غضب تركي من التراخي الأميركي: زِمام إدلب يكاد يَفلت
محمد نور الدين
منطقة تل رفعت، مُحوّلاً الأنظار إلى المنطقة الوحيدة الواقعة غرب الفرات، والتي لا تزال بيد الأكراد. وجاء هذا التهديد بموازاة التوتُّر المستعر في إدلب، والذي استدعى، قبل أسبوعين، عقْد لقاء بين إردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، لم يسفر، على ما يبدو، عن أيّ نتائج عملية. ولكنّ وزير الدفاع التركي خلوصي آقار، ذكَر أن مواقع الجيش التركي ونقاط المراقبة لم تشهد أيّ تغيير، لافتاً إلى أن أنقرة وموسكو تسيّران دوريات مشتركة من وقت إلى آخر. وفي حين كان يُنتظر أن تعمل تركيا على إبعاد المسلّحين عن طريق «M4» لفتحها، وفصل المجموعات الإرهابية عن تلك «المعتدلة»، وهو ما لم يحصل، حمَّل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الأتراك مسؤولية التقاعس عن تنفيذ الاتفاق.
وفي ضوء هذه التطوّرات المتسارعة، تقرَّر عقْد لقاء بين الرئيسَين التركي والأميركي جو بايدن، على هامش قمّة «مجموعة العشرين» التي ستلتئم في روما، نهاية الشهر الجاري. وتلفت صحيفة «جمهورييت»، في هذا السياق، إلى أن إردوغان سيثير، خلال الاجتماع، الوضع في إدلب، على أن تحسم أنقرة موقفها من الوضع في المحافظة السورية بعد «قمّة روما»، علماً أن الرئيس التركي كان دعا إلى انسحاب القوات الأميركية من سوريا، وإلى التعاون معها هناك في الوقت نفسه. وهو استبق اللقاء المزمع بالتلويح باحتمال إطلاق عملية عسكرية في تل رفعت، قائلاً: «لم نَعُدْ نحتمل بعد الآن الهجمات الإرهابية الموجّهة ضدّ بلدنا، ومصدرها سوريا، كائناً مَن يقوم بها، سواء بالتعاون مع القوى المؤثّرة (روسيا وأميركا)، أو بإمكاناته الذاتية».
وبدا لافتاً، في هذا الإطار، نشْر صحيفة «يني شفق»، المؤيّدة لإردوغان، ثلاث مقالات تهاجم الولايات المتحدة. وفي إحداها، يتساءل الكاتب محمد آجيد، عمَّا إذا كان بايدن يتّبع السياسات التي كانت قائمة في عهد سلفه باراك أوباما، ويشير إلى أن الرئيس الأميركي الحالي وجَّه، الأسبوع الماضي، رسالةً إلى الكونغرس يعبّر فيها عن قلقه من أن استمرار العمليات العسكرية التركية من شأنه أن يعيق جهود مكافحة تنظيم «داعش»، وأن يعرّض المدنيين للخطر. ويلفت الكاتب إلى أن التعاون السرّي بين الولايات المتحدة وروسيا يتواصل كما كان عليه في عهد إدارة أوباما. فواشنطن، بحسب آجيد، بدأت، منذ عام 2015، اجتماعاتها مع موسكو بعد تضييق المعارضة الخناق على نظام الرئيس بشار الأسد، وهو ما أقلق الولايات المتحدة من احتمال سقوطه، «فجاء التدخّل الروسي لحماية الرئيس السوري». ويضيف الكاتب أن أميركا لا تعتبر غرب الفرات حيث النفوذ لروسيا، مجالاً لعملها، فيما لا تَعتبر موسكو شرق الفرات حيث النفوذ لواشنطن، مجالاً لعملها. لذا، فإن الهجمات على القوات التركية في غرب الفرات وشرقه، هي «نتيجة تنسيق سرّي بين موسكو وواشنطن، ولا سيما بعد اجتماع رئيسَي أركان البلدَين لمدّة ستّ ساعات في هلسنكي قبل عشرين يوماً»، وفق آجيد، الذي يتساءل ما إن كان ممكناً «إفساد هذا المخطط الثنائي»، ليجيب بأنه «أُبطل مِن قَبل، ولا شيء يمنع إبطاله من جديد شرط قراءة اللعبة جيداً».
