هدر في المال العام يقدر بالمليارات لصالح مستثمرين في حلب
إذا ما سألت الحلبي عن أي الأشياء التي كوت قلبه خلال العقد الأخير يُخيل لك أن جوابه سيكون تقسيم المدينة لشرقية وغربية، أو المعارك الدامية التي حصدت أرواح الكبار والصغار التاريخ الإنساني، أو الحصار الخانق، لكن الحلبي وبكل ما يملكه من قدرة على اجتراح الحلول لن يجيبك سوى “الفساد.. لا شيء سواه”.
وفي هذا السياق، حصل فريق تلفزيون الخبر على معلومات تفيد بأن هنالك عملية هدر في المال العام تقدر بالمليارات تمارس في قضية مؤسسة “النخيل التعلمية الخاصة”.
أصل الحكاية.. بدأت الحرب: اهرب
بدأت الحكاية مع إنشاء مؤسسة تعليمية خاصة في حلب تدعى “النخيل” بعقد بين مجموعة مستثمرين من القطاع الخاص ونقابة المعلمين (خزانة التقاعد).
ومع بداية الحرب على سوريا وتشكل ملامح أزمة اقتصادية قادمة على البلاد، قرر اثنان من المستثمرين أن “ينفدوا بجلدهم” ويفسخوا العقد.
وقام هذان المستثمران، بالفعل، بالمطالبة “بالتحكيم” ليتم فسخ العقد وتقاسم الحقوق بين الأطراف.
وهو ما تم فعلاً حيث أقيم التحكيم وحُكم للمستثمرين بحصصهم من تعويض تكاليف البناء وفوات المنفعة المقدرين بمليارات الليرات، لكن القرار بقي بانتظار المرحلة النهائية من التحكيم والمسماة “اكساء القرار” ليكسب صفته التنفيذية.
القرار ..
وفق الوثائق التي حصل عليها فريق تلفزيون الخبر فإن هيئة التحكيم رأت أن الجهة طالبة التحكيم (خ.ح) والجهة طالبة التدخل بالتحكيم (م.ك وموكليه) يستحقون كامل حصتهم من تعويض تكاليف البناء بحسبان انهما قاما بإنشاء المدرسة كاملة ولم تتكلف خزانة تقاعد المعلمين أي مبلغ مالي.
أما فيما يتعلق بتعويض فوات المنفعة فالهيئة رأت أن يكون للجهتين نسبة 65% من تعويض الفوات و35% لخزانة تقاعد المعلمين.
وبناءً على ما رأته هيئة التحكيم (بالوثائق) فإن الجهة طالبة التحكيم ستحصل على مليار و364 مليون و490 ألف ليرة كتعويض تكاليف البناء و83 مليون و240 ألف و711 ليرة كتعويض فوات المنفعة.
أما الجهة طالبة التدخل بالتحكيم فلها 2 مليار و46 مليون و141 ألف ليرة كتعويض تكاليف البناء و124 مليون و861 ألف و66 ليرة كتعويض فوات منفعة.
وكلفت هيئة التحكيم استناداً للوثائق الجهة طالبة التدخل بالتحكيم والجهة طالبة التحكيم بدفع أتعاب التحكيم وقدرها 100 مليون ليرة وقام كل منهما بدفع السلفة المقررة.
وفي منطوق الحكم (الذي تضمنته الوثائق)، في البند الثاني منه تم اعتبار العقد موضوع النزاع مفسوخاً مع أحقية الجهة المحتكم ضدها (خزانة تقاعد المعلمين) باستلام المدرسة بكامل مرافقها ومحتوياتها.
كما ألزمت الهيئة، الجهة المحتكم ضدها بدفع حصص تعويض تكاليف البناء وفوات المنفعة لكل من الجهة طالبة التدخل بالتحكيم والجهة طالبة التحكيم وفق البندين 3 و4.
بعد التحرير وعودة الأمان .. إن عدتم عدنا
كشف مصدر مطلع على حيثيات القضية لتلفزيون الخبر أنه “مع عودة عجلة العمل بعد التحرير وارتفاع الأقساط المدرسية للملايين (لعب الشيطان) بعقل الجهة الخاصة المستثمرة (المطالبة بالتحكيم) فحاولت تأخير عملية (اكساء القرار) حتى يتسنى لها الحصول على حصتها من الأقساط المدرسية التي تتجاوز المليار ليرة سنوياً مع العلم أنها دفعت سلفة التحكيم لتذهب الدعوى لمحكمة الاستئناف حتى يصدر الحكم النهائي”.
