السوريون يهربون من أربيل إلى بغداد: الرمد أحسن من العمى
منهل الصغير
بمجرد الدخول لغرفةٍ مظلمةٍ تبدأ الأعينُ من تلقاء نفسها بالبحثِ عن أي مصدرٍ للنور يشبعُ رغبتها حتى وإن كان ثقباً صغيراً يروي عطشها، هكذا هو حالُ بعض السوريين الذين رأوا في مدينة أربيل العراقية ثقبَ النور الصغير الذي يكسر عتمَ بلادهم.
أربيل الواقعة في إقليم كردستان بالعراق ليست سوى محطةٍ مؤقتة لمعظم المسافرين بقصد العمل فيها، وذلك لثلاثة أسبابٍ مهمة أولها أن سعر الفيزا السياحية والإقامة فيها رخيصة الثمن مقارنة مع غيرها، فسعر الفيزا مع الإقامة السنوية يصل إلى 700 دولار أمريكي فقط، وإصدارها سريع جداً على عكس العاصمة العراقية بغداد التي يبلغ سعر فيزتها المتعددة لمدة سنة حوالي 2000 دولار مع التريث في منحها نتيجة التمركز الضخم للسورين فيها.
أما السبب الثاني، فهو الموقع الجغرافي المهم للإقليم، ولكن ليس كما تعلمناه سابقاً في كتب الجغرافية، فهو ليس صلة وصل بين القارات وليس له منافذ بحرية، ولكنه يتمتع بحدود مهمة تشرف على تركيا وباقي المحافظات العراقية، مما يسهل عملية الهرب منه إلى بغداد أو تركيا.
السبب الأخير لكون هذا الإقليم محطة مؤقتة، هو كثرة العمالة السورية، مما سبب انخفاضا في أجور العمل، حيث يصل راتب العامل السوري شهرياً إلى 250 دولار فقط.
التهريب من أربيل
بمبلغ 450 دولار يمكن للسوري الحصول على فيزا شهرية، إضافة إلى تذكرة طائرة من دمشق إلى أربيل، وبعدها أما العمل براتب زهيد في أربيل أو اختيار وجهة جديدة للهرب، فالبعض يختار تركيا والبعض الآخر يفضل الهرب إلى بغداد.
في حالة قرار الهروب إلى بغداد، فإن هناك مهربين مختصين يقومون بنقل ثلاثة أشخاص من أربيل إلى بغداد مقابل مبلغ يصل حتى 300 دولار عن الشخص الواحد.
بمجرد الوصول إلى مطار أربيل يذهب الشخص الراغب في الهروب إلى أحد الفنادق للاستقرار ريثما يتم إعطاءه الموعد المحدد للتحرك من قبل المهرب، وذلك بعد الاتفاق على السعر.
أول نقطة تفتيشية تابعة للأكراد تقع في منطقة “التون كوبرو” وهي صلة الوصل بين محافظة كركوك والإقليم، إلا أنه يمكن العبور من نقطة للحرس للحدودي التابع للأكراد بسهولة دون الحاجة إلى إبراز أي وثيقة تثبت شخصيتك، ولكن هذا لا يعني زوال الرهبة والخوف.
وبعد تخطي النقطة الأولى، تعقبها النقطة الأمنية الأكثر خطورة، والتي تتمركز عند مدخل محافظة كركوك، وهنا لابد من إبراز جميع الوثائق الشخصية، وأي شخص يحمل إقامة إقليم كوردستان وليس عراقياً يعتبر دخوله غير شرعي، ويتعرض للسجن والترحيل خارج البلاد، فخروج السوريين من أربيل أمر مرغوب للإقليم على عكس بغداد الذي تعاني من كثرة العمالة الأجنبية وتحرص على منع الهجرة غير الشرعية إليها.
في بغداد
بعد اجتياز عشرات الحواجز الأمنية ووصولك إلى بغداد تبدأ رحلة البحث عن العمل والأمان، مع محاولة الحصول على إقامة ضمن العاصمة، لأن وجودك يعتبر غير شرعي، وهنا تبدأ العروض وعمليات النصب تنهال عليك، فالحصول على إقامة يتم فقط عبر طريقتين؛ الأولى من خلال هيثة الاستثمار العراقية عبر عقد عمل، أو عن طريق الزواج بعراقية.
العمل في بغداد براتب 400 دولار أمريكي شهرياً، وفي ظل حماية رب العمل يعتبر بمثابة استقرار للعامل السوري، خاصةً وأن معاملة العراقيين في كافة المحافظات مع السوريين تختلف عن المعاملة في الإقليم، فالشعب العراقي بجميع أطيافه يتعامل بأسلوب العطف ورد الجميل مع السوريين.
قد يبدو العراق بلدا غير مرغوب لكثيرين، لا سيما وأن ابناء البلد هم ضحايا حروب أيضا، وهم أنفسهم يحاولون الهروب إلى الخارج باستمرار، ولكن كما يقال “أن تضيء شمعة خير من أن تلعن الظلام” ففي الوضع الراهن تبقى العراق ملاذا أفضل من فقر سورية الأسود، على الرغم من الأوضاع الاقتصادية الصعبة السائدة.
هاشتاغ