السبت , نوفمبر 23 2024
سوريا تكسر حصارها

سوريا تكسر حصارها

سوريا تكسر حصارها

لا تعتبر اتفاقية ضخ الغاز المصري في أنابيب الخط العربي وإيصاله إلى لبنان أمراً مستحدثاً، وإنما هي عودة لاتفاق سابق تم توقيعه في العام 2009، ولم يعمل هذا الخط سوى لشهور قليلة بين لبنان وسوريا وعلى الأرجح بالغاز السوري وليس المصري! في العام 2009 وصل الغاز المصري إلى سوريا، إثر توقيع اتفاقية تمتد لـ 15 عاماً، يتم خلالها إرسال 600 مليون متر مكعب إلى سوريا عبر الأردن، لتقوم دمشق بمبادلته مع ما يعادله بالقيمة الحرارية من الغاز السوري المنتج في المنطقة الشرقية أو الوسطى على الحدود السورية اللبنانية، وإرساله إلى لبنان لإنتاج الطاقة الكهربائية.

حصل هذا التطور في موازاة مرحلة “السين ـ سين” (السعودية ـ السورية) التي جعلت سعد الحريري رئيس وزراء لبنان السابق سعد الحريري يزور دمشق ويلتقي الرئيس السوري بشار الأسد، بفعل وساطة قادها ملك السعودية الراحل عبدالله بن عبد العزيز. بين نهاية 2009 ومطلع 2010، توقف إمداد لبنان بالغاز.

الأسباب ليست محددة سواء أكانت سياسية أم مالية أم تقنية. أغلب الإعلام يحيل الأمر إلى ما بعد “الربيع العربي”، وهو أمر يحتاج إلى التدقيق، ذلك أن خط الغاز المصري تعرض في سيناء لتفجيرات عديدة، إثر “الثورة المصرية” التي إندلعت في كانون الثاني/يناير 2011، ما يعني أن الغاز توقف قبل سنة من هذا التاريخ. حتى التفجيرات التي طالت خط الغاز في جزئه السوري (في المنطقة الجنوبية)، حصلت بعد العام 2011، وليس قبله، لكن بكل الأحوال كانت النتيجة واحدة: أغلق ملف خط الغاز العربي (المصري والسوري) لأكثر من 11 عاماً، لتعيد الظروف اللبنانية الأخيرة فتحه، بقرار أميركي،

بهدف مساعدة لبنان، لا سيما بعد إعلان حزب الله بلسان أمينه العام السيد حسن نصرالله عن إستجرار بواخر محملة بالمحروقات الإيرانية إلى لبنان، وهو الأمر الذي جعل الأميركيين يبلغون الرئيس اللبناني ميشال عون موافقتهم على إستجرار الغاز المصري عبر سوريا، أي إعطاء الضوء الأخضر لتجاوز مفاعيل “قانون قيصر” الذي يستهدف الدولة السورية وكل جهة تتعامل معها.

خط الغاز العربي في مطلع الألفية الجديدة، وبعد نمو الإنتاج المصري للطاقة (الغاز الطبيعي)، بدأت جولة محادثات مصرية – أردنية – سورية – تركية – لبنانية لمد شبكة أنابيب لنقل الغاز المصري، على أن تشكل هذه الأنابيب حجر أساس لمشاريع لاحقة قد تنضم إليها السعودية التي تمتلك ثاني أكبر احتياطي من الغاز في المنطقة بعد قطر، والعراق الذي يمتلك رابع أكبر احتياطي أيضاً، والهدف الأميركي هو إيصال الغاز عبر تركيا (أو قبرص) إلى أوروبا لتحريرها أو تقليص إعتمادها على الغاز الروسي. وكان يفترض أن يبلغ الطول الإجمالي للخط عند إتمامه، 1200 كيلومتر بتكلفة قدرها 1.2 مليار دولار وينقل 10.3 مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً.

مرّ تكوين شبكة الغاز هذه بمراحل عديدة، حيث اتفقت مصر والأردن وسوريا على أن يقوم كل بلد بتحمل تكاليف مد الانابيب، وهو ما تم البدء بتنفيذه فعلاً، حيث قامت مصر بتنفيذ الجزء المتعلق بها، ومد أنابيب تصل العريش إلى منطقة العقبة الأردنية العام 2003 بتكلفة 220 مليون دولار أميركي، ليبدأ الأردن مد الجزء الخاص به والذي انتهى العام 2005 بمد أنابيب من العقبة إلى منطقة الرحاب الأردنية على الحدود مع سوريا بطول 390 كلم وبتكلفة قدرها 300 مليون دولار أميركي.

بعد ذلك يمد السوريون خطاً طوله 324 كيلومتراً، من الأردن (الرحاب) إلى محطة دير علي الواقعة على مسافة 35 كيلومتراً إلى الجنوب من مدينة دمشق، ومن هناك، يسير الخط إلى محطة الريان لضغط الغاز بالقرب من حمص بسعة 1.1 مليار متر مكعب سنوياً، وهذه المرحلة وهي الثالثة إكتملت في العام 2008 لتبدأ المرحلة الرابعة، أي اللبنانية.

