عاد خطر غزو روسيا لأوروبا يتزايد مع تراجع الاهتمام الأمريكي بالقارة وتزايد قوة الجيش الروسي في الوقت ذاته.
خلال الحرب الباردة كان ينظر للحجم الهائل للقوات السوفييتية خلال الحرب الباردة، باعتباره يمثل خطراً هائلاً وأن غزو روسيا لأوروبا أمر يصعب وقفه إلا بالأسلحة النووية، وبعد نهاية الحرب الباردة، تراجعت هذه النظرة مع تردي حال الجيش الروسي، حتى إن ألمانيا باعت أعداداً كبيرة من دباباتها الشهيرة من طراز ليوبارد التي كانت معدة للتصدي لاحتمال حدوث سيناريو غزو روسيا لأوروبا.
ولكن اليوم عاد خطر غزو روسيا لأوروبا ليلح على صانعي القرار في القارة وفي الولايات المتحدة.
فالجمع بين الحجم الكبير والأسلحة المتقدمة والتكنولوجيا الجديدة سينتج عنه تهديد أشد خطراً، حسبما ورد في تقرير لمجلة National Interest الأمريكية.
لماذا تجدد خطر غزو روسيا لأوروبا؟
خلال ثمانينيات القرن الماضي، كان لدى الجيش السوفييتي آلاف المركبات المدرعة وحوالي أربعة ملايين جندي، وكانت هذه القدرات تمثل تهديداً هائلاً استمر لعقود بغزو يشنه الاتحاد السوفييتي بقيادة روسيا على أوروبا الغربية. وهذا التهديد بغزو سوفييتي للقارة الأوروبية دفع الولايات المتحدة إلى نشر جنودها على نطاق واسع في ألمانيا، وزيادة إنتاج الأسلحة النووية وابتكار مجموعة من الأسلحة الأمريكية الشهيرة الآن مثل دبابة أبرامز ومروحيات أباتشي الهجومية وقاذفة B-2 وطائرات F-15 المقاتلة.
وبعد الحرب الباردة، تراجع خطر غزو روسيا بشكل كبير، وقلصت العديد من الدول الأوروبية جيوشها، متوقعة عهداً جديداً من السلم في القارة.
ولكن السياسات العسكرية الروسية انتهكت في السنوات الأخيرة انتهاكاً صارخاً الالتزامات المنصوص عليها في وثيقة هلسنكي النهائية المتعلقة بالامتناع عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد دول أخرى؛ الامتناع عن انتهاك سيادة الدول الأخرى أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي؛ واحترام حق كل دولة في اختيار تحالفاتها الأمنية، حسبما ورد في تقرير لمفوضية الأمن والتعاون في أوروبا “csce”.
ففي الدول غير الأعضاء في الناتو ، أثبتت روسيا أنها مستعدة لاستخدام القوة العسكرية لتحقيق أهدافها. في دول الناتو، يتجه إلى تكتيكات غير متكافئة، مثل الهجمات الإلكترونية وعمليات التخريب والتغطية وحرب المعلومات.
وكانت حرب أوكرانيا عام 2014 التي انتهت بضم موسكو للقرم وانفصال واقعي لإقليمين أوكرانيين، أن غزو روسيا لأوروبا جزئياً على الأقل سيناريو قابل للحدوث، ولم يختف مع اختفاء الاتحاد السوفييتي.
الجيش الروسي أصغر من السوفييتي، ولكن كفاءته تزداد
قد تكون القوات البرية الروسية أصغر قليلاً من حيث العدد مما كان الجيش السوفييتي عليه خلال حقبة الحرب الباردة، على أن التطور التكنولوجي لأسلحتها مثل مقاتلة Su-57 ودبابات T-14 Armata ومنظومة الدفاعات الجوية S-400، ناهيك عن الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت والأسلحة النووية التكتيكية، يمثل تهديداً شديد الخطورة وجديداً بالكامل للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو).
ووفقاً لموقع globalfirepower.com، يملك الجيش الروسي ما يقرب من مليون فرد في الخدمة الفعلية وحوالي مليوني جندي احتياطي. وخلال الحرب الباردة، كان لدى الجيش الروسي ما يتراوح بين ثلاثة وأربعة ملايين جندي، على أن القوات الروسية في وقتنا الحالي باتت تشكل مصدر قلق خطيراً.
