أسدل معرض الباسل” للإبداع والاختراع الستار على دورته العشرين التي أقامتها وزارة التجارة الداخلية السورية هذا العام على أرض كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية في جامعة دمشق، والذي تضمن 276 عملاً مبتكراً تركزت بمعظمها على خلق حلول للظروف التي فرضتها الحرب والحصار التي تعيشها سوريا منذ أكثر من عقد.
ومن بين 276 عملاً مبتكراً كانت الحصة الأكبر ضمن مجال التكنولوجيا بواقع 117 عملاً يليه مجال الكهرباء 52 عملاً ثم المجال الطبي 45 والهندسة الميكانيكية 29 والكيمياء 14 إضافة الى 10 مشاركات في مجال إعادة الإعمار و9 مشاركات ضمن مجال التصميم والإنتاج والإنشاءات الثابتة.
وقد أبدى المشاركون في المعرض سعادتهم في المشاركة بالمعرض لتقديم مشاريعهم واختراعاتهم للزوار والصناعيين بما يشكل فرصة لتنفيذها والإفادة منها على أرض الواقع ولإيجاد حلول ممكنة لكثير من المشكلات بإمكانات وخبرات متوفرة في سوريا.
رسالة لشخص لا يسمعها الآخرون
الدكتور المخترع مجد قاسم يحمل ماجستير في مجال التحكم الآلي من المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا قام بتصميم جهاز قادر على إرسال موجات صوتية لشخص محدد دون أن يتلقاها أحد غيره، وقال في تصريح لـ سبوتنيك: “صممنا جهاز أسميناه (سبوت أوديو) يرسل موجة صوتية يمكنني من خلالها أن أتحدث مع شخصية مهمة في المطار أو الاجتماع وفق زاوية معينة بحيث لا يستطيع الآخرون من خارج الحزمة الصوتية ان يسمعوا الصوت أو الرسالة، وبعد الاطلاع على الأبحاث الطبية وجدنا أن هذا النموذج قادر على معالجة بعض الأمراض بدون إجراء عمليات جراحية من خلال تركيز حزمة صوتية دقيقة إلى جزء معين من خلايا جسم الإنسان كالخلايا السرطانية، وقد ثبت علمياً أن الأمواج الصوتية قادرة على تغيير البنية البيولوجية للخلايا العصبية أو خلايا الجسم بشكل عام”.
وأضاف قاسم: “لقد تم تجريب هذا النموذج بحيث يمكنني إرسال رسالة صوتية في بيئة هادئة حتى مسافة 60 متراً وضمن قطاع زاوي يتراوح بين 15/25 درجة وبالتالي إيصال الرسالة لشخص محدد دون أن يشعر الأشخاص الآخرون بذلك، ويمكننا استخدام هذا الأمر في المنشآت الأمنية والصناعية والطبية، وقد أثبتت الأمواج فوق الصوتية فاعليتها كذلك في الأوساط المائية حيث يمكن توفير حماية للمنشآت القريبة من الشواطئ من التهديدات التي قد تأتي من عمق المياه بغض النظر عن طبيعة هذه المياه”.
تحويل محاليل بوليميرية إلى ألياف نانوية
بدورها قامت علياء محمد هندي، طالبة دكتوراه في قسم الكيمياء بكلية العلوم في جامعة حلب، بتصميم جهاز غزل كهربائي يحول المحاليل البوليميرية إلى ألياف من مرتبة النانو، وصرحت لـ سبوتنيك بالقول: “تقنية النانو تقنية حديثة ومتطورة ونقوم بإدخالها إلى سوريا من خلال هذا الجهاز الذي يحول المحاليل إلى ألياف نانوية لها تطبيقات كثيرة أهمها استخدامها كفلاتر لتنقية الماء من الجراثيم والميكروبات، فقطرها نانوي أما الميكروبات فهي أكبر من النانو، وبالتالي تقوم هذه الألياف بحجز الجراثيم وتنقية الماء، ويمكن استخدامها ككمامات للوقاية من فيروس كورونا أو غيره من الفيروسات”، وأضافت: “وهناك تطبيق جديد من خلال اللصاقات الطبية حيث يمكن استخدام محاليل بوليميرية طبية وتحميلها بأي مادة طبية وأضعها على الجلد مباشرة أو على المكان المصاب بدلاً من تناول الدواء عن طريق الفم في حال كان المريض لديه مشاكل في المعدة، فهذه اللصاقات تستخدم على الجلد مباشرة ويقوم بامتصاصها مع مرور الوقت”.
تدوير نفايات عجلات السيارات لمعالجة المياه
وقالت الدكتورة عائشة خلف من جامعة حلب، قسم الكيمياء في تصريح لـ سبوتنيك: “شاركت بنموذج لتدوير نفايات عجلات السيارات المستهلكة حيث قمنا بتدوير ميكانيكي وكهربائي على مراحل متعددة وحصلنا على ريزينات كاتيونية نستخدمها في معالجة المياه الصناعية والزراعية ومياه الصرف الصحي، وهي طريقة غير مكلفة من خلال منتج ينافس بقية المنتجات الصناعية الأخرى الموجودة في السوق وبذات الوقت نكون قد خففنا العبء البيئي الذي تتسبب به هذه النفايات”.
محاليل رغوية لتأهيل الآلات الصدئة
المشارك الدكتور أحمد العمر أستاذ قسم الكيمياء في كلية العلوم بجامعة حلب صرح لسبوتنيك بقوله: “موضوع بحثي هو تحضير مزائج رغوية عالية اللزوجة بهدف إزالة الصدأ والترسبات على الآلات المتوقفة نتيجة الحرب بهدف إعادة تأهيل هذه الآلات بطرق كيميائية آمنة بدلاً من استيراد آلات جديدة، فإذا استخدمنا الأحماض بوضعها الحالي فهي خطيرة جداً والتعامل معها صعب جداً من قبل الفنيين، لذلك قمنا بتحويل الأحماض إلى مواد عالية اللزوجة وعالية الرغوى بحيث يمكن سكب الأحماض على هذه المسطحات ومعالجتها بطرق بسيطة وتأمين تفاعلات بطيئة جداً بحيث لا يحدث أي تآكل ولا أي تصدع للمعادن، وهذا الأمر مهم جداً في الصناعات الدوائية والغذائية والآلات التي تتعامل مع الماء لأنها تتعرض للصدأ بشكل كبير”.
مراقبة المريض عن بعد
وقالت المشاركة نغم سعيد خريجة الكلية التطبيقية من جامعة تشرين: “مشروعنا عبارة عن تقنية لمراقبة المريض عن بعد من خلال مراقبة الوظائف الحيوية للجسم من خلال قياس بوليمترات عن طريق حساسات تقيس نبضات القلب ودرجة حرارة الجسم ثم إرسال القيم عبر تقنية “أي أو تي” عبر البريد الإلكتروني إلى قاعدة بيانات خاصة بالمريض موجودة على قناة يتم حجزها مسبقاً على موقع “ثينغس سبيك” ومن خلال هذا الموقع يستطيع الطبيب مراقبة حالة المريض والاطلاع على القيم بشكل آني أو على مدى فترات يحددها الطبيب، إضافة إلى وجود زر طوارئ إذا كان المريض بحاجة ماسة لوجود أحد ما إلى جواره، فيتم إرسال رسالة عبر البريد الإلكتروني لعشرة أشخاص يتم تحديدهم مسبقاً، ويمكن تطوير المشروع بإضافة حساسات أخرى لتشغيل وظائف أكثر ولتسهيل وصول الرسائل كصيغة نصية”.
“لاي فاي” كبديل عن “واي فاي”
وفي جناح منظمة اتحاد شبيبة الثورة قال المخترع الشاب محمد حسين يوسف وهو طالب في الثالث الثانوي العلمي في تصريح لـ “سبوتنيك”: “شاركت بمشروع تطبيق تقنية “لاي فاي” وهي تقنية تعتمد على نقل البيانات الضوئية لاسلكياً عن طريق ضوء اللد المرئي وهي تختلف عن تقنية “واي فاي” ذات الأمواج الراديوية وتتميز عنها بعرضها الطيفي فالأمواج الضوئية أعرض بـ10 آلاف ضعف للعرض الطيفي لأمواج الراديو وهذا يعطي سرعة لـ”لاي فاي” تتراوح بين 10 غيغابايت و225 غيغابايت في الثانية”.
وعن الفرق بين “واي فاي” و”لاي فاي” أوضح يوسف أن لـ”واي فاي” ترددات تغطي بناء ما، وهي قابلة للتهكير والقرصنة وتسريب البيانات أما “لاي فاي” فهي موجودة في حيز معين لا تتسرب منه البيانات أبداً، ويمكن كذلك نقل البيانات عن طريق أعماق البحار والمحيطات عن طريق التقنية التي لا يمكن أن تتعرض للتلف أو الأذية في قاع البحر، كما يمكن معالجة مشكلة التغطية السيئة لشبكات الاتصالات الخلوية من خلال استخدام أبراج تولد أمواجاً ضوئية بدلاً من الأبراج الحالية التي تولد أمواجاً راديوية”.
هيدروجين الماء لتشغيل السيارات والغاز المنزلي
بدوره قال المخترع الشاب عبد الرحمن الحايجي الطالب في الأول الثانوي لـ سبوتنيك: “مشاركتي هي اختراع جهاز لاستخلاص الهيدروجين من الماء لاستخدامه في تشغيل محركات السيارات وبذلك يمكن تشغيل السيارات باستخدام المياه من دون الحاجة إلى البنزين أو الديزل، وقد لاحظت أن جميع أنواع الوقود الأحفوري يحتوي على الهيدروجين الموجود في المياه، ونعلم أن المياه تشكل 70% من مساحة الكرة الأرضية وهو متوفر بشكل مجاني ويمكن أن نستخلص منه الهيدروجين عبر هذا الجهاز ومن ثم نقوم باستخدامه في إقلاع المحركات أو لتشغيل الغاز المنزلي ويمكن في المستقبل تشغيل عنفات غازية”.
براءة الاختراع في سوريا… طموح نحو الفريق
في هذا السياق لفت رئيس جمعية المخترعين السوريين الدكتور محمد وردة في تصريح خاص لـ سبوتنيك إلى أن “معرض الباسل والاختراع بين عامي 2009 و2011 كان يعتبر من أهم المعارض الثلاثة الأولى على مستوى العالم، حيث كانت نسبة المشاركات العربية والدولية فيه كبيرة جداً”، وأضاف أن: “الدورة الأولى للمعرض أقيمت عام 1992 ولا يزال يقام دورياً حتى يومنا هذا فيما استطاع مخترعون سوريون الحصول على الجوائز الذهبية وعلى المراكز الأولى خلال مشاركاتهم في عدد من المعارض العربية والدولية”.
وحول أهمية إقامة المعرض والقيمة المضافة التي يحققها عرض الاختراعات فيه قال الدكتور وردة: “يعتبر المعرض مكاناً يلتقي فيه أصحاب رأس المال العلمي وهم المخترعون مع أصحاب رأس المال الاقتصادي من صناعيين وتجار ومستثمرين وهو ما يتيح للمخترع فرصة تسويق اختراعه وتحقيق الدعم العلمي والمادي” مضيفاً: “نتمنى من الفعاليات التجارية والصناعية والاقتصادية دعم المخترعين من أجل استثمار براءات الاختراعات السورية بما يحقق الخدمة والفائدة لسوريا من الناحيتين العلمية والمادية، ونؤكد أن براءة الاختراع ليست مشروعاً غامضاً إنما هي مشروع اقتصادي رابح لأن المستثمر سيتمكن من امتلاك الحقوق الحصرية لإنتاج براءة الاختراع لمدة 20 عاماً دون أن يكون له منافس وهذا ما يميز براءة الاختراع عن أي مشروع صناعي آخر”.
ودعا الدكتور وردة جميع الطلاب والمخترعين السوريين إلى تسجيل براءات اختراعاتهم في سوريا مؤكداً أن “رسوم تسجيل براءة الاختراع في سوريا رمزية جداً لا تتجاوز العشرة آلاف ليرة سورية مضيفاً أنه “وفق اتفاقية التعاون الدولية بشأن البراءات “بي سي تي” يتم حسم 90% من رسوم التسجيل بالنسبة للمتقدمين من سوريا بحكم أنها من البلدان النامية”.
وحول الآفاق العلمية والتطويرية لمعرض الباسل للإبداع والاختراع قال: “هناك توجه لتشجيع الطلبة في الكليات العلمية والتطبيقية في السنوات الدراسية الأخيرة بأن تكون مشاريع تخرجهم جديدة وغير مكررة بحيث تحل مشاكل اقتصادية لكي يتم تسجيل براءات اختراع، لأن تعريف براءة الاختراع حسب القانون الروسي هي حل لمشكلة صناعية، ومن وجهة نظري فإنه من شأن ذلك إيجاد حلول للمشاكل الصناعية الموجودة لدى المؤسسات الصناعية في ظل الحصار الجائر المفروض على سوريا وهذا يوفر القطع الأجنبي ويحل الكثير من مشكلات المؤسسات الصناعية”.
وتابع قائلاً: “علينا أن نشير إلى أن براءة الاختراع في سوريا حالياً هي فردية ونسعى لأن تكون من خلال فريق علمي من الطلبة أو المهندسين والأطباء بحيث تكون أكثر تميزاً وأكثر جدوى اقتصادية كما هي حال براءات الاختراع في الدول المتقدمة فمعظمها يكون ناتجاً عن مؤسسات فالمؤسسة تطرح مشكلة صناعية أمام المهندسين والكوادر العلمية فيها فتقوم هذه الكوادر بحل المشكلة وتسجيل براءة اختراع باسم المنشأة الصناعية وبأسماء هؤلاء الخبراء، ثم تقوم المؤسسة بعد الحصول على براءة الاختراع بتصنيع وتنفيذ براءة الاختراع على أرض الواقع”.