تمتد الوصلة اللبنانية (بانياس ـ طرابلس) من بانياس بسوريا عبر أنبوب طوله 32 كيلومتراً إلى محطة دير عمار (تنتج 450 ميغاوات) في طرابلس شمال لبنان. وقد وضعت موضع التنفيذ في 8 أيلول/سبتمبر 2009 ووصل الغاز الذي قيل إنه “غاز مصري” إلى لبنان للمرة الأولى في شهر تشرين الأول/أكتوبر من العام نفسه وتوقف فجأة في الأسابيع الأولى من العام 2010..

أزمة الطاقة.. وتقاطع المصالح

ساهمت أزمات الطاقة التي تعاني منها المنطقة، ولا سيما العراق وسوريا ولبنان، والجزء الأكبر منها بسبب الحصار الأميركي، في الدفع نحو إعادة تشكيل العلاقات في المنطقة على أساس المصالح المشتركة، وقد وجد كل من مصر والأردن والعراق وسوريا ولبنان ضالته. مصر تندفع نحو دور إقليمي أكبر يعوّض الإنكفاء السعودي.

الأردن يحاول الإستفادة من موقعه الجغرافي بين مصر والعراق من جهة، وبين مصر وسوريا من جهة أخرى، والهدف هو لعب دور محوري في مشاريع الطاقة في المنطقة. العراق يحاول ملاقاة الأردنيين والمصريين بعنوان التحالف المشرقي من أجل إعادة تعزيز البوابة الشرقية للعالم العربي وبالتالي عدم ترك العراق ساحة للتجاذب الأميركي ـ الإيراني. سوريا تريد كسر الحصار الدولي والإقليمي. لبنان يريد تفادي “الإرتطام الكبير” بأي حال من الأحوال.

وبينما تم استبعاد سوريا ولبنان (بشكل صوري) من قمة بغداد التي عقدت في نهاية شهر آب/أغسطس الماضي، لأسباب سياسية، لوحظ أن مستوى العلاقات السورية الأردنية يتطور بشكل مطرد، وهذا ما دفع العاهل الأردني عبد الله الثاني إلى زيارة الولايات المتحدة الأميركية في شهر تموز/يوليو الماضي ولقاء الرئيس الأميركي جو بايدن، حيث تمت مناقشة مجموعة من القضايا بينها الأزمة السورية،

وضرورة تغيير سياسات واشنطن ضد دمشق، تمهيداً لإعادة إحياء مشروع خط الغاز العربي الذي يمثل للأردن فرصة استثمارية كبيرة. كذلك زار الملك الأردني موسكو والتقى الرئيس فلاديمير بوتين بعد نحو شهر من زيارته واشنطن، وكانت سوريا حاضرة في هذا اللقاء أيضاً.

الانفتاح السوري وتشابك الملفات

التحركات الأردنية جاءت إنعكاساً لمتغيرات سياسية وميدانية، أبرزها عودة المعابر الحدودية الجنوبية إلى قبضة الحكومة السورية، وإعادة ضبط المنطقة الجنوبية عبر اتفاقات تهدئة برعاية روسيا، تبعها البدء الفعلي بإنهاء ملف الجنوب السوري الذي تمر عبره أنابيب الغاز، عن طريق خروج من يرغب من المسلحين إلى الشمال السوري وتركيا، وسيطرة الحكومة على درعا البلد، وبقية المناطق الجنوبية بشكل تدريجي.

في هذه الأثناء، كان لبنان يعاني بشكل متزايد من أزمات الطاقة وصلت إلى درجة انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من 22 ساعة يومياً، بالإضافة إلى أزمات الوقود التي أفرزت ظاهرة الطوابير غير المسبوقة في التاريخ اللبناني بهذا الحجم، الأمر الذي شكّل أرضية لإعادة إحياء اتفاقية 2009، بين لبنان وسوريا.

وأمام مجموعة من الدوافع السياسية، أبرزها الخشية من تعاظم الدور الإيراني، أبلغت سفارة الولايات المتحدة في لبنان بشكل عاجل الرئيس اللبناني موافقة بلادها على إستجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر الأراضي السورية، وذلك بعد ساعات من الإعلان عن ناقلة نفط إيرانية في طريقها إلى الموانئ السورية تمهيداً لتوزيعها في لبنان، وهي العملية التي دشنها حزب الله منذ حوالي 72 ساعة، من خلال توزيع مادة الفيول على المستشفيات في معظم المناطق اللبنانية.

