدارة الذاتية، التي تقود التجارب السابقة ونظام الطائرات المسّيرة إلى احتمالية قوية لهزيمة عسكرية جديدة للأخيرة في حال شنّت تركيا عملية عسكرية جديدة، وبذلك لا قوة لها من دون الجانب الأميركي الذي لم يمانع الهجوم التركي على سري كانيه وتل أبيض، ولم يكترث كثيراً لوضع الخمسة ملايين نسمة الذين يعيشون في شمال شرقي سورية، ولم يُشمل معبر تل كوجر ضمن تمديد تفويض إدخال المساعدات الإنسانية، بعكس باب الهوى الذي تسيطر عليه قوة للمعارضة السورية، إرضاء لتركيا مع قبول روسي.
بمعنى أدق، الدعم الأميركي سياسياً وإنسانياً مشروط بتنفيذ الإدارة الذاتية المطاليب والشروط الأميركية فيما يتعلق بالحوار الكردي.
الهاجس الثاني: داخلي، يتمثل بمقدرة أحزاب المعارضة قلب التوقعات، والنجاح في أيَّ انتخابات مقبلة، خصوصا تحالف حزب المستقبل برئاسة داود أوغلو مع حزب الشعوب الديمقراطية وغيرها، ومخاوف من تدخلات جماعة غولن، وهو ما يجعل تركيا بحاجة قوية ودائمة للجانب الأميركي.
.. كِلا الطرفين، الإدارة الذاتية (الكردية) وتفريعاتها، والنظام التركي، يعيشان أوقاتا عصيبة، لكن لا تضحية أميركا بحليف استراتيجي تاريخي قوي، يأخذ دور الدّرع الحامية للأمن القومي الإستراتيجي الأميركي، مقابل شريك في محاربة “داعش”، يُغير من تكتيكاته بشكل دائم، غير منسجم مع التوجه الأميركي ومشروعه لتقريب ثم توحيد الرؤى السياسية والإدارية والعسكرية لطرفي الحوار الكردي.
مفترق طرق تعيشه منطقة شمال شرق سورية، ما بين تنفيذ “الأمر” الأميركي، أو تفكيك ما تبقى من المنطقة الكُردية، وتحول الكُرد إلى أقلية سياسية شعبية مع زيادة تدفق الهجرة والمهاجرين.
العربي الجديد