والجيش الروسي مصنّف بأنه يمتلك أكثر من 4000 طائرة و1500 طائرة مروحية. وعلى الأرض، يقول موقع Globalfirepower.com إن روسيا لديها 13 ألف دبابة و27 ألف عربة قتال مدرعة وحوالي 6 آلاف مدفع ذاتي الحركة في المدفعية. وفي حين أن القوة التقليدية للجيش الروسي قد لا تكون بحجم قوته في الحرب الباردة، فهو يحرص على تحديث وصيانة أجزاء من أسلحته ومنظوماته الآلية. على سبيل المثال، طوَّر الجيش الروسي الدبابة الروسية T-72 مرات عديدة منذ ابتكارها لأول مرة في السبعينيات.
الأمر الأكثر إثارة للقلق، خاصة بالنسبة للأمن الأوروبي، هو نشر روسيا لصاروخ كروز جديد متوسط المدى يتم إطلاقه من الأرض في انتهاك لمعاهدة القوى النووية متوسطة المدى لعام 1987، وتحديثها لمجموعة من الأسلحة النووية غير الاستراتيجية الأخرى، وما هو واضح. عقيدة “التصعيد لنزع التصعيد”. تقترح العقيدة الروسية الرسمية أن تلجأ روسيا إلى استخدام الأسلحة النووية في حالة استخدام أسلحة نووية أو أسلحة دمار شامل أخرى ضد روسيا أو أي حليف لها، أو في حالة هجوم تقليدي على روسيا يكون فيه وجود الدولة الروسية على المحك. ومع ذلك، كانت هناك اقتراحات بأن موسكو قد تفكر في فكرة أنه يمكنها استخدام الأسلحة النووية “لتهدئة” نزاع تقليدي لم يتضمن هجوماً على الأراضي الروسية، على سبيل المثال، بعد هجوم تقليدي روسي على دولة أخرى.
تقوم روسيا أيضاً بتحديث قواتها العسكرية التقليدية. بينما يبدو أن الكثير من هذا يستبدل القديم بالجديد، فإن الجيش الروسي يهدف بوضوح إلى تعزيز قدرته على شن عمليات هجومية خارج الأراضي الروسية، مدفوعة جزئياً بالرغبة في تحسين الأداء المتوسط للقوات الروسية في جورجيا عام 2008- صراع روسيا. على مدى السنوات الثلاث الماضية، يبدو أن روسيا قامت بنشر وتشغيل عدد من أنظمة أسلحتها التقليدية الجديدة في أوكرانيا.
وأخيراً، فيما يتعلق بالقوة البحرية، يقدر موقع Globalfirepower.com أن البحرية الروسية تملك 600 سفينة، تضم حاملة طائرات و15 مدمرة و63 غواصة. ويعد البحر الأسود منطقة ذات أهمية استراتيجية لروسيا من حيث الاعتبارات الاقتصادية والجيوسياسية حيث يضمن وصول موسكو إلى البحر المتوسط.
البحر المتوسط وسيلة لروسيا لمحاصرة أوروبا
ويُعد البحر الأبيض المتوسط عنصراً مهماً في استراتيجية موسكو العسكرية: يوفر الحوض نقطة وصول إلى جنوب أوروبا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا. في نظر النخبة الروسية، حيث يعد البحر الأبيض المتوسط أيضاً ساحة لمنافسة القوى العظمى مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. من خلال التعزيز الذكي للأصول البحرية ومنع الوصول/المنطقة (A2 / AD)، وكذلك من خلال عملاء مثل جيش النظام السوري، يسعى الكرملين جاهداً لمواجهة وجود الناتو في المنطقة وحماية الجناح الجنوبي لروسيا، حسبما ورد في تقرير لموقع Carnegie Europe.
تماشياً مع النظرة الجيوسياسية للعالم للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أرست القيادة العسكرية الروسية بصرامة موقفاً استراتيجياً قوياً وطموحاً في البحر الأبيض المتوسط.
في غضون عقد من الزمان، برزت روسيا كمنافس على الجناح الجنوبي لأوروبا. في سوريا، أدت عمليات الانتشار الروسية إلى إنشاء فقاعة A2 / AD فوق بلاد الشام. ساعدت الحدود السورية بشكل كبير القوات المسلحة الروسية على تطوير قدرات قتالية مثبتة واختبار أكثر من 200 سلاح جديد. يمتد قوس الفولاذ الروسي سيئ السمعة الآن إلى البحر الأبيض المتوسط ويشكل تهديداً محتملاً لحرية حركة الناتو في هذه المنطقة المهمة. في ليبيا، زود مزيج من القوات الجوية الروسية والمتعاقدين العسكريين الخاصين الكرملين بنفوذ جيوسياسي كبير.
