الإثنين , نوفمبر 25 2024

لقاء إردوغان – بايدن بلا نتائج | موسكو لأنقرة: غرب الفرات «حصّتنا» أيضاً

لقاء إردوغان – بايدن بلا نتائج | موسكو لأنقرة: غرب الفرات «حصّتنا» أيضاً

علاء حلبي

في الوقت الذي كان يعقد فيه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، لقاءً مع نظيره الأميركي جو بايدن، لانتزاع موافقة أميركية على شنّ عملية عسكرية ضدّ مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) شمال شرقي سوريا، وجّهت روسيا رسائل عسكرية مباشرة إلى أنقرة، مفادها بأن هذه المنطقة تقع أيضاً ضمن الحسابات الروسية، الأمر الذي يبدو أنه خلط الأوراق التركية، وأفشل مسعى إردوغان إلى انتزاع مقايضة تتيح له حصد مكاسب مضاعفة من كلّ من واشنطن وموسكو

دمشق | على مدار الشهور الماضية، حاول الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الوصول إلى اتفاق واضح مع الولايات المتحدة الأميركية حول نقاط خلافية عدّة، أبرزها الحصول على «ضوء أخضر» لشنّ عملية عسكرية تقضم من خلالها تركيا مناطق جديدة قرب حدودها الجنوبية مع سوريا، بذريعة الوجود العسكري الكردي الذي تعتبره أنقرة «تهديداً إرهابياً». اللقاء الذي جمع إردوغان والرئيس الأميركي جو بايدن، لم يخرج بنتائج واضحة حول الخريطة الميدانية في مناطق شرق الفرات، وفق ما تسرّب عن اللقاء، حيث شدّدت واشنطن على ضرورة «استمرار عمليات التهدئة»، كما أصرّ بايدن على أهمية الوصول إلى حلّ سياسي. رغم ذلك، انتزع الرئيس التركي بعض المواقف التي يمكن أن يعتبرها «إيجابية» بعد ارتفاع منسوب التوتر بين البلدين، ولعلّ أبرزها موافقة بايدن على صفقة طائرات «F16» تقدّمت تركيا لشرائها، وذلك لتعويض طائرات «F35» التي تمّ إخراج أنقرة منها بعد شراء الأخيرة منظومة «S400» الروسية للدفاع الجوي، وهو ما اعتبرته واشنطن تهديداً أمنياً لها.

ولم يكد الرئيس التركي ينهي اجتماعه مع نظيره الأميركي، حتى تسرّبت لوسائل الإعلام معالم خطّة عسكرية تركية لشنّ هجوم برّي على أربعة محاور في مناطق شمال شرقي سوريا بشكل متزامن، يشمل كلّاً من تل رفعت ومنبج وتل تمر وعين عيسى. اللافت في المناطق التي تستهدفها الخطّة التركية التي سرّبتها وسائل إعلام سوريّة معارضة، أنها مناطق ذات تعقيد ميداني، حيث تقع على أطرافها نقاط تتمركز فيها قوات عسكرية سورية، كما تُعتبر مساحات نفوذ روسي، الأمر الذي يبدو أنه استفزّ موسكو، التي ردّت بإرسال رسائل مباشرة إلى أنقرة، عن طريق إجراء مناورات عسكرية في منطقة تل تمر، بهدف القول إن المواقع المذكورة خاضعة لسيطرة روسيا، وإن أيّ اتفاق مع الولايات المتحدة لن يخوّل تركيا شنّ هجمات عسكرية عليها. اللافت أيضاً في الخطّة التركية المسرّبة، أنها تستهدف مناطق يمرّ عبرها طريق «M4» الدولي، والذي يمتدّ من الشرق السوري وصولاً إلى حلب، ويتفرّع إلى اللاذقية، حيث تدور مناوشات في الوقت الحالي لإعادة فتح جزئه الذي يربط حلب بالساحل، وتسيطر على جيب صغير فيه فصائل متشدّدة، كما تتمركز القوات التركية في نقطة تطلّ عليه أيضاً، ما يحمل إشارة واضحة إلى رغبة تركيّة في وضع قدم على الطريق في منطقة شرق الفرات، مقابل فتح الطريق في تفريعته الغربية التي تمرّ عبر إدلب.

