الجمعة , نوفمبر 22 2024

الأسد يتنفس الصعداء.. بدء موسم الحج العربي إلى دمشق!

الأسد يتنفس الصعداء.. بدء موسم الحج العربي إلى دمشق!

هل نشهد في الأشهر الأخيرة إعادة تشكيل جذري للمشهد السياسي في الشرق الأوسط؟
هناك مؤشرات عدة توحي بأن التحالفات التي كانت تبدو قوية باتت تتعرض للتآكل مع الزمن والأحداث، والملف السوري شاهد على ذلك. هذا التقرير للصحافي في بروكسل بودوان لوس في “اوريان 21” (ترجمة حميد العربي) يضيء على هذه القضية.
“النظام السوري القائم الذي اعتُبر منبوذ المنطقة منذ عام 2011، يرى اليوم “أشقاءه” العرب يعيدون تقييم مواقفهم نحوه بشكل إيجابي.
تم تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، ولم تعترض على ذلك حينها سوى ليبيا واليمن.
ولئن لم تعد سوريا بعد إلى هذه المجموعة الإقليمية، فإن الموضوع أصبح يُطرح بصورة مُلحة.
إذ تدفع مصر نحو إعادة الاعتبار لسوريا منذ عدة سنوات، وقد أصبح من النادر اليوم إيجاد أصوات تعترض على هذا السيناريو، بل باتت عودة دمشق إلى الجامعة العربية مسألة أشهر على أقصى تقدير.
وفي الخليج العربي، غيرت العديد من المملكات والإمارات خياراتها بشكل جذري مع أنها كانت قد دعمت لعدة سنوات فصائل مختلفة من المعارضة، سياسية أو عسكرية.
والمؤشرات الأولى لهذا التغيير ليست وليدة الأمس. فقد أعادت الإمارات العربية المتحدة فتح سفارتها في العاصمة السورية في 27 كانون الأول/ديسمبر 2018، وتبعتها على الفور دولة البحرين.
غير أن المملكة العربية السعودية، الوزن الثقيل في الخليج، لم تكن تريد – أو لم تكن تجرؤ- بعد على اتخاذ هذه الخطوة.
الأردن الموقع المتقدم للتقارب منذ الصيف الماضي، عرفت الحركة نحو إعادة الاعتبار لسوريا زخماً جديداً.
ويظهر التقدم الأكثر وضوحاً من خلال الجهود التي يقوم بها في هذا الاتجاه أحد جيرانها العرب الأكثر تكتماً، وهي المملكة الأردنية، إذ انتظر الملك عبد الله الثاني تولي الرئيس الأميركي جو بايدن منصبه هذا العام ليقوم بتحريك بيادقه.
فقد ولى ذلك الوقت، كما في كانون الأول/ديسمبر2011، الذي كان يُطالب فيه العاهل الهاشمي برحيل الأسد.
ها هو الآن يعمل بالعكس على حمل الولايات المتحدة – التي كان النظام الأردني دائماً قريباً منها – على تخفيف ضغطها على الرئيس السوري.
وفي تموز/يوليو2021، خلال زيارته الأولى لبايدن في واشنطن، رافع العاهل الأردني لدى الرئيس الأميركي لكي يقبل بعدم تطبيق العقوبات المنصوص عليها في “قانون قيصر” الذي أقره الكونغرس في كانون الأول/ديسمبر 2019 ودخل حيز التنفيذ في حزيران/يونيو 2020، تحت رئاسة دونالد ترامب، والذي ينص على تطبيق عقوبات ضد الأفراد أو الكيانات أو الشركات التي لها علاقات اقتصادية مع دمشق.
دعت الأردن إلى هذا الإعفاء بغرض تنفيذ مشروع إقليمي يتمثل في تزويد للبنان -الذي يعاني اقتصاده من انهيار كبير- بالغاز المصري عبر الأردن وسوريا.
وعند ختام هذه المقابلة، أجرى الملك لقاء مع قناة “سي. إن. إن.” ليفصح عما وصل إليه تفكيره: “النظام السوري باق (..). من الأفضل إذن المضي قدماً في الحوار بطريقة منسقة بدلاً من تركه على حاله”.
في أيلول/سبتمبر، ضاعف الأردنيون الاتصالات الوزارية والأمنية مع السلطات السورية.
