من هو بطلك الخارق الذي تفضله عن بقية هؤلاء الأبطال؟ وما هي القوة الخارقة التي تتمنى لو تود امتلاكها؟ ما الذي تغرم به في أولئك الخارقين؟ أتصور أنك لا يمكن أن تفوت أي فيلم جديد يعرض لبطلك الخارق المفضل. حتى إذا تركنا الخيال وتناولنا الواقع، فمن المؤكد أننا نعرف تلك الخصال في الأشخاص الذين نقتدي بهم ونراهم مثلاً أعلى في حياتنا ونتمنى أن نتحلى بنفس خصالهم. ومن منا لا يحب قصص النجاح والإنجازات المدهشة التي يحققها الأبطال الذين نتتبع أخبارهم، ولكننا نبقى في حياتنا العادية أسرى الخوف من الفشل، و نفضل المضي في تلك الدروب التي مهدها غيرنا حتى أضحت آمنة خالية من المخاطر والمفاجآت.
هل يحضرك موقف كنت تهم خلاله في القيام بأمر وأثناك عنه الخوف من الفشل وخشية المخاطرة، أو شلت فيه الشكوك حركتك وقدرتك على الفعل؟ ربما تمنيت، بينك وبين نفسك، لو أنك أكثر جرأة وإقداماً، أشد قوة وأعمق حكمة، أو أنك بطل خارق أو أحد هؤلاء الذين تعدهم مثلاً عليا وتعرف أنه لو في مكانك لتصرف بطريقة مختلفة كلها جسارة وقدرة على تحدي المخاطر. جميعنا هذا مررنا بتلك اللحظات، وإن اختلفت التجارب، والبعض منا يجد في موقف كهذا حافزاً كي يتقمص شخصية ذلك البطل الخيالي أو الشخص الذي يتمنى أن يكونه. يسمي علم النفس هذه الحالة بـ “تأثير الأنا الثانية”، حيث تتبدى شخصية مغايرة من مكنون نفسك لتكون لها اليد العليا. أعتقد أنك سمعت مثل هذا التوصيف من قبل؛ كل ما عليك هو أن تتذكر شخصية “كلارك كِنت”؛ أجل، ذلك الصحفي المرتبك قليل الحيلة، الذي يتعثر حتى وهو يكتب، ويتلعثم كلما تكلم. ولكنه ما أن يجد العالم في أزمة حتى يتحول إلى شخصية مغايرة تماماً، وكل ما يحتاجه هو كشك هاتف، حتى يخرج منه سوبرمان. نحن هنا أمام نموذج “أنا ثانية”؛ حيث الأنا الأولى هي كلارك، والتي تستعين بالأنا الثانية كال-إيل (كما هو اسمه في كوكبه كريبتون) كلما وجدت نفسها في أزمة.
افترض معي أن كلارك هو الشخص الحقيقي، وأن سوبرمان هو الأنا الثانية. لقد أدرك كلارك أنه كي ينقذ العالم وكي يكون البطل الذي يصبو الجميع إليه؛ فإن عليه الاستعانة بشخص آخر، خلاف كلارك، وأنه بحاجة إلى أن يكون سوبرمان. عندما تكون في مثل هذا الموقف وتحتاج إلى أنا ثانية، عليك أن تسأل نفسك، ماذا سيفعل فلان [وفلان هنا هو مثلك الأعلى أياً كان] في مثل هذا الموقف. وسوف يساعدك طرح هذا السؤال على نفسك في تحديد مجموعة المهارات المناسبة والتي عليك أن تتسلح بها عند أداء أي مهمة أو القيام بأي عمل.
ندرك من تجاربنا في أرض الواقع أن الأمر ليس سهلاً أبدًا، وأن لدى كل منا طبقات وثنايا في هويتنا نستعين بأي منها اعتمادًا على ما نقوم به أو نريد القيام به ووفق الساحة التي نجد أنفسنا فيها. أي أن المسألة تتعلق بتلك الطبقة التي نبرزها من شخصيتنا وتلك التي نفضل أن تبقى في ثنايا الكتمان بداخلنا. وهكذا نجد أن الشخصية التي نظهر بها أمام عائلاتنا في المنزل مغايرة لتلك التي نستخدمها في المكتب وفي أي وسط رسمي، والعكس صحيح. وأحياناً ما نجد صعوبة في التكيف مع بعض خصائص تلك الشخصية واختلافها من بيئة إلى أخرى، حتى أننا نشعر ببوادر فشل ذلك التكتيك. وسوف أضرب لك مثلاً هنا من حياتي. فأنا أعتبر نفسي شخصية موضوعية للغاية في العمل ولا آخذ الأمور على محمل شخصي أبدًا، بينما أعجز عن التحلي بذلك في حياتي الشخصية، وقد بذلت الجهد حتى أتحسن في هذا الصدد تحديداً، لكن “أنا حياتي الشخصية” ما زلت تفتقر إلى الكثير من الموضوعية مقارنة بـ “أنا حياتي العملية”.