ويُنظر للدور الروسي في ليبيا كذلك عبر التحالف مع حفتر ووجود مرتزقة فاغنر وطائرات حربية روسية على أنه نوع من التطويق لأوروبا عبر خاصرتها الضعيفة.
الجبهة الأخطر بين روسيا وأوروبا
ولكن تظل منطقة البحر الأسود المنطقة الأسهل، بالنسبة لروسيا لتنفيذ عمليات عسكرية واسعة النطاق ضد دول البحر الأسود تسمح لها بتهديدهم وابتزازهم.
إن الحد من إمكانية التنبؤ بمثل هذه العمليات هو الخطوة الأولى نحو ردعها، لأن موسكو تزن مخاطرها بعناية.
ويقول تقرير للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية “ecfr” إنه يجب على الدول الغربية زيادة قابلية التشغيل البيني لجيوشها مع القوات المسلحة لدول البحر الأسود وتحسين البنية التحتية التي تستخدمها لنشر التعزيزات في المنطقة.
سيسمح لهم ذلك بالرد على التصعيد العسكري الروسي بالمثل وبالتالي زيادة المخاطر على موسكو.
وتشكل العوامل السياسية المحلية الدوافع الرئيسية للسياسة الروسية تجاه أوكرانيا، فبعد سنوات التعافي في فترة بوتين الأولى، حدث تراجع اقتصاد دفع بوتين عندما عاد إلى الرئاسة في عام 2011، إلى إثارة المشاعر القومية، وحلم عودة روسيا كقوة عظمى، ومعاداة أمريكا في حملته، وكانت حرب أوكرانيا نموذجاً لاستغلال الطموحات الخارجية لإلهاء الشعب عن الأزمات الداخلية.
البلقان ثغرة أوروبية تتعاطف جزئياً مع موسكو
كما أن دول غرب البلقان لا تزال، في مرمى عمليات النفوذ الروسية، وقال إن صربيا ومقدونيا على وجه الخصوص معرضتان للخطر بشكل خاص وإن احتمال نشوب صراع عرقي كامل في البلقان مرتفع للغاية، وهي دول مرتبطة تاريخياً بروسيا ولا تحمل الكراهية التقليدية لروسيا التي يكنها سكان مناطق شرق أوروبا التي خضعت للحكم أو التهديد الروسيين المباشرين.
وتقع دول غرب البلقان خارج الناتو وبالتالي “تمثل فرصة لروسيا”.
كما أن دول البلطيق، على الرغم من أنها أعضاء في حلف شمال الأطلسي، معرضة للخطر حيث يرى الكرملين أن المنطقة تعد ضمن نطاق نفوذ روسيا المفترض، ويعتقد أنه من حق موسكو أن تلعب “دوراً أمنياً خاصاً” في المنطقة، حسب تقرير مفوضية الأمن والتعاون في أوروبا “csce”.
أوروبا مقابل روسيا
ويضم أعضاء الناتو الأوروبيون أكثر من 500 مليون شخص. يبلغ عدد سكان روسيا 145 مليون نسمة فقط. كما يتمتع الأوروبيون بصحة أفضل: يبلغ متوسط العمر المتوقع في أوروبا حوالي 82 عاماً، بينما يبلغ 72 عاماً في روسيا فقط (وحتى أقل بالنسبة للرجال). الناتج المحلي الإجمالي لحلف الناتو في أوروبا يبلغ أكثر من 15 تريليون دولار. يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لروسيا 1.7 تريليون دولار فقط، وهو أقل من الناتج المحلي الإجمالي لإيطاليا وحدها، حسبما وردالفي تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
والأمر الأكثر أهمية هو أن أعضاء الناتو الأوروبيين ينفقون ثلاثة إلى أربعة أضعاف ما تفعله روسيا على الدفاع كل عام. في الواقع، تنفق ألمانيا وفرنسا معاً أكثر مما تنفقه روسيا، وتوجه روسيا بعض ما تنفقه للدفاع على شرق الأقصى، وترسانتها النووية الكبيرة، ومشاركتها في أماكن مثل سوريا.
مقارنة بين القوة العسكرية لروسيا والاتحاد الأوروبي
القوة البرية
لدى الاتحاد الأوروبي: 6700 دبابة، و48971 عربة قتال مصفحة، و5804 مدافع و1069 نظام إطلاق صاروخي متعدد.
بينما لدى روسيا: 15400 دبابة ، 31300 عربة قتال مصفحة، و10597، و3793 نظام إطلاق صاروخي متعدد، حسب احصاءات 2017.