يعتقد مراقبون أتراك أن الخيار الوحيد أمام أنقرة هو إعادة العلاقات مع دمشق وتفعيل «اتفاق أضنة»
في الاتجاه نفسه، يتوقّف بولنت أوراق أوغلو عند احتمالات إقامة دولة كردية في شرق الفرات، بعد تصريحات السفير الأميركي السابق في دمشق، روبرت فورد، مرجّحاً «إقامة دويلة كردية هناك بالتنسيق مع روسيا»، ومشيراً إلى أن الغارات التركية في شمال العراق وعند الحدود السورية ما هي إلّا رسالة بتصميم أنقرة على منع إقامة «كيان إرهابي» في شرق الفرات. من جهته، يذكّر الكاتب نجدت أرسانيل، في «يني شفق» أيضاً، بما قاله وزير الخارجية التركي من أن الولايات المتحدة تدعم القوات الكردية ولا تحارب «داعش»، بل حتى إنها نقلت التنظيم من سوريا إلى أفغانستان تحت اسم «داعش – خراسان». وبهذا، يخلص أرسانيل إلى القول إن «حلفاءنا الأميركيين إرهابيون… والاتفاق معهم غير ممكن»، محذراً من «أيّام سيئة» تنتظر تركيا والولايات المتحدة. أمّا الجنرال المتفاعد والأستاذ في جامعة آيدين، نعيم بابور أوغلو، فتحدّث إلى «جمهورييت» حول احتمالات قيام تركيا بعملية عسكرية في تل رفعت، قائلاً إن هذه المنطقة تقع تحت إشراف الطيران الروسي، لذا، فإن «أيّ عملية عسكرية تركية هناك يجب أن تتمّ بالتفاهم مع روسيا، لأن من دونه لن يكون في مقدور أنقرة القيام بهذه العملية». وعن الدور الروسي، يرى بابور أوغلو أن «موسكو قد تعطي الضوء الأخضر لعملية عسكرية في تل رفعت، في مقابل انسحاب تركيا من إدلب». ويلفت الجنرال المتقاعد إلى أن روسيا والولايات المتحدة تتقاسمان النفوذ: «روسيا في غرب الفرات، وأميركا في شرقه. ومن ناحية السيطرة الجوّية، فإن تركيا جارة – من جهة حدودها الجنوبية – ليس للجمهورية العربية السورية بل لروسيا والولايات المتحدة. لذا لا يمكن تركيا القيام بأيّ عملية من دون موافقة روسيا في غرب الفرات وأميركا في شرقه». وحول المخرج الممكن للأزمة، يعتقد بابور أوغلو أن الخيار الوحيد أمام تركيا هو إقامة علاقات مع الحكومة السورية، ومن بعد ذلك التعاون وتفعيل «اتفاق أضنة» وتنظيف المنطقة من العناصر الراديكاليين، وعلى رأسهم «قوات حماية الشعب» الكردية.
وبحسب أورخان بورصه لي في «جمهورييت»، هناك أربعة عناوين تُقلق تركيا:
1- الضعف الذي يعتري الجماعات التي تدعمها أنقرة ضدّ دمشق.
2- حدوث موجة لجوء سورية جديدة كبيرة، في حال قيام روسيا وسوريا بعملية عسكرية في إدلب.
3- احتمال وقوع صدام، وهي النقطة الأخطر، بين الجيشَين السوري والروسي من جهة، والجيش التركي من جهة ثانية، خاصّة بعد التعزيزات التي استقدمتها تركيا، في أيلول الماضي، لتعويض النقص في السيطرة الجوّية.
4- وفي حال حصول هذا الصدام، تخشى أنقرة وقوع قتلى وجرحى من العسكريين والمدنيين من الطرفين.
ويخلص بورصه لي، إلى أن إردوغان يراهن على علاقات بلاده الاقتصادية مع روسيا لمنع عملية عسكرية في إدلب.
الأخبار