رئيسي القادم إلى دمشق.. أيّ آفاق لمستقبل غرب آسيا؟
أحمد الدرزي
تأتي زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد الثانية له إلى طهران، والأولى له بعد مجيء إبراهيم رئيسي إلى سدة الرئاسة الإيرانية، تحضيراً لزيارته المتوقعة إلى دمشق قبل نهاية هذا العام، في أجواء ملبَّدة بالعواصف، بفعل الاختناق الحاصل لجميع القوى الإقليمية والدولية في محاولاتها للخروج من المآزق الكبيرة، إثر المتغيرات الكبيرة والمستمرة على مجمل معادلات الصراع المستمرة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1991، فأي صورة مرتقبة لمستقبل المنطقة الممتدة من إيران إلى شرق المتوسط ومضيقي هرمز وباب المندب؟
بعد ما يزيد على عقدٍ كاملٍ من بدء اضطرابات المنطقة العربية، والتي ظهرت أهدافها الحقيقيَّة ضمن إطار المشروع الأميركي لمواجهة الصين وروسيا واستعادة إيران إلى إطار أهداف السياسة الأميركية، وصل صانع القرار في واشنطن إلى نتيجة أساسية عنوانها العجز عن الوصول إلى أهدافها الكبرى في كيفية الحفاظ على نظام القطب الواحد، وضرورة التخفف من أعباء السياسات التي اتبعها في منطقة غرب آسيا، فكان لا بد من محاولة استيعاب إيران بالعودة إلى الاتفاق النووي، وتخفيف الضغوط عن الدول العربية التي تريد العودة إلى دمشق، استباقاً لمتغيرات إقليمية قادمة، نتيجةً للانكفاء الأميركي المستمر على مستوى الداخل الأميركي، وعلى مستوى العالم، إذ برزت التحديات الصينية الروسية وارتفاع تهديدات صعود هاتين الدولتين على مكانة الولايات المتحدة، وعلى مستقبل النظام المالي الحالي.
على الرغم من عمل الإدارة الأميركية على محاولة بناء نظام إقليمي جديد، وما يتطلّب من العودة إلى الاتفاق النووي، والاعتراف بفشل تغيير النظام السياسي في سوريا، والفشل في إسقاط صنعاء بعد سيطرة “أنصار الله” عليها، تورّطت واشنطن بمواجهة القوى المتضرّرة من الخيارات الأميركية الجديدة، وهي القوى التي تعتبرها حليفة لها، فكانت “تل أبيب” الأكثر قلقاً جراء هذه التحولات، وما يمكن أن تتركه من آثار سلبية عميقة في فقدان دورها الإقليمي الوظيفي، فاستخدمت أدوات الضغط التي تمتلكها لتعطيل العودة إلى الاتفاق النووي في مفاوضات فيينا السابعة التي انتهت بالتعادل السلبي.
لم يخرج الاتحاد الأوروبي وبريطانيا من هواجس القلق مما يجري على المستوى العالمي، وخصوصاً الصعود الروسي، وقدرة موسكو على مواجهة التهديدات المحيقة بها في أوكرانيا وسوريا وأفغانستان، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الصين التي تهدد بمشروعها “مبادرة الحزام والطريق” الهيمنة الغربية المتعاقبة على مسارات السياسة والاقتصاد العالمي على مدى أكثر من قرنين من الزمن، بل تعتبر بروكسل ومعها بريطانيا أن التهديد الصيني هو الأكبر، ما دفعها في خطوتين متلاحقتين إلى الإعلان عن سياسات الاتحاد؛ الأولى كانت بطرح مشروع طريق الحرير الأوروبي الذي من المفترض أن يبدأ من أفريقيا بقيمة 300 مليار يورو، والآخر كان في اجتماع بروكسل الذي شهد تشدّداً للاتحاد الأوروبي وبريطانيا في الموقف من الانفتاح الأميركي العربي الجزئي على سوريا، والعمل على استمرار كل أشكال العقوبات الاقتصادية والسياسية.
ولَم يأتِ هذا الموقف المتشدد من منطلقات إنسانيّة حقوقيّة، بل انطلاقاً من موقع سوريا الجيوسياسي في الصراع الإقليمي والدولي، وخشية أن تصل الصين إلى شرق المتوسط، كما وصلت موسكو، مع ما يعنيه ذلك من تهديدات للمصالح الاقتصادية الأوروبية ومكانتها في العالم.
لم ينتظر محور الدول والقوى المُهدَدة أميركياً وإسرائيلياً نتائج العودة المتشددة للسياسات الغربية، فبادر إلى التصعيد العسكري في سوريا، وقام بإطلاق الصواريخ على موقع “كونيكو” شرق الفرات، وعلى مناطق التواجد الأميركي في التنف، وبدأ بالهجوم الكبير على مدينة مأرب في اليمن، وما يعنيه ذلك من دلالات على طبيعة المرحلة القادمة، التي انتقلت فيها المفاوضات الدبلوماسية والأمنية إلى مرحلة المفاوضات بالنار، لإجبار الأميركيين على الخروج من العراق وسوريا، واتصال شرق المتوسط بمنظومة شنغهاي.
في هذه الأجواء الملبّدة، ستأتي زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي القادمة إلى دمشق، في الوقت الذي لم يحسم البلدان قرارهما النهائي في توجهاتهما السياسية نحو الغرب، وما زالا يراهنان على إمكانية إقامة علاقات طبيعية مع دول الاتحاد الأوروبي بشكل أساسي، وعلى بريطانيا والولايات المتحدة، لإقامة نوع من التوازن في علاقاتهما بين الشرق والغرب، فعلى الرغم من وضع مذكّرة الشراكة الاستراتيجية بين الصين وإيران لمدة 25 عاماً، فإنها لم تُعرض على مجلس الشورى كي يصادق عليه.
كما أنَّ دمشق لم تحسم قرارها النهائي بالانضمام إلى مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، على الرغم من الاندفاعة الصينية الكبيرة نحوها، بسبب القلق من موقف غربي حاد وكبير ينعكس مزيداً من الضغوط على السوريين بمزيد من العقوبات، إضافة إلى ما سيترتب من ذلك من آثار على استمرار اقتصاد الظل، الَّذي لا تستطيع التعامل معه بغياب تشريعات اقتصادية جديدة محفّزة للعمل الاستثماري الصيني.
من المتوقّع أن تؤدي هذه الزيارة إلى المزيد من التنسيق بين البلدين على كل المستويات العسكرية والاقتصادية والسياسية، بما يدفعهما أكثر من أيّ مرحلة إلى تشكيل نظام إقليمي جديد هو أقرب إلى المشروع الصيني العالمي، إضافةً إلى المشروع الأوراسي. كل ذلك يتطلَّب معالجات داخلية ذات طابع تغييري حقيقي في سوريا بالذات، كي تكون على مستوى المتغيرات القادمة من موقع الشريك فيها.
الميادين