يظهر هنا تفوق عددي واضح لصالح روسيا في الأسلحة البرية، ورغم تقادم كثير من أسلحة الجيش الروسي مقابل جيوش دول الاتحاد الأوروبي، فإنه يجب ملاحظة أن هناك عملية تحديث متسارعة من قبل روسيا، إضافة إلى أن كثيراً من دول شرق أوروبا الأعضاء في الناتو تحديداً، تعاني من تقادم أسلحتها وكذلك أوكرانيا شريك الناتو الاستراتيجي.
القوات الجوية
لدى الاتحاد الأوروبي: 6751 طائرة من بينها مجموعة من الطائرات المقاتلة الرائدة مثل الرافال والتايفون يورو فايتر، والإف 16 إضافة إلى بدء بعض الدول في شراء مقاتلات إف 35.
لدى سلاح الجو الروسي: 3100 طائرة مقاتلة من بينها مقاتلة متعددة الأدوار من طراز Sukhoi-35 وطائرة اعتراضية من طراز MiG-31.
يرى تقرير Foreign Policy أن أوروبا لديها القدرة الأساسية لردع الهجوم الروسي في أوروبا الشرقية وهزيمته في نهاية المطاف. حتى اليوم تمتلك بريطانيا وفرنسا رادعاً نووياً خاصاً بهما، وتنتج الصناعات الدفاعية الأوروبية بعضاً من أفضل الأسلحة التقليدية في العالم، بما في ذلك الدبابات والمدفعية من الدرجة الأولى، وصواريخ جو-جو الرائعة، والسفن السطحية والغواصات المتقدمة، والمقاتلات المتطورة. الطائرات.
تظهر هذه الأرقام أن الاستعدادات الدفاعية لأوروبا لديها القدرة الأولية للدفاع عن نفسها، بدون حتى الدور الأمريكي.
لماذا تستطيع روسيا التفوق على أوروبا؟
على الورق يبدو هناك نوع من التكافؤ بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، حيث تتفوق روسيا في المدرعات وتتفوق أوروبا في الطيران، إضافة إلى خاصة في ظل وجود القوات الأمريكية في أوروبا والشراكة المفترضة مع أوكرانيا.
ولكن الجغرافيا والسياسة تلعبان لصالح موسكو، فالمناطق الأوروبية المتاخمة لروسيا هي الأضعف، منطقة البحر الأسود حيث أكبر دولها أوكرانيا أرضها محتلة بالفعل من قبل موسكو، ومنطقة البلقان مفتتة ويوجد فيها نفوذ روسي تاريخي يتجدد، ولكن نقطة الضعف الرئيسية هي منطقة البلطيق، التي تضم نحو 6 ملايين نسمة مقابل نحو 150 مليوناً لروسيا.
يتوقع المحللون أن أي غزو روسي سيستهدف الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي، حيث تكون قوات الحلفاء هي الأضعف على الأرض. دول البلطيق -إستونيا ولاتفيا وليتوانيا- معرضة للخطر بشكل خاص، حسبما ورد في تقرير لمجلة Forbes الأمريكية.
على الرغم من تفوق الناتو في الجو، لا يمكن للحلف أن يوقف المدرعات الروسية.
وعبر عدة ألعاب حرب باستخدام مجموعة واسعة من المشاركين الخبراء الذين يلعبون في كلا الجانبين، فإن أطول مدة استغرقتها القوات الروسية للوصول إلى ضواحي تالين عاصمة أستونيا، وريغا عاصمة لاتفيا، هي 60 ساعة.
في المقابل، فإن الدول الأوروبية الكبيرة نسبياً والقوية عسكرياً، وهي فرنسا وإيطاليا وألمانيا بعيدة نسبياً عن روسيا.
ففي حال أي غزو روسي لأوروبا سواء استهدف الاتحاد الأوروبي أو أوكرانيا، فإذا لم تتدخل الولايات المتحدة التي بدأت تتوجه بالفعل نحو آسيا لمنافسة الصين، فإنه من المستبعد أن تحارب الدول الأوروبية الكبيرة مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا من أجل الدول الصغيرة المتاخمة لروسيا، والتي بدورها كلها أضعف كثيراً من روسيا ولو تحالفت معاً، وحتى لو انضمت بولندا إليها وهي دولة متوسط القوة والحجم ومتاخمة لجيب كالينغراد الروسي، ولديها مخاوف تاريخية من روسيا.
ألمانيا تفضل الغاز عن الدبابات
وألمانيا تحديداً التي يمكن أن تمثل القوة العسكرية الموازنة لروسيا خاصة أن لديها صناعة عسكرية عملاقة لاسيما في مجال الدبابات التي تتميز بها موسكو.
