كأن هذه الجيوب صارت المصدر الوحيد لتلك الإيرادات دون أن تفكر الحكومة بقنوات استراتيجية لتوريد القطع بعيداً عن جيوب المواطنين، وعليه قيدت تحويلات المغتربين، وفرضت تصريف مئة دولار على السوريين القادمين من الخارج عبر الحدود، ورفعت سعر دولار بدل الخدمة الإلزامية، واستوفت ضرائب البيوعات العقارية قبل إتمام هذه البيوعات، وقيدت سقف السحوبات من المصارف السورية!.. وأبطلت اعتماد الوكالات المنظمة لدى الكاتب بالعدل بالنسبة للسحوبات المصرفية!!، كل ذلك أشعر أو لنقل أكد للمواطن أن الهدف هو ” تجفيفه تماماً من السيولة “، تلك الإجراءات النقدية والتي توصف بغير الصحيحة تتزامن مع التداعيات المستمرة للأزمة السورية كانعدام السياحة وتراجع الصادرات وغير ذلك من المصادر التقليدية لرفد الخزينة بالعملات الأجنبية.
الجزء المفقود من الحوالة:
يقول نهاد.ر : يرسل لنا أخي المقيم في كندا مبلغاً شهرياً مابين ١٥٠ إلى ٢٠٠ دولار ، وفي حال أراد إرساله عبر أحد مكاتب التحويل عليه دفع عمولة في البلد المقيم به ، كذلك يقتطع المكتب عمولة أخرى من هذه الحوالة التي نستلمها بالليرة السورية حسب سعر الصرف الرسمي الذي يقل حالياً بفارق أكثر من ألف ليرة سورية عن السعر في السوق السوداء ، في حين كان الفرق أكثر بكثير في الأعوام الماضية.
بينما حدثنا أبو عصام : يعمل ابني المقيم في ألمانيا على إرسال المال لي بطرق أخرى عبر أشخاص قادمين للزيارة ، أو يعطي المال لأحد السوريين الموجودين هناك وأقوم أنا بأخذ مايعادله بالليرة السورية من ذويه الموجودين في سوريا ، وعندما يتعذر عليه ذلك، يرسل الحوالة عبر مكاتب الحوالات بسعر الصرف الرسمي مع ما يشكله من خسارة جزء لابأس به كان كفيلاً بمساعدتنا على تغطية احتياجاتنا المعيشية .
فيما لم يرق للكثيرين سؤالنا عن طريقة وصول تحويلات أقاربهم المغتربين، واكتفوا بالقول أنها مبالغ صغيرة بالكاد تكفي متطلباتهم المعيشية العادية في ظل غلاء مستفحل.
تعامل الحكومة مبهم مع تحويلات المغتربين:
يشير الخبير المصرفي عامر شهدا في حديث للمشهد الى ان الجانب المهم في الموضوع لا يكون من خلال مجاراة الحكومة لسعر الصرف الرائج، بل بإيجاد قناة مستمرة لتوريد القطع وتمويل المستوردات.
ويرى شهدا بأن تعامل الحكومة مع تحويلات الاغتراب مبهم جداً، رغم أنها تكاد تكون المصدر الوحيد من القطع الأجنبي، وهي مهمة جداً في ترميم الاحتياطات النقدية الحكومية من القطع الأجنبي، وتقدر بأربعة مليارات يورو سنوياً، وبكل أسف لايدخل الخزينة السورية إلا جزء يسير جداً منها وبشق النفس.
ويضف شهدا: “ان لتلك الحوالات دور كبير في دوران العجلة الاقتصادية ورفع مداخيل الأسر السورية وزيادة الاستهلاك ، وعندما يسعر مصرف سوريا المركزي الدولار بأقل من السعر الرائج فإن عمليات تحويل الأموال ستتم بطرق غير شرعية وستذهب هذه الدولارات للمضاربين في السوق الموازية، ومهما شددت الحكومة من الإجراءات الزجرية إلاّ أنها لاتكفي لوحدها في كبح جماح سعر الصرف بل يجب وجود احتياطي قوي من العملات الأجنبية لدى المصرف المركزي .
