الجمعة , نوفمبر 22 2024

لماذا تنهار الليرة التركية بهذه السرعة الفائقة؟ وهل يستمر هبوطها؟

لماذا تنهار الليرة التركية بهذه السرعة الفائقة؟ وهل يستمر هبوطها؟

تضاعف سعر صرف الليرة أمام الدولار، منذ بداية العام الجاري، وبقول آخر فإن العملة التركية فقدت نحو 50% من قيمتها خلال الإثنى عشر شهرا الماضية، لتبلغ مستوى غير مسبوق من ذي قبل.
عند مرحلة ما من تعاملات اليوم الجمعة، تراجعت العملة التركية بنسبة 8% لتبلغ مستوى 17.07 ليرة لكل دولار واحد، وهو مستوى قياسي منخفض، ويأتي بفعل الضغوط التضخمية وجهود خفض الفائدة.
لوضع خسائر العملة التركية في سياق أكثر وضوحا، فإن قيمتها بلغت 7.43 ليرة لكل دولار واحد بحلول الأول من يناير/ كانون الثاني لعام 2021، أي قبل 12 شهرا تقريبا.
ماذا وراء هذا السقوط المدو؟
تأتي خسائر الليرة الفادحة لهذا العام، في ظل ارتفاع التضخم بشكل سريع، والأسوأ من ذلك، أنه بالنسبة للاقتصاد التركي ككل؛ يخشى المستثمرون والاقتصاديون أن الأمور قد تزداد سوءا قبل أن تتحسن.

في البلد الذي يقطنها 84 مليون نسمة، تجاوز معدل التضخم مستوى 21%، في ظل رفض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لرفع الفائدة، وهو الإجراء الذي يرى اقتصاديون أن من شأنه احتواء ارتفاع الأسعار التي تؤدي بطبيعة الحال إلى تأكل القدرة الشرائية للعملة المحلية.

بالأمس، قرر البنك المركزي التركي خفض سعر الفائدة الرئيسي إلى 14% من 15%، ما دفع العملة المحلية إلى التراجع السريع إلى مستوى قياسي متدن جديد. أعقب ذلك قرارا برفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 50% لامتصاص بعض الضغوط عن المواطنين.
سياسة استثنائية
يجادل الرئيس أردوغان بأن أسعار الفائدة المرتفعة هي ما يزيد من التضخم، في حين أن المعدلات المنخفضة ستؤدي إلى انحسار التضخم، وهو اعتقاد يخالف ما شهدته الاقتصادات حول العالم عبر التاريخ، بحسب تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال”.
كما أن خفض الفائدة يتعارض بالفعل مع ما فعلته معظم البنوك المركزية في الأسواق الناشئة الأخرى هذا العام، حيث بلدان مثل روسيا والمكسيك والبرازيل أسعار الفائدة لمحاربة التضخم وتجنب ارتفاع قيمة الدولار مقابل عملاته المحلية، وهو أمر لا يحد من القدرة الشرائية للمواطنين فقط، وإنما يجعل سداد ديون العملات الأجنبية أكثر تكلفة.
ليست الأسواق الناشئة فقط هي ما يستهدف رفع الفائدة لاحتواء الضغوط التضخمية، حيث رفع بنك إنجلترا سعر الفائدة بالأمس بشكل مفاجئ لامتصاص التضخم الخارج عن السيطرة، كما ألمح الفيدرالي الأمريكي إلى رفع الفائدة 3 مرات خلال العام المقبل لنفس السبب.
آلاف الأتراك يتظاهرون وسط إسطنبول ضد غلاء الأسعار ويطالبون الحكومة بالاستقالة – سبوتنيك عربي, 1920, 12.12.2021

أقال أردوغان تقريبا كل مسؤول اقتصادي عارض هذه السياسات، بما في ذلك مسؤولين في وزارة المالية والبنك المركزي، وهناك القليل من الإشارات على أنه سيغير رأيه. دعا مستثمرون واقتصاديون أردوغان بإلحاح، إلى عكس مساره، بحسب شبكة “سي إن بي سي”.
من جانبه قال ويليام جاكسون، كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في “كابيتال إيكونوميكس”: “لا نرى صانعي السياسة يتطلعون إلى عكس المسار، في محاولة لإعادة المستثمرين إلى أماكنهم”.
يقول أردوغان أيضا، إن انخفاض قيمة الليرة جاء نتيجة “مؤامرات” تحاك ضد البلاد وليس بسبب السياسة الاقتصادية، مشيرا إلى أن بلاده اتخذت مسارا “محفوفا بالمخاطر ولكنه صحيح” من خلال خفض أسعار الفائدة على الرغم من انخفاض الليرة بشكل حاد.
كيف أثرت هذه السياسات؟
بحسب “وول ستريت جورنال” أدت سياسة خفض أسعار الفائدة إلى انهيار قيمة الليرة، والتي أصبحت إلى حد كبير واحدة من أسوأ الاستثمارات في العالم لهذا العام.
عندما تكون أسعار الفائدة أقل من معدل التضخم، يشعر رجال الأعمال والمستهلكون والمستثمرون الأجانب بالقلق، لأن هذا يعني تآكