السبت , نوفمبر 23 2024

سرقات بالمليارات وفضائح بالجملة في ملف الأمبيرات في حلب

سرقات بالمليارات وفضائح بالجملة في ملف الأمبيرات في حلب

تخيل أنك تعمل ٨ ساعات يومياً لمدة ٢٢ يوماً في الشهر لتحصل في النهاية على 71515 ليرة سورية (الحد الأدنى للأجور) تصرفهم و(فوقهم حبة مسك) على تأمين الكهرباء لنصف حاجتك يومياً.
تخيل أن ساعات التقنين الكهربائي تصل لحوالي ٢٠ ساعة يومياً وأنت متروك أمام خيار وحيد لتنعم بالكهرباء وهو الخضوع لمقصلة تجار “الأمبيرات” وللبورصة التي يلهون وفق أسهمها التي لا تعرف سوى التصاعد.
تخيلت كل ذلك؟! أهلاً وسهلاً أنت في مدينة الصناعة الأولى على مستوى الشرق الأوسط وفي واحدة من أقدم وأعرق بقاع الأرض التي تصارع لإخضاعها كل “محاور الشر” ضد سوريا طوال سنوات الحرب أنت في حلب.
بداية القصة
يتصدر ملف “الأمبيرات” منذ سنوات المشهد اليومي لسكان مدينة حلب بعد أن تحولت المولدات وبورصتها لهاجس يؤرق الحلبيين صباحاً ومساءً.
وتتغذى مدينة حلب في معظمها خارج أوقات التقنين الكهربائي الذي يصل لحوالي ٢٠ ساعة على “الأمبيرات” وما ينطوي عليه ذلك من أعباء مادية يتحملها سكان المدينة لصالح أصحاب المولدات خصوصاً في ظل أزمة المحروقات الحالية.
ووصل سعر “الأمبير” الواحد في المدينة بحسب الأهالي لأكثر من ١٠ آلاف ليرة سورية أسبوعياً يقوم الأهالي بدفع قيمته لأصحاب المولدات التي يزيد عددها عن ١٣٠٠ مولدة، وبمبلغ يصل مجموعه لحوالي ٢٤ مليار ليرة شهرياً مقابل استجرار الكهرباء من “مولدات الأمبير” بحسب صحيفة “البعث” الرسمية.
الأسباب التي تقف خلف هذا المبلغ
يتحجج أصحاب المولدات بأن سبب ارتفاع سعر “الأمبير” الواحد لحوالي 15 ألف ليرة (سعر اليوم) يعود لعدم قدرتهم على تأمين مادة المازوت بالسعر المدعوم (٥٠٠ ليرة لليتر الواحد) واضطرارهم إلى شراء المادة من السوق السوداء (حر) بأسعار مرتفعة تجاوزت الـ 3 آلاف ليرة لليتر الواحد عدا مصاريف الصيانة والاستجرار.
تصريح رسمي
قال رئيس مجلس الوزراء حسين عرنوس أمام المجلس المركزي للعمال في وقت سابق بحسب وسائل إعلام محلية إنه: “يوزع يومياً ٦ ملايين لتر مازوت و٤ ملايين لتر بنزين”.
وأضاف رئيس مجلس الوزراء أنه “لا يوجد بنزين ومازوت حر إنما هناك مازوت وبنزين مسروق يباع بسعر كبير”.
متلازمة مسلسل “صح النوم”
على مبدأ “حسني البورظان” في مسلسل “صح النوم” “إذا أردنا نعرف ماذا في البرازيل علينا أن نعرف ماذا في إيطاليا” فإذا أردنا أن نعرف “كارثة الأمبيرات” علينا أن نعرف ماذا تستهلك من كمية المازوت التي أشار إليها رئيس مجلس الوزراء وما مصدرها.
وبحسبة بسيطة إذا ما استندنا إلى إحصائية صحيفة “البعث” فإن عدد مولدات “الأمبيرات” في حلب حوالي ١٣٠٠ مولدة وعليه فإن كل مولدة تحتاج في الساعة الواحدة وسطياً إلى ٨ ليتر مازوت وإذا ضربنا ٨*١٣٠٠ فإن الرقم الناتج هو ١٠٤٠٠ ليتر مازوت بالساعة الواحدة.
وإذا ما تم تشغيل المولدة لمدة ١٢ ساعة في اليوم (التوقيت المعتمد لساعات التشغيل اليومي) فإن الرقم الناتج هو ١٠٤٠٠*١٢ أي ١٢٤٨٠٠ ليتر مازوت تستهلكها مولدات “الأمبيرات” وسطياً بشكل يومي في حلب أي ٢.٠٨% من نسبة المازوت الموزعة يومياً بحسب تصريح عرنوس.
وإذا ما قمنا بحساب الاستهلاك الشهري لمولدات “الأمبيرات” من مادة المازوت فالرقم هو ٣٧٤٤٠٠٠ ليتر وبما أنه لا يوجد دعم لمازوت “الأمبيرات” فإن سعر هذه الكمية وفق السعر (الحر) أو “المسروق” هو ٣٧٤٤٠٠٠*٣٠٠٠
ما يعني سرقة ١١ مليار و٢٣٢ مليون ليرة شهرياً وسطياً من حصة السوريين وحرمان خزينة الدولة منهم (دون الالتفات للتكاليف الأُخرى).
وبالحساب السنوي فنجد أن الرقم بلغ ١٣٤ مليار و٧٨٤ مليون ليرة مقدار السرقة السنوية وسطياً من قيمة المازوت المستخدم للمولدات أي حوالي ٥٤ مليون دولار وسطياً سنوياً وفق سعر الدولار في المصرف المركزي.
مازوت المولدات “المسروق” لا يوفر دعم الحلفاء
وبحسب ما نشرته وسائل الإعلام العالمية في وقت سابق عن بيانات نظام تتبع السفن الدولي “تانكر تراكرز” حول تواجد ٣ ناقلات تحمل النفط الخام متجهة من إيران إلى ميناء بانياس ناقلتين بسعة ١،٤ مليون برميل والثالثة بسعة ٣٠٠ ألف برميل تصل سوريا عبر قناة السويس.
ويحتوي كل برميل نفط خام، بحسب مواقع اختصاصية، على ١٥٩ ليتر من النفط الخام وسطياً يستفاد منها ب٣٥ ليتر مازوت وسطياً عن كل برميل أي أن ال١،٤ مليون برميل الموجودين بسفينتي الدعم الإيرانية يمكن تحويل منها حوالي ٣٥ مليون ليتر مازوت للاستخدام.
وإذا ما تفكرنا قليلاً بهذه الأرقام فنجد أن مازوت “الأمبيرات” (الحر) أو “المسروق” يستهلك شهرياً ما نسبته ١٠.٦% من المازوت الناتج عن شحنة الدعم الإيرانية لسوريا المتداول أخبارها.
أسئلة برسم الجهات المعنية
إذا علمنا أن استهلاك مولدات “الأمبيرات” في حلب هو ١٢٤٨٠٠ ليتر مازوت وسطياً في اليوم أي أكثر من ٢% من حصة سوريا اليومية يقوم أصحاب المولدات بتأمينه من السوق السوداء بالسعر (الحر) أو “المسروق” وفق كلام عرنوس.
وبعد كل ما فرضناه من أرقام (بالحساب الوسطي للموضوع) تخص كميات المال المسروقة شهرياً من سرقة المازوت للمولدات وما تستهلكه مولدات حلب من دعم المحروقات الواصل إلى بلادنا أو المفترض وصوله.
السؤال هنا كيف يستطيع أصحاب المولدات بحلب تأمين هذا الكم من المازوت من حصة سوريا اليومية وبالسعر “المسروق” حيث أن أصحاب المولدات لا يشترون المازوت بالسعر المدعوم بل (الحر) أو “المسروق” (لعدم وجود ما يُسمى مازوت حر)، وفق كلام رئيس مجلس الوزراء.
من أين يحصلون عليه؟ ومن هي الجهات التي تقف خلفه ؟ كيف تتم سرقته من حصة القطر لتغطية اختراع “الأمبيرات” ؟ لماذا لا تتم محاسبة السارقين وإعفاء أهالي حلب من الأعباء المادية التي تترتب عليهم جراء تشغيل المولدات بمازوت “مسروق” ؟
هل هناك أمل بإيجاد حل جذري يوفر على الأهالي أموالهم ويوظف هذا الكم من الإنفاق في تطوير وصيانة الشبكة الكهربائية الحالية أو إيجاد حل لا يُخدم أو يُسهل سرقة المازوت وبيعه لصالح أصحاب المولدات؟
والأهم ألا يتم هدر هذا الكم من الحصة اليومية للقطر من المازوت لا تنتفع منها الخزينة العامة بأي ليرة نتيجة تحول قيمتهم سرقةً لجيوب تجار “الأمبيرات”
ما الذي تفعله محافظة حلب غير رفع الدعاوى على الناشطين
أصدر المكتب التنفيذي لمحافظة حلب قبل حوالي العام تسعيرة لساعة تشغيل الأمبير الواحدة حيث بلغت ٤٥ ليرة للساعة ولم يطرأ أي تعديل على هذه التسعيرة ولم تصدر تسعيرة جديدة.
وعلى حسابات “المحافظة”، تكون كلفة التشغيل لعشرة ساعات يومياً، بالأسبوع ٣١٥٠ ليرة سورية، أي أقل من ربع السعر الذي يتقاضاه تجار الأمبيرات.
بمعنى آخر فإن تجار الأمبيرات يتقاضون نحو 5 أضعاف التسعيرة الرسمية تقريباً، ومحافظة حلب وكأنها تعيش في بلد آخر، أو في برج عاجي .
ولم تكتفِ محافظة حلب بـ”التطنيش” بل لجأت لرفع دعاوى قضايا على بعض الناشطين الحلبيين الذين رفعوا صوتهم نصرة للمواطن الذي يتعرض للغبن والظلم، ومنهم الزملاء رضا الباشا، وشادي حلوة، ويبدو الحبل على الجرار.
تلفزيون الخبر