تحويل الاختراعات إلى منتجات
بدورها تحدثت رئيسة دائرة براءات الاختراع في مديرية حماية الملكية بوزارة التجارة الداخلية نسرين عقل لسبوتنيك عن آلية اختيار المشاريع والاختراعات للمشاركة في المعرض وقالت: “بعد أن تتلقى دائرة براءات الاختراع طلبات المشاركين يتم فرزها حسب المحاور المحددة للمعرض والتي تشمل التكنولوجيا والمجالات الطبية وإعادة الإعمار والكيمياء والميكانيك والكهرباء، بعد ذلك يتم إرسالها إلى الهيئة العليا للبحث العلمي حيث يتم فرزها ليتم إبلاغ المشاركين المقبولين لتجهيز معروضاتهم، ويتم إبلاغ مديريات حماية الملكية في المحافظات للتحضير والتنسيق لنقل المخترعين ومعروضاتهم إلى مكان المعرض مجاناً”.
وعن دور المعرض في تسويق المشاريع والاختراعات العلمية قالت عقل: “معرض الباسل للإبداع والاختراع يعتبر منصة وصلة وصل بين المخترع والجمهور، فلدينا زائرين يطلعوا على المعروضات فبالنسبة لفئة الطلاب هذا يحفز لديهم حب الإبداع وتطوير الذات وتنمية الأفكار من خلال رؤية الاختراعات، وإضافة لذلك تسعى وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بالتنسيق مع كافة الجهات الحكومية من خلال عدة اتفاقيات موقعة مع الجامعات وهيئة تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة وهيئة الاستثمار السورية لتطبيق هذه الاختراعات على أرض الواقع، كما تم توجيه دعوات لغرف الصناعة والتجارة لزيارة المعرض لمشاهدة الاختراعات بهدف دعم المخترعين ودراسة تبني الاختراعات وتنفيذها عملياً على أرض الواقع”.
طلاب يخترعون رغم الظروف الصعبة
وصرح عضو المكتب التنفيذي لاتحاد طلبة سوريا عمر جباعي لـ سبوتنيك بقوله: “قدم الطلبة أكثر من 70 اختراعاً هي نتاج مشاريع تخرج وأبحاث جامعية، وذلك يمثل رسالة بأن طلاب سوريا بالرغم من كل الظروف والمعوقات خلال العشر سنوات الماضية استطاعوا أن يخترعوا ويبتكروا وينافسوا المخترعين في كافة أنحاء العالم ونأمل من الجهات المعنية ومن التجار والصناعيين أن تتبنى هذه الاختراعات وإيصالها إلى بر الأمان وحيز التطبيق العملي على أرض الواقع بما يفيد المجتمع ويقم له مشاريع ذات قيمة علمية هامة تنعكس إيجاباً على سوريا بوجه عام”.
وقال المنسق الإعلامي في شركة سيريتل لـ”سبوتنيك”: “نحن في شركة سيريتل نؤمن أن معرض الباسل للإبداع والاختراع هو فرصة حقيقية للمبدعين والمخترعين لمواصلة اتجاهاتهم العلمية وتطوير إبداعاتهم والتعريف بها على المستوى المحلي والعربي وبالتالي فتح باب الاستثمار لإبداعاتهم ولأننا نلتزم بدعم الفعاليات التي من شأنها أن تطور المجتمع فكرياً وعلمياً وعملياً نساهم بشراكة استراتيجية في معرض الباسل إضافة إلى المشاركة الحية في مجال توطين التقانة من خلال عرض طابعة ثلاثية البعاد تم صنعها بمهارة وخبرة موظفين من شركتنا وبمواد أولية وطنية، فإيماننا بقدراتنا كسوريين هو الحافز والدافع لنقوم بعملية توطين لتقانة عالمية مبتكرة ومستخدمة”.
وكانت قد انطلقت الثلاثاء الماضي بحضور وزير التجارة الداخلية السوري عمرو سالم أعمال الدورة الـ 20 لمعرض الباسل للإبداع والاختراع الذي تقيمه وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بالتعاون مع جمعية المخترعين السوريين والمؤسسة العامة للمعارض والأسواق الدولية ضمن كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية بجامعة دمشق بشراكة استراتيجية مع شركة سيريتل.
سبوتنيك
اقرأ أيضا: نقيب الأطباء: أجرة الطبيب كانت 700 ليرة قبل الأزمة.. أي حاليا يجب ان تكون 45 ألف ليرة