ولكن برلين لديها حساسية تاريخية من عملية إعادة بناء قوتها العسكرية، وهي أكثر الدول التي سعت لعدم التصعيد مع روسيا بعد ضم القرم، سواء خوفاً من توتر لا يمكن السيطرة عليه في شرق أوروبا أو خوفاً من تأثر مصالحها المشتركة في مجال الطاقة مع روسيا.
وقد أصبحت السياسات المتحفظة على تعزيز التسلح جزءاً من التوجهات الألمانية السياسية الداخلية سواء بسبب الدوافع الأخلاقية أو المالية.
بينما فرنسا فعلياً تساعد روسيا عبر اختلاق عداوات وهمية لأوروبا
أما فرنسا العضو الوحيد في الاتحاد الأوروبي الذي يمتلك أسلحة نووية، كما أنها أكثر الدول الأوروبية الكبرى تشدقاً بالدعوة لبناء دفاع أوروبي مشترك والحديث عن السيادة الأوروبية، فهي في حقيقة الأمر بعيدة تماماً عن روسيا ولا تشعر بخطرها بل في واقع الأمر باريس تغازل موسكو بل كادت تبيع لها حاملتي مروحيات قبل إلغاء هذه الصفقة التي تعد الأولى في تاريخ العلاقة بين أوروبا وروسيا قبل إلغائها بسبب ضم روسيا للقرم.
بل على العكس تحاول باريس جر أوروبا بعيداً عن دواعي القلق الواقعية من روسيا إلى معارك فرنسا الانتخابية والأيديولوجية والاستعمارية مثل الخلاف مع بريطانيا وتركيا، حتى إن باريس أرسلت طائرات وسفناً لإجراء مناورات مع اليونان ضد تركيا وتتحدث عن بناء قاعدة في اليونان، وتحاول تنصيب أنقرة شريك الناتو والراغبة في الانضمام للاتحاد الأوروبي عدواً لأوروبا، رغم أنه من الواضح أن تركيا تريد أن تكون شريكاً لا خصماً للاتحاد الأوروبي.
كما أن درجة اختلال التوازن العسكري بين اليونان وتركيا الموجود لصالح الأخيرة، لا يقارن بالاختلال الهائل بين موسكو وجيرانها الأوروبيين ولكن باريس تتجاهل الثغرة الاستراتيجية الموجودة لصالح روسيا بل تسعى أحياناً للتحالف معها مثلما حدث في ليبيا؛ حيث ساهمت السياسات الفرنسية الداعمة لحفتر في توطيد النفوذ الروسي في البلاد التي تمثل خاصرة أوروبا الجنوبية.
ماذا تريد روسيا من أوروبا؟
من المهم محاولة فهم ماذا تريد روسيا من أوروبا، حيث تسعى موسكو تحت قيادة بوتين إلى تحقيق عدة أهداف في أوروبا. أولاً، يسعى الكرملين إلى مجال نفوذ روسي- أو “مجال من المصالح المتميزة”، كما سماه ديمتري ميدفيديف عندما كان رئيساً لروسيا في عام 2008- في دول الاتحاد السوفييتي السابق، مع استثناء جزئي ومحتمل لدول البلطيق.
لا يسعى بوتين إلى إعادة بناء الاتحاد السوفييتي، لأن الاقتصاد الروسي غير مستعد لدعم اقتصادات دول الاتحاد السوفييتي السابق الأخرى. ما تريده القيادة الروسية من جيرانها هو أن يذعنوا لموسكو في القضايا التي يعرّفها الكرملين على أنها مفتاح للمصالح الروسية. وهذا يشمل العلاقات بين تلك الدول والمؤسسات مثل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، حسبما ورد في تقرير لمركز Brookings الأمريكي.
يعني ذلك أنه لن يكون هناك في الأغلب غزو روسي لأوروبا، بل التلويح بهذه الورقة من قبل بوتين، إضافة لورقة الطاقة لتحقيق نفوذ ومكاسب لروسيا في أوروبا، المشكلة أن سكوت أوروبا عن هذا الأمر قد يؤدي لتمادٍ روسي، في المقابل فإن أي محاولة للتصدي للتنمر الروسي، قد تؤدي إلى محاولة موسكو استخدام ورقة التهديد بغزو بعض الدول الأوروبية، وهو تهديد قد يخرج عن السيطرة.
عربي بوست
اقرأ أيضا: ما هو حجم استثمارات طهران في سوريا؟