لقاء إردوغان وبايدن لم يخرج بنتائج واضحة حول الخريطة الميدانية في مناطق شرق الفرات

ويبدو أن أنقرة كانت تعوّل على تحصيل مكاسب ميدانية تخوّلها قضم مناطق جديدة في سوريا، ودفْع الأكراد بعيداً عن الحدود في مناطق شرق الفرات التي تَعتبرها مساحة نفوذ أميركي، بالتزامن مع الضغط على روسيا في مناطق نفوذها غرب الفرات، وذلك للحصول على مقايضة تتراجع من خلالها تركيا في ريف إدلب لفتح طريق «M4»، مقابل تقدّمها نحو منبج وتل رفعت، ما يعني بالنتيجة حصد مكاسب مضاعفة من كلّ من واشنطن وموسكو، وهو ما ردّت عليه الأخيرة عبر مناوراتها العسكرية في تل تمر، لتعيد التأكيد أنه لا يمكن الفصل بين شرق الفرات وغربه، وأن الحضور الروسي قويّ في كلا الجانبَين. بموازاة ذلك، برزت نبرة سياسية جديدة لدى «قسد» تميل إلى التحاور مع دمشق، وفق ما أظهرته تصريحات عديدة خلال اليومين الماضيين، أبرزها ما قاله عضو هيئة الرئاسة المشتركة لـ«حزب الاتحاد الديمقراطي» (الحزب المسيطر فعلياً على قسد)، آلدار خليل، الذي أعلن أن «الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وحزب الاتحاد الديمقراطي جاهزان للحوار مع دمشق بشكل مباشر»، معتبراً أنه «لا بدّ أن يكون الحلّ مع النظام، وليس في جنيف بل في دمشق. ما المانع أن نجلس ونتحاور كسوريين ونطرح الحلول الممكنة للتوصّل إلى صيغة حلّ لعموم القضايا في سوريا»، وفق تعبيره.
وتعيد التصريحات الكردية الجديدة حول الانفتاح الكردي على دمشق، إلى الأذهان، تصريحات مشابهة أطلقها قياديون أكراد قبيل عمليات عسكرية تركية استهدفت مواقع «قسد» خلال الأعوام الماضية (نبع السلام، غصن الزيتون وغيرهما)، الأمر الذي يمكن اعتباره إشارة إلى ورود رسائل أميركية بعدم معارضة واشنطن لشنّ هجمات تركية تطاول مواقع محدّدة، خصوصاً أن تلك المناطق ذات نفوذ روسي أكبر. إلّا أن موقف دمشق يبدو هذه المرّة أكثر صرامة من المرّات السابقة، خصوصاً بعد أن تراجع الأكراد عن تعهّدات كانوا التزموا بها خلالها لقاءات مع مسؤولين في الحكومة السورية بوساطة روسية، وذلك نتيجة تدخّل أميركي، وهو ما أشار إليه بوضوح وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، الشهر الماضي، عندما قال إن الأكراد «يعرفون الطريق إلى دمشق»، في إشارة إلى الثوابت التي تتمسّك بها الحكومة السورية، ولعلّ أبرزها تراجع «قسد» عن الانقياد الأعمى خلف الولايات المتحدة، وعن مشروعها الذي تعتبره دمشق انفصالياً ولن تقبل به.
في المحصّلة، لم يغيّر لقاء الرئيس التركي بنظيره الأميركي أيّ شيء على الأرض، حتى الآن، حيث تتابع أنقرة حشد قواتها، وإرسال المزيد من الفصائل السورية التابعة لها إلى محاور التماس، في وقت تتمسّك فيه موسكو برفض أيّ صفقة، وتصرّ على فتح طريق حلب – اللاذقية، كما على التأكيد أنها اللاعب الأبرز في مناطق غرب وشرق الفرات القريبة من الحدود التركية. ويفتح هذا الواقع الباب، في حال عودة الأكراد إلى طاولة الحوار مع دمشق، على عودة مناطق عديدة إلى سيطرة الحكومة السورية، ما يعني أن على أنقرة أن تخوض حرباً سيكون الجيش السوري طرفاً فيه، وهو سيناريو لا ترغب في تكراره، بعد فشله العام الماضي عندما سيطر الجيش السوري على طريق حلب – دمشق «M5»، أو السير نحو معارك ستجد فيها «قسد» نفسها الطرف الأضعف مرّة أخرى، في حال انسياقها خلف واشنطن، وهو ما ترغب فيه تركيا التي ستجد الطريق ممهّداً أمامها لقضم مناطق جديدة في سوريا.
الأخبار