اقتراح بتسليم الحوالة الخارجية بقطعها الأجنبي:
ويقترح “شهدا” تسليم الحوالات كما هي بقطعها الأجنبي، مؤكداً بأن ذلك لن يؤثر سلباً على سعر الصرف بل سيسهم بتوفر القطع في السوق السورية بدلاً من إغراقها بالسيولة من الليرات السورية، متسائلاً: “هل يعقل أن تضيق الحكومة على ذلك المغترب الذي يكد ويشقى كي يدخر ويرسل لذويه في الداخل السوري لتحسين مستوى معيشتهم وعيشهم بالحد الأدنى من الاكتفاء!!!؟
وبحسب “شهدا” عندما تلزم الحكومة الناس باستلام حوالاتهم الخارجية بالليرة السورية وحسب سعر صرف المصرف المركزي، فإن ذلك سيدفع المغتربين للالتفاف على تلك الإجراءات وإرسال تلك الأموال بطرق عدة تصب كلها في غير مصلحة الخزينة، لافتاً الى آن تلك الأموال ” تحول من الخارج وإلى الخارج ، أي إلى دول مثل تركيا ، الإمارات ولبنان ، إذ أن العديد من التجار السوريين يتعاملون مع مكاتب تحويل الأموال في تلك الدول.
فوات المنفعة:
ووفقاً لـ”شهدا” تعتمد طرق تسليم تلك الأموال على رسائل الواتس بوجود أمانة يتوجب استلامها، وهكذا يلتقي المسلّم والمستلم بسرية ودون معرفة مسبقة، ولكن المستلم يأخذ ما أرسله له أقاربه بالليرة، وهكذا فالقطع الأجنبي لم يدخل حتى إلى السوق السورية، في حين لو سمح مجلس النقد والتسليف السوري بتسليم الحوالة الصغيرة التي قد لاتتجاوز ( ١٥٠ ) يورو كما هي إلى صاحبها ، فلن يتاجر أو يضارب بها بل سيصرفها في السوق المحلية ويزداد العرض من النقد الأجنبي وسينخفض سعر صرفه أمام الليرة السورية ويتوقف تضخمها، وسيتقلص الفارق بين السعرين الرسمي والرائج، كذلك سيستفيد المصرف المركزي من عمولات الحوالات مايدفع المواطن إلى صرف حوالته عبر المصارف السورية وبالتالي سيتوفر للحكومة إيرادات تمول بها المستوردات وماإلى ذلك، مقدراً مبلغ العمولة على الحوالات بـين ٣٥ إلى ٤٠٪ من قيمتها، داعياً الحكومة للتفكير بطرق أخرى بدلاً من التضييق على المواطنين.
مخاطر..
يذكر ان الحكومة السورية تتشدد في مسألة التعامل بغير الليرة السورية ما قد يعرض مستلمي الحوالات لعقوبات قاسية جراء التعامل مع الطرق او القنوات غير الرسمية، ففي حال ضبطوا خلال عملية الاستلام، او على فرض استلموا حوالاتهم بالقطع الاجنبي، وارادوا فيما بعد تصريفها في السوق الموازية، او حتى مبادلتها بسلع او خدمات، سيطبق بحقهم عقوبات نص عليها المرسوم رقم ٣ الذي يمنع التعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للدفع والتداول المالي في سوريا، حيث تصل تلك العقوبات الى السجن لمدة ٧ سنوات مع الاشغال الشاقة، اضافةً لغرامة مالية بما يعادل مثلي قيمة المدفوعات أو المبلغ المتعامل به أو المسدد أو الخدمات أو السلع المعروضة، وتحكم المحكمة بمصادرة المدفوعات أو المبالغ المتعامل بها أو المعادن الثمينة لصالح مصرف سوريا المركزي، كما تنص المادة الثانية من المرسوم بانه لا يجوز إخلاء السبيل في مثل هذه الجرائم.
المصدر: المشهد
اقرأ أيضا: انعطافة إماراتية تجاه كل من إيران وسوريا