وتابع المصدر “المفترض في الوضع الطبيعي بعد الحكم للمستثمرين أن تعود حصتهم للنقابة وألا يتم تحويل أي قسط دراسي لهم، بل تذهب الأقساط لخزينة النقابة ومنها لخزينة الدولة إلا أنهم مازالوا يتقاضون الأقساط وبمبالغ ضخمة”.
وثيقتان قد تشيران إلى تورط النقابة
تمكن فريق تلفزيون الخبر أثناء بحثه في خبايا القضية التوصل لوثيقتين تشيران إلى احتمال وجود تواطؤ بين نقابة المعلمين والجهة (المطالبة بالتحكيم).
وجاءت الوثيقة الأولى موقعة من رئيس المكتب التنفيذي لنقابة المعلمين بتاريخ 16 تشرين الثاني 2021 وبرقم 5282/1 كرد على كتاب (طالبة التحكيم) التي أرادت منه أن تثبت أنها مازالت مستثمرة بالمدرسة لتحصيل الأقساط متجاوزة بذلك صدور حكم هيئة التحكيم بفسخ العقد موضوع النزاع مع خزانة تقاعد المعلمين وهو ما حصلت عليه فعلياً على الرغم من معرفة النقابة بحيثيات القضية كلها.
أما الوثيقة الأخرى، كانت عبارة عن كتاب سابق صادر عن نفس الجهة (نقابة المعلمين)، حيث أجابت فيه النقابة على تساؤل من قبل وزير التربية حول مصير العقد بقولها إن العقد مع المستثمرين قد أصبح مفسوخاً بموجب القرار التحكيمي الذي يُعد “مبرماً”
وكان هذا الكتاب صدر في الشهر الخامس من العام الجاري أي بعد شهر تقريباً من صدور قرار التحكيم، وقبل 6 أشهر من “الوثيقة” التي تم منحها ل”طالبة التحكيم” لتتمكن من الحصول على الأقساط .
رأي قانوني ..
ورأى خبير في القانون، فضل عدم الكشف عن اسمه، لدى عرض الوثائق عليه، ما يلي:
من تفحص وثائق الملف، يمكن القول أن التحكيم تم على أكمل وجه، وتمثل فيه الخصوم بشكل صحيح وتم تبادل الدفوع وإجراء الخبرة اللازمة ومن حيث النتيجة الوصول إلى قرار يحسم النزاع بشكل كامل وذلك على يد قضاة مشهود لهم بالخبرة والنزاهة والسمعة الطيبة.
وتبع ذلك إيداع القرار التحكيمي بديوان محكمة الاستئناف حسب الأصول لإكساء القرار التحكيمي صيغة التنفيذ وذلك ضمن المواعيد والمهل القانونية وبعد دفع الرسوم والنفقات والأتعاب.
ولكن لا يوجد أي مبرر لبقاء القرار معلقاً حتى هذا الوقت بدون اكتسائه لصيغة التنفيذ، خصوصاً أن دور محكمة الاستئناف في هذه الحالة هو دور إجرائي بحت غايته التثبت من التقيد بالقانون والأصول والتمثيل وهي مسألة لا تحتاج الكثير من الوقت مهما كان جدول المحكمة مزدحماً.
في الجانب الآخر هناك تناقض غير مبرر وغير مفهوم ومثير للشبهات يبرز من خلال كتابين صادرين عن نقابة المعلمين، حيث أجابت النقابة على تساؤل من قبل السيد وزير التربية حول مصير العقد بقولها أن “العقد مع المستثمرين قد أصبح مفسوخاً بموجب القرار التحكيمي الذي يُعد مبرماً”.
وكان هذا الكتاب صدر في الشهر الخامس من العام الجاري، أي بعد شهر تقريباً من صدور قرار التحكيم في حين خاطبت النقابة إحدى المستثمرين بكتاب تقول فيه أنهم لا يزالون شركاء في استثمار مجمع النخيل بموجب العقد الموقع فيما بينهم.
هذا التناقض وبالتزامن مع إطالة غير مبررة لإجراءات إكساء قرار التحكيم صيغة التنفيذ أعطت الفرصة للمستثمرين لاستجرار مبالغ هائلة بحجة استمرار عقد الاستثمار فيما بينهم حتى الآن ولابد من التحقيق في هذه الواقعة من قبل الأجهزة الرقابية والتوصية باسترداد المبالغ المصروفة للمستثمرين بغير وجه حق.
جعفر مشهدية – تلفزيون الخبر
اقرأ ايضاً:محافظ سوري: حبوب البذار الأمريكية تحمل وباء النيماتودا المدمر