وفي 3 تشرين الأول/أكتوبر، تحدث الملك عبد الله لأول مرة – رسميًا على الأقل – عبر الهاتف مع الأسد.
وقد صرح عريب الرنتاوي، مدير مركز القدس للدراسات السياسية في عمَّان، لصحيفة “لوموند” الفرنسية في 6 تشرين الأول/أكتوبر بأن “التقارب نابع من السياسة الواقعية, فليس هناك ما يشير إلى إمكانية تغيير النظام في سوريا، سيبقى الأسد في السلطة وعلينا التعامل مع جارتنا سوريا.
هناك أيضاً إعادة تعديل إقليمي مع تغييرات كبيرة مثل انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان”.
العقوبات لم ترفع وافق بايدن على الطلب الأردني بعدم تطبيق عقوبات على تسليم الغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا.
غير أن الولايات المتحدة لا تريد أن يستنتج حلفاؤها العرب أنها على وشك إعلان “قانون قيصر” لاغياً. تدرك إدارة بايدن جيداً أن هذا القانون قد تم تمريره بأغلبية ساحقة من الحزبين في الكونغرس.
وقد صرح وزير الخارجية أنتوني بلينكن في 6 تشرين الأول/أكتوبر 2021: “ما لم نفعله ولا ننوي فعله، هو التعبير عن أي دعم لجهود تطبيع العلاقات أو إعادة الاعتبار للسيد الأسد (…) لم نرفع أية عقوبة ضد سوريا وسنظل نعارض أي دعم لإعادة إعمار البلاد طالما لا يوجد تقدم لا رجعة فيه نحو حل سياسي”.
لا تقنع هذه الإعلانات المبدئية الجميع في الشرق الأوسط. “أعلنت إدارة بايدن أنها لن تطبع العلاقات مع الأسد، لكن يبدو أنها لم تعد تثني الشركاء العرب عن القيام بذلك”، هكذا يحلّل ديفيد شينكر الموقف في مجلة “نيوزويك” بتاريخ 13 تشرين الأول/أكتوبر 2021، وهو الذي شغل منصب نائب وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى حتى كانون الثاني/يناير 2021 (…). علاوة على هذا الموقف الأميركي الغامض، نلاحظ أن سوريا قد نجحت في كسر عزلتها الدبلوماسية. ومن علامات هذه المرحلة الجديدة ما جرى خلال الدورة الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر 2021، حيث التقى ما لا يقل عن عشرة وزراء خارجية عرب بنظيرهم السوري لأول مرة منذ عشر سنوات.
وليس هذا فحسب، بل تتجاوز مكاسب دمشق الإطار العربي، كما يتضح ذلك من خلال إعلان إعادة دمج سوريا في نظام تبادل المعلومات التابع لمنظمة تعاون الشرطة الدولية (الإنتربول) نهاية أيلول/سبتمبر، بعد استبعادها منه منذ 2012. عودة دون ضجة أو صخب، لكن نطاقها يتجاوز مجرد الدلالة الرمزية (…). زد على ذلك أن الولايات المتحدة صارت تجد صعوبة متزايدة في إخفاء رغبتها في الانسحاب من الشرق الأوسط لمواجهة تحديات أخرى، أوّلها تلك التي تفرضها عليها الطموحات الجيوستراتيجية العدوانية المنسوبة إلى الصين.
كل ذلك كان كافياً لكي تُباشر عدد من الدول العربية بإعادة تقييم لخياراتها وتحالفاتها. لا تتشابه دائماً أهداف كل عاصمة عربية مع الأخرى في المنطقة. وإذا كانت عمَّان تسعى إلى إعادة التواصل مع دمشق من أجل جني مكاسب اقتصادية وتجارية وإبعاد الجماعات الموالية لإيران النشطة في سوريا عن حدودها، فإن القاهرة وأبو ظبي قد تريان في عودة سوريا إلى المحيط العربي تعزيزاً لمحور الثورة المضادة بعد فترة “الربيع العربي” المشؤوم الذكر بالنسبة لهما.
أما بالنسبة لمملكة لآل سعود التي عليها التعامل مع رأي عام جيشته صحافتها بقوة ضد النظام السوري، فمن المؤكد أنها أيدت موقف أبو ظبي والمنامة.
