كيف سيؤثر التقارب السعودي الإيراني على سوريا؟
السعودية حليفة واشنطن وإيران عدوتها اللدود على طاولة حوار واحدة للتوصل إلى صيغة تفاهم وتعاون مشتركة، وذلك بعد 4 سنوات من القطيعة التامة، تحركات تم وصفها بتحول إقليمي من شأنه أن يؤثر على ملفات عديدة في الشرق الأوسط.
لم يكن الإعلان عن هذه التفاهمات مفاجئاً فمنذ عام 2020 المنصرم دخلت المواقف والتصريحات الإيرانية والسعودية بمرحلة مد وجزر حيث بدأ الطرفان يبديان كل فترة رغبتهما بالتقارب، لكن منذ أشهر قليلة وبالتزامن مع تغيرات إقليمية واتفاقيات تعاون دولية شهدتها المنطقة، بدأت تميل الأمور أكثر إلى جانب التفاهم بين الطرفين، حيث أعلن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في نيسان من العام الجاري أن “إيران دولة جارة وكل ما نطمح أن يكون لدينا علاقة طيبة ومميزة معها، فنحن لا نريد أن يكون وضع إيران صعباً، بالعكس، نريد لإيران أن تنمو وأن يكون لدينا مصالح فيها ولديها مصالح في المملكة العربية السعودية”.
بالتزامن مع هذا التصريح كان يتم الكشف عن لقاءات إيرانية-سعودية غير علنية، حيث أكد الرئيس العراقي، برهم صالح، خلال مؤتمر “دول جوار العراق” أن بغداد استضافت أكثر من جولة حوار واحدة بين السعودية وإيران خلال الفترة الماضية، ليُعقد فيما بعد اجتماع ثنائي بين الجانبين الإيراني والسعودي على هامش أعمال الدورة 76 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وأعلن بعدها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت بحسب ما نقلته وكالة “إرنا” الإيرانية أن “الحوار الإيراني السعودي يسير على الطريق الصحيح، و تمكنا من تحقيق نتائج واتفاقات سيُعلن عنها في الوقت المناسب، لكننا ما زلنا بحاجة إلى مزيد من الحوار”.
تأثير هذا التقارب على ملفات المنطقة:
بحسب العديد من الخبراء والمحللين فإن هذا المنعطف في العلاقات السعودية-الإيرانية هو نتيجة لتبدلات إقليمية تشهدها المنطقة، فرضت واقعاً وحاجات جديدة، حيث قال الكاتب والباحث السعودي في الشؤون الدولية سالم اليامي في لقاء مع قناة “dw” الألمانية: “هناك تغير في المواقف الدولية واستراتيجية الولايات المتحدة وهناك إدارة جديدة لها رؤية جديدة”، وأضاف “الأمور في منطقتنا لا يمكن فصلها عن بعضها بمعنى أن العلاقات السعودية -الإيرانية أي سينعكس على ملفات أخرى، مثل ملفات الحرب في اليمن وعلى العلاقات مع دول أخرى وسوريا واحد منها وكذلك لبنان لذلك ملفات المنطقة لا يمكن فصلها عن بعضها”.
كيف يؤثر هذا التقارب على الملف السوري؟
أول ما تم الإعلان عن هذه المحادثات بشكل رسمي، ظهرت سوريا على الساحة حيث أكد وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، عن ترحيب دمشق بهذا التقارب واستعدادها لأداء دور مساعد في أي حوار من هذا النوع، وفي هذا الصدد أكد المحلل السياسي غسان يوسف في تصريح لـ”أثر” أن “أي تقارب بين السعودية وإيران سينعكس إيجاباً على الملف السوري وقد تكون سوريا هي الوسيط بين إيران والسعودية خصوصاً أن السعودية انكفأت عن دعم المجموعات الإرهابية، وسيساعد هذا التقارب على انفراج الأمور في المنطقة” مضيفاً “نحن بالنسبة لنا في سوريا، العلاقات بيننا وبين إيران لم تتغير الذي سيتغير هو الموقف السعودي ولكن في حال حصل تقارب مع السعودي من المتوقع أن ينعكس ذلك على سوريا لأن الأخيرة كانت في السابق على علاقة جيدة مع السعودية قبل 2011″، والأمر ذاته الذي أكدته “الموسوعة الجزائرية للدراسات السياسية والاستراتيجية” حيث قالت: “الخصومة السياسية بين الرياض وطهران تبدو أزمة قابلة للإدارة، ومن المرجح أن يتم التركيز على الملف السوري في المرحلة القريبة القادمة، لا سيما أن هذا يعتبر الملف الأسهل في التعامل معه”.
وحول الملفات السورية التي سيؤثر عليها هذا التقارب، قال يوسف: “هناك خلاف ما بين النظرة الإيرانية والسعودية للملف السوري لكن الشيء الواحد والثابت هو أن السعودية لا تريد أن تكون تركيا موجودة في الشمال السوري وتطالب بخروج القوات التركية من سوريا الأمر الذي تتفق عليه إيران أيضاً”.
هل سنشهد جرأة أكبر بالموقف السعودي إزاء سوريا بعد هذا التقارب؟
في حال حصل هذا التقارب ستسعى السعودية إلى الاستفادة منه في عدة ملفات كاليمن ولبنان وغيرها، أما في سوريا فيبدو أن الرياض تسعى إلى الاستفادة من التحالف السوري-الإيراني، لتتخذ موقف أكثر جرأة ووضوح، خصوصاً أنه منذ عام 2020 تُبدي السعودية تغيراً في سياستها إزاء سوريا، فكانت أول الدول التي أصدرت قراراً يقضي بالسماح للشاحنات السورية بالدخول إلى المملكة، إضافة إلى تبدل موقفها من عودة سوريا على الجامعة العربية، وتعقيباً على هذه المواقف يقول ديفيد ليش الخبير في الشؤون السورية بجامعة ترينيتي في تكساس لوكالة “رويترز”: “حلفاء الولايات المتحدة في العالم العربي يشجعون واشنطن على رفع الحصار عن دمشق والسماح بإعادة اندماجها في الحظيرة العربية، فبينما يسعى العديد من حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة إلى إقامة علاقات جديدة مع دمشق، لا تزال السعودية ذات الثقل الإقليمي مترددة” وأضاف جوشوا لانديس المتخصص في الشؤون السورية في جامعة أوكلاهوما: “الجهد الكبير هو دفع السعودية وسوريا إلى نوع من المصالحة، وأعتقد أن السعودية تتقدم، لكنها تنتظر الولايات المتحدة فقط”.
التقارب الإيراني-السعودي قد يكون منعطفاً إقليمياً، وسيكون له تأثيره على عدة ملفات في المنطقة، لكن في المحصلة وبالرغم من بعض التغيرات التي طرأت على الاستراتيجية الأمريكية لكن الرياض لا تزال مرتهنة لأوامر أمريكية معينة.
زهراء سرحان/ أثر برس