وأعطت واشنطن أيضاً الضوء الأخضر لعقد إجتماعات رسمية لبنانية ـ سورية ـ مصرية ـ أردنية في عمان، حيث أبلغت دمشق المجتمعين ترحيبها بجر الغاز المصري والكهرباء الأردنية لأسباب عدة، أبرزها أنه يمثل فرصة اقتصادية هامة، إضافة إلى كونه يساهم في تنشيط لبنان الذي تتشابك مصالحه وأوضاعه مع المصالح والأوضاع السورية، ويصل تأثير الأزمات التي تضربه إلى دمشق، ناهيك عن البعد الإستراتيجي المتمثل بكسر “قانون قيصر”.

هذه الموافقة سبق لدمشق أن أبلغتها إلى الوفد الحكومي اللبناني الذي زارها، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ عقد من الزمن، لن يستفيد منها لبنان وحده، بل سوريا إذ أن الغاز المصري سيساهم بتحسين التغذية الكهربائية في سوريا حسب وزير النفط السوري بسام طعمة، وشدد الأخير، كما وزير خارجية سوريا فيصل المقداد، خلال الإجتماعات السورية اللبنانية الأخيرة على محظور إستقبال أي نقطة من الغاز الإسرائيلي عبر الأنابيب المصرية والأردنية إلى سوريا ومن ثم لبنان.

وإذا كانت الشبكتان المصرية والأردنية قيد العمل، فإن الشبكة السورية تحتاج إلى معاينة مقطع صغير من خط الغاز عند الحدود السورية ـ اللبنانية، في وقت أعلن فيه وزير الكهرباء السوري أن الشبكة السورية تحتاج إلى إعادة إصلاح في المنطقة الجنوبية بعد أن تعرضت أبراج وحوامل الطاقة للتخريب والتدمير، الأمر الذي قد يؤخر إطلاق المشروع بضعة أشهر، لم يتم تحديدها بدقة، في وقت قد تعرقل فيه بعض التهديدات الأمنية الاتفاقية، مثل التفجير الأخير الذي تبناه تنظيم “داعش” واستهدف خط الغاز في منطقة حران العواميد وأدى إلى توقف محطة دير علي لتوليد الكهرباء وانقطاع التيار الكهربائي عن معظم سوريا بضع ساعات، الأمر الذي قد يتكرر، ما يتطلب جهوداً أمنية أكبر لتأمين خطوط الطاقة.

وأبلغ لبنان المصريين رغبته بالإستعانة بالخبرات الهندسية المصرية للكشف على الجزء اللبناني من الخط السوري اللبناني وقد وعد المصريون بوصول الفريق الهندسي إلى بيروت قبل نهاية الشهر الحالي.

خريطة الطاقة والأهمية السورية

يمثل الموقع السوري على الخريطة بالنسبة لسوريا فرصاً استثمارية عديدة حيث تقع في قلب عقدة متشابكة من خطوط الطاقة، ومشاريع نقل الغاز، سواء مشروع “الخط العربي”، أو حتى المشاريع الروسية التي لا تخفي خشيتها من ظهور منافس جديد لها على الساحة الأوروبية، بينها الغاز القطري الذي تأمل الدوحة أن تتمكن من إيصاله عبر انابيب تمر من سوريا، أو حتى الغاز المصري، أو المشروع الإيراني لنقل الغاز عبر أنبوب بطول خمسة آلاف وستمئة كيلومتر لنقل 110 ملايين متر مكعب من الغاز الإيراني يومياً، من حقل بارس جنوب ايران الى العراق ثم إلى سوريا فالبحر الابيض المتوسط تمهيداً لشحنه إلى اوروبا.

وأمام هذه الخريطة المتشابكة، تقف سوريا أمام مجموعة من المشاريع ضمن توازنات تمثل فرصاً اقتصادية من جهة وسياسية من جهة أخرى، الأمر الذي قد يفسر الجهود المصرية والأردنية والقبول الأميركي لكسر جزئي لقيود “عقوبات قيصر”، كما يفسر الأهمية الكبيرة التي تلعبها سوريا بالنسبة لموسكو التي تسعى لضمان احتكارها السوق الأوروبية.

عموماً لا تشكل اتفاقية تمرير الطاقة إلى لبنان عبر سوريا خرقاً كبيراً في المشهد السياسي المعقد، كما لا يمكن اعتبارها انفتاحاً على سوريا، الأمر الذي عبّر عنه صراحة وزير النفط السوري بسام طعمة الذي أشار إلى أن هذا التعاون مع الدول العربية “خطوة نحو إعادة العلاقات بما يخدم الاقتصاد السوري ويخفف من تداعيات الحصار الأميركي الجائر الذي تفرضه الولايات المتحدة ضد سوريا وشعبها”، لتبقى بقية الملفات المتشابكة في انتظار خطوات أخرى قد ترسم ملامح حلحلتها شكلاً قد يعيد تشكيل خريطة الطاقة وصراعاتها في المنطقة ضمن توازنات تكون سوريا فيها لاعباً محورياً.

180Post-علاء حلبي

اقرأ ايضاً:بوتين يسعى لفرض تفاهمات جديدة على تركيا في سوريا