وقد تم بالفعل استئناف اتصالات رفيعة المستوى بين الرياض ودمشق. , لقد تدخلت السعودية مثل العديد من الأنظمة في سوريا بعد ظهور المعارضة المسلحة، بسبب تحالف النظام مع إيران الذي تعتبره الرياض العدو رقم واحد. منذ مدة، تنتشر فكرة مفادها – أم هي أمنية بعيدة المنال؟ – بأن إعادة دمج سوريا الأسد في الأسرة العربية قد تساعد على ابتعاد هذا البلد عن حليفه الإيراني.
في الوقت نفسه ينظر في الرياض بريبة متزايدة إلى سلوك الحليف الأميركي، الذي لم يقم في عهد ترامب بمعاقبة إيران على هجماتها على المنشآت النفطية.
من ناحية أخرى، فإن الكونغرس الأميركي غير مستعد بعد أن يغفر لـمحمد بن سلمان اغتياله الفظيع للصحافي جمال خاشقجي في 2 تشرين الأول/أكتوبر 2018 داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.
كل هذه العوامل مجتمعة أقنعت بن سلمان بعدم استبعاد ما كان يستحيل تصوره إلى حد الآن، أي المصالحة مع طهران. وقد تضاعفت الاتصالات في هذا الاتجاه خلال العام الجاري، وهو سلوك لا تستحسنه بالطبع إسرائيل.
رقعة شطرنج شديدة التعقيد، هكذا يبدو هذا الشرق الأوسط الذي يبتعد عنه “العم سام” تدريجياً، والذي لم يعد يعتبر الأسد شخصاً غير مرغوب فيه، وحيث تتم إعادة تقييم التحالفات في الوقت الفعلي.
في ظل هذا الوضع، يحسب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين النقاط لصالحه بارتياح. ففي غضون سنوات قليلة، أصبح سيد الكرملين لاعباً رئيسياً بفضل تدخله العسكري الحاسم إلى جانب الجيش السوري منذ أيلول/سبتمبر 2015. كانت تركيا رجب طيب أردوغان أول من فهم ذلك، وتبنت لغة الحوار مع موسكو ابتداءً من عام 2017 من أجل الدفاع عن مصالحها في شمال سوريا، على حساب الأكراد الذين تعتبر إسطنبول استقلالهم الذاتي الفعلي خطراً قومياً محتملاً. مع ذلك، لايزال التوتر مهما في محافظات شمال سوريا، حيث اكتسبت القوات التركية موطئ قدم في السنوات الأخيرة، لا سيما في منطقة إدلب، آخر معقل للتمرد المسلح الذي يهيمن عليه الجهاديون. وفي هذا المجال، يخضع حالياً الاتفاق بين بوتين وأردوغان إلى امتحان ثقة ذي نتائج غير مؤكدة.
أما الاتحاد الأوروبي، فلم يكن له حتى الآن دور بارز في الملف السوري، وهو يرفض المشاركة في جهود إعادة الإعمار، ما لم يتم الشروع في انتقال سياسي ذي مصداقية.
كما أن مسألة عودة اللاجئين غير مطروحة بالنسبة له ما لم يتم استيفاء الشروط الأمنية.
وقد قرر مجلس الوزراء الأوروبي في 27 أيار/مايو2021 تمديد التدابير التقييدية المتخذة ضد القيادة السورية لسنة إضافية، أي إلى غاية 1 حزيران/يونيو2022 “.
وقد تم اتخاذ هذه التدابير – من بينها حظر نفطي وقيود مفروضة على صادرات المعدات والتكنولوجيا، فضلاً عن تجميد أصول حوالي 300 شخص وحوالي 70 كيانًا – ابتداءً من عام 2011.
ويؤكد الاتحاد الأوروبي الذي تبنى في هذا الموضوع موقفاً موحّداً بأنه “مصمم على إيجاد حل سياسي دائم وذي مصداقية للنزاع في سوريا”، وهو موقف لا يخفي عجزه.
بوسع الرئيس بشار الأسد الآن، في قصره على جبل قاسيون المطل على دمشق، أن يتنفس الصعداء بعد أن اجتاز المرحلة الأصعب بالنسبة له.
والأشقاء العرب الذين كادوا أن يساهموا في إسقاطه، يعودون اليوم مُجدداً إلى طريق دمشق”.