هل يعطي أردوغان الضّوء الأخضر لتنفيذ عمليّة عسكرية شمال سوريا؟
لا تسير الأمور هذه الأيّام وفق ما يُريده الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان وحُكومته على الصّعيدين الداخلي والخارجي، وخاصّةً الجبهة السوريّة، فالليرة التركيّة تُواصِل انخِفاضها بشَكلٍ مُتسارع وتقترب من الحاجز النفسي الأكثر خُطورةً، أيّ عشر ليرات مُقابل الدولار الأمريكي الواحد، في وَقتٍ تتصاعد فيه شعبيّة إمام أوغلو عُمدة إسطنبول المُنتَخب والمُرشّح المُحتَمل للمُعارضة التركيّة في انتخابات الرئاسة المُقبلة.
ولعلّ مصدر القلق الأكبر خارجيًّا للرئيس أردوغان هذه الأيّام هو تصاعد التوتّر بين روسيا وتركيا من جهة، وأمريكا وتركيا من جهةٍ أخرى، وانعِكاس الخِلاف التركي الروسي بشَكلٍ سلبيٍّ جدًّا على الجبهة السوريّة، واحتِمال ترجمته إلى أعمالٍ عسكريّةٍ مُباشرةٍ أو غير مُباشرة، وصُعوبة الخِيارات المُتاحة للتّسوية التفاوضيّة.
مقتل جنديين تركيين وإصابة خمسة آخرين مساء أمس الجمعة في هُجومٍ استهدف رتلًا عسكريًّا تُركيًّا قُرب معرّة مصرين كان في طريقه إلى إدلب، واتّهم بيانٌ تُركيّ “مُنظّمة إرهابيّة” كُرديّة تحمل اسم “سرايا أبو بكر” بالوقوف خلف هذا الهُجوم الذي يَصُب في مصلحة مُعَسكر المُعارضة التي تنتقد سياسة أردوغان في سورية، وتتوعّد بإعادة خمسة ملايين لاجئ سوري إلى بلادهم فور وصولها إلى سُدّة الحُكم.
روسيا، وبعد فشل قمّة سوتشي بين الرئيسين فلاديمير بوتين وأردوغان الشهر الماضي، أصدرت بيانًا يوم أمس بأنّ من حقّ دِمشق الرسميّة استِعادة سِيادتها الكاملة على أراضيها بِما في ذلك إدلب، وهذا البيان يُشَكِّل ضُوءًا أخضر للجيش السوري لمُواصلة هجماته على مدينة إدلب وبِدَعمٍ وغطاءٍ روسيّين.
اللقاء الذي انعقد الشهر الماضي على مُستوى القمّة بين الرئيسين التركي والروسي في مُنتجع سوتشي، كان مُتَوتِّرًا حسب بعض التّسريبات الروسيّة، ولم يتم الاتّفاق خِلاله على أيّ من الملفّات الموضوعة على طاولة البحث بين الرئيسيين، واقتَصر عليهما فقط، واستغرق ساعتين ونصف الساعة، والسبب رفض الرئيس أردوغان الالتِزام بتنفيذ تعهّداته بتطبيق اتّفاق سوتشي عام 2019، وأبرزها إخراج الجماعات المُسلّحة المُتشدّدة (جبهة النصرة) والمُصنّفة إرهابيًّا من مدينة إدلب.
وكالة “رويترز” العالميّة للأنباء تحدّثت اليوم، ونقلًا عن مصادر تُركيّة مسؤولة، أنّ الاستِعدادات تسير على قدمٍ وساق من قِبَل الحيش التركي لشَنّ هُجومٍ انتقاميٍّ واسِع على الجماعة الكًرديّة، المُتّهمة بالوقوف خلف الهُجوم المذكور آنفًا، والقوّات السوريّة التي تُواصِل تقدّمها المُتسارع تُجاه مدينة إدلب، ولكن توقيت هذا الهُجوم وطبيعته، وحُدوده، ما زال غير معروف.
ما يَهُم الرئيس أردوغان أمرين أساسيين الأوّل هو الإغلاق الكامِل لحُدوده بلاده ومنع وصول لاجئين سوريين إضافيين بسبب رفض الرأي العام التركي، والثّاني القضاء على أيّ جُيوب كُرديّة مُسلّحة في شِمال سورية مُرتبطة بحزب العمّال الكردستاني، تُقدّم له الملجأ والحاضنة (حزب العمال)، وتجعل من الأراضي التي تُسيطِر عليها نُقطة انطِلاق لعمليّاتٍ ضدّ الجيش التركي، خلف الحُدود التركيّة السوريّة، ولكنّ انهِيار تفاهماته (الرئيس أردوغان) مع روسيا حول إخراج الجماعات المُسلّحة من إدلب قد يُؤدِّي إلى تَصاعُد العمليّات العسكريّة المُسلّحة ضدّ قوّاته وحُكومته على أكثر من جبهة في إدلب، وداخِل الحُدود التركيّة حسب آراء الكثير من المُحلُلين الروس الخُبراء في هذا الملف.
المُعضلة الكُبرى التي تُواجِه الرئيس أردوغان وتجعله يتهرّب من تنفيذ اتّفاق سوتشي عام 2019 تتمثّل في مصير المُسلّحين المُتواجدين في إدلب الذين حظوا بدعمه وحمايته، فهو لا يستطيع إقناعهم بتسوية أوضاعهم مع السّلطات السوريّة على غِرار ما حصل مع زُملائهم في درعا مُؤخَّرًا (هذا إذا قبلت السّلطات السوريّة) ولا يستطيع في الوقت نفسه استيعاب من يَرفُض هذه المُصالحة وإلقاء السّلاح ونقله بالتّالي في حافلات “خضراء” إلى الأراضي التركيّة، فتِعداد هؤلاء بعشَرات الآلاف.
عمليّة عسكريّة تركيّة جديدة في سورية تَحَدِّيًا لروسيا والدولة السوريّة، واستِهدافًا للأكراد، حُلفاء أمريكا المُتواجدة قوّاتها في شرق سورية، قوّات سورية الديمقراطيّة، تعني احتِمال مقتل وإصابة العشرات من القوّات التركيّة، ونُزوح عشَرات، إن لم يكن مِئات الآلاف من اللاجئين السوريين الجُدُد، هَرَبًا من المعارك المُفتَرضة المُتوقّعة.. السُّؤال كيف سيتعاطى الرئيس التركي مع هذه الخِيارات الصّعبة؟.. اللُه أعلم.
“رأي اليوم”