“فج مارتقلا”.. أبرز المعالم المسيحية شمال دمشق يستأنف استقبال السياح مجددا
ينفض “فج مارتقلا” في بلدة معلولا، أحد أبرز المعالم السياحية شمالي العاصمة دمشق، الغبار عنه بعد 4 سنوات من تحرير البلدة التي تعرضت لأضرار كبيرة في معالمها السياحية والتاريخية.
الورشات الفنية في محافظة ريف دمشق، وبالتعاون مع مديرية الآثار، دخلت مرحلة الأعمال الأخيرة الخاصة بصيانة وتأهيل الفج الذي يعد أبرز معالم البلدة وأكثرها جذبا للسياح، وهو عبارة شق صخري شاهق يشكل ممراً ضيقاً من طرف الجبل الذي تتربع عليه البلدة، إلى طرفه المقابل، ويقسمها إلى شطرين.
والفج، الذي يسمى أيضا بـ (الفج الشرقي)، يشكل بوابة الدخول الوحيدة الى الاعماق التاريخية لبلدة معلولا الأثرية، يحاذيه دير القديسة (تقلا) الارثوذكسي، أقدم الدور الرهبانية في منطقة غرب آسيا وبلاد الشام، فيما تحيط به من الجهة الشرقية كنيسة آثرية قديمة، وقريبا منها يقع مقام القديسة تقلا، الاقدم في العالم الَّذي يحتوي على ضريح أولى شهيدات المسيحية.
وبحسب الرواية الشعبية، نشأ الفج حين هربت القديسة تقلا من حكم الموت الذي صدر بحقها في الأيام الأولى لفجر المسيحية، فكانت العجيبة أن انشق الجيل الصخري فأبقى الفتاة الهاربة (مار تقلا) في شطر، والجنود الرومان في الشطر الاخر.
ويتميز هذا الفج من بدايته حتى أعلى الجبل بوجود الغرف والخلوات المحفورة بالصخر وعلى مستويات مختلفة، بما يشكل إحدى العجائب الطبيعية التي يمكن أن يراها الزائر في هذا المكان.
ممر (الفج) الذي لطالما عبره مسؤولون ووفود دبلوماسية وسياسية، أبرزهم الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز والرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، يمتد على طول 500 متر، وبارتفاع يتراوح بين 50 و100 متر، وعرض بين مترين و10 أمتار.
وتعرضت بلدة معلولا التي لطالما اجتذبت السياح من كل أنحاء العالم قبل الحرب للاطلاع على مزاياها الأثرية المتجذرة منذ اقدم العصور، لانتكاسة خطيرة بعد اجتياحها من قبل المجموعات المسلحة في 2013 التابعة لما يسمى (الجيش الحر) و(جبهة النصرة)، وإيغالهم في إحراق كنائسها وتخريب معالمها، وقتل عدد من أبنائها ذبحاً، واختطاف راهباتها واقتيادهم إلى دول الجوار.
هذه الأحداث، شكلت حداً فاصلاً في تاريخ البلدة، فبالرغم من عودة كثير من المهجرين داخل سوريا بعد تحرير المدينة على أيدي قبل الجيش السوري والقوات الرديفة في نيسان 2014، إلا أن المهجرين خارج البلاد، لم يرجع منهم إلا قلة قليلة حتى الآن.
معلولا ولغة (المسيح)
وتقع معلولا شمال شرق دمشق على بعد حوالي 56 كم، وترتفع عن سطح البحر نحو 1500 مترا، ويعني اسم معلولا (مو علولا)، “المدخل” بحسب اللغة الآرامية التي ما زال سكان المدينة يتحدثون بها، وفي السريانية يعني “المكان المرتفع ذو الهواء العليل”.
وتشتهر البلدة الأثرية بوجود معالم مسيحية مقدسة وقديمة مهمة يعود تاريخها للقرن العاشر قبل الميلاد، كما أن سكانها من المسيحيين والمسلمين ما زالوا يتكلمون باللغة الآرامية الغربية الحديثة لغة السيد المسيح حتى اليوم بجانب اللغة العربية كما في قريتي ( جبعدين وبخعة) القريبتين من معلولا، وفي إطار حفاظ أهالي المدينة على تراثهم الثقافي الفريد وهو لغتهم الأم، فقد افتُتح العام 2004 معهد لتعليمها في البلدة.
وتُعد معلولا ذخراً روحياً وثقافياً عريق، وتختزن كنائس قديمة جداً ومزارات وآثاراً مسيحية، وتحتوي على معالم تاريخية منها كنيسة وأضرحة بيزنطية قديمة منحوتة بالصخر في قلب الجبل، كما يوجد فيها دير مار تقلا البطريركي، وفج مارتقلا المعروف بالممر الصخري أو الفج الشرقي، والذي يخضع حالياً لأعمال صيانة وتأهيل.
كما يقع فيها دير مار سركيس وباخوس الأثري، وهو من أقدم المعالم المسيحية في المنطقة، ويحتوي على أقدم مذبح مسيحي في العالم يعود الى العام 316م، وخشب أرز يعود الى أكثر من ألفي عام، وهو أول معبد (وثني) يتحوّل كنيسة عام 313م.
وتتميز معلولا بمنازلها المتراصة والتي تُشكل منازل مدينة معلولا مدرجات من قمة الجبل إلى سفحه ووصولاً إلى الوادي.
وتعتبر معلولا محجة لكل المؤمنين، مسلمين ومسيحيين، حيث تعد المدينة رمزا للتآخي، وخلال شهري أيلول وتشرين الاول من كل عام، جرت العادة أن تُشعل النيران على قمة الجبل، احتفالا بعيد الصليب (14 ايلول)، ويتم تزيين المدينة احتفالاً بعيد تقلا (24 ايلول)، والشهيدين سركيس وباخوس (7 تشرين الأول).
كما يشكل عيد انتقال السيدة العذراء في الـ 15 من أغسطس (آب)، موعداً سنوياً للزوار الذين يقصدون معالم البلدة للحج والتبرك.
البلدة التي اجتذبت بمزاياها الإنسانية المتجذرة منذ اقدم العصور، السياح من أنحاء العالم قبل الحرب، تعرضت لانتكاسة خطيرة في 2013، بعد دخول المسلحين الذين تعددت تسمياتهم بداية من ما يسمى (الجيش الحر) و (جبهة النصرة) لاحقاً، وقيامهم في إحراق كنائسها وتخريب معالمها، وقتل عدد من أبنائها ذبحاً، واختطاف راهباتها.
شكلت هذه الأحداث حداً فاصلاً في تاريخ البلدة، فبالرغم تحرير المدينة من المسلحين على أيدي قبل الجيش السوري والقوات الرديفة في نيسان 2014، فقد عاد إليها كثير من المهجرين الذين نزحوا إلى مناطق أخرى داخل سوريا، إلا أن المهجرين خارج البلاد، لم يرجع الكثير منهم حتى الآن.
تأهيل الممر الصخري
رئيس مجلس مدينة معلولا في ريف دمشق إبراهيم الشاعر، قال لـ مراسل “سبوتنيك” إن الورشات بدأت بأعمال المرحلة الأخيرة من صيانة الفج الشرقي في مدينة معلولا، حيث سيتم الانتهاء من أعمال الصيانة مع بداية الشهر التاسع، وذلك بالتزامن مع اقتراب عيد السيدة.
وكانت الورشات بدأت أعمال الصيانة قبل أسابيع بعد حدوث انجراف للتربة نتيجة الأمطار، حيث انكشفت بعض خطوط المياه الممدودة أسفل أرضية الفج.
وشملت أعمال صيانة وتأهيل الفج الشرقي، إعادة التربة إلى وضعها الطبيعي وصيانة تمديدات المياه وتأمين الحركة الآمنة للزوار والسياح، إضافة إلى عمليات رصف حجري قبل وبعد الفج وتركيب إنارة في ممره، وزراعة الأشجار في مدخل ومخرج الفج.
اقرأ أيضا: الحكومة تبدأ أعمالها قبل إعلان بيانها الوزاري … ماذا يقول الدستور؟