يتناول مؤلف كتاب “تأثير الأنا الثانية” The Alter Ego Effect فكرة وجود تلك الأنا وكيف يمكن أن تكون نقطة قوة في حال تمت إدارتها جيدًا بغية تحقيق أفضل النتائج ومواجهة تحديات الحياة. ومع ذلك، سيكون من الأفضل أن تبدأ بعد تحديد تلك الغاية. أي حدد طموحاتك أو أهدافك أو النتيجة المتوقعة بوضوح، ومن ثم ابدأ من تلك النقطة، بوضع خطة للوصول إلى أهدافك وتعيين العواطف والمهارات والمعتقدات والخصائص التي تحتاج إليها حتى تصل إلى مبتغاك. وكن على دراية بشخصية الأنا المتغيرة التي تحتاج إلى إبرازها لأجل تنفيذ خطتك.
كما يتحدث الكتاب عن القوى الخفية التي تقف في وجه الأنا الثانية وتمنعها من الظهور، فيجب أن تتحلى بوعي وإدراك ذاتي قوي لتكون مستعدًا للتصدي لهذه القوى.
● عدم الثقة بالنفس
● المبالغة العاطفية
● الشعور بعدم الأمان أو الشك في قدراتك
● التفكير المفرط
● والأسوأ من ذلك كله هي “متلازمة المحتال”، حيث لا تؤمن في أعماق ذاتك بنفسك حتى أنك لا تأخذ أي شيء تفعله على محمل الجد، وفي هذه الحالة لن تصل إلى أي نتيجة
وجود رسالة واضحة لحياتك هو ما يرسخ فيك الإحساس القوي بالهدف، وهو ما يساعدك في تحديد شخصية الأنا الثانية الأمثل للموقف وبالتالي استخدامها بالطريقة الصحيحة. وكلما كان إيمانك برسالتك أقوى، كلما كان من الأسهل التكيف مع الأنا الثانية. ويضرب الكتاب مثلاً بالمغنية الشهيرة بيونسيه؛ فهي شخصية هادئة خجولة في الحياة الواقعية، لكن لديها إيمان قوي بما تريد أن تصل إليه، لذلك كان عليها أن تبتكر أنا ثانية ساعدتها في أن تكون بيونسيه التي نعرفها جميعًا. أما الاسم الذي اختارته لتلك الأنا الثانية فهو ساشا فيرس. تقول: “ابتكرت شخصية أخرى؛ تقوم بحركات استعراض على خشبة المسرح من المحال أن أفعلها في حياتي العادية. ومن خلالها، أكشف عن أمور في ذاتي لا يمكن أن أفصح عنها في أي مقابلة. أعيش ما يسمونه بتجارب خارج الجسد [وأنا على خشبة المسرح]. حتى أنني لو آذيت نفسي أو أصبت فلن أشعر بذلك. من خلالها، أكون شجاعة للغاية، حتى أنني لا أشعر بوجهي أو بجسدي” (بيونسيه، مقابلة مع مجلة ماري كلير، أكتوبر 2008).
من هي شخصيتك التي تختارها لتكون أنا ثانية بداخلك؟ آن أوان التفكير في هذا الأمر. حدد الشخصية، فكّر في شخصية خارقة، أو نموذج تحتذي به في حياتك؛ رياضي أو شخصية عامة أو أياً كان، وامتلك تفاصيل تلك الشخصية وتمرس عليها جيدًا، وكأنك ستلعب دورها على خشبة مسرح. ولا علاقة لها بالطبع بشخصيتك الحقيقية، فهي ما تريد أن تكون عليه خلال موقف ما أو عند القيام بمهمة بعينها، وأنت هنا لا تعد من قبيل المنافقين ولا المدعين الذين يتظاهرون بما ليس فيهم. كل ما في الأمر أنك تتواءم مع نسخة أفضل من ذاتك بغية إنجاز مهمة، وحتى تستعصي على الكسر أمام أي تحدي أو مخاطر. وإن تطلب الأمر أن تدخل في عقلك كشك هاتف لترتدي زي “سوبر هيرو” وتستعد للمهمة، فليكن. وتيقن من أنه مهما كانت الشخصية التي تظهر بها فإنها كانت بداخلك من الأصل.. كانت في ثنايا ذاتك طوال الوقت، وأنها كانت تنتظر اللحظة السانحة للصعود على مسرح الحياة. وبها تتحول إلى بطل ضد الكسر.
فمن هو بطلك الخارق؟
بقلم: راكان طرابزوني
*استلهمت هذا المقال من قراءة كتاب تود هيرمان “تأثير الأنا الثانية” The Alter Ego Effect
اقرأ ايضا: السورية للتجارة: سنطرح الألبان والأجبان بفارق 1,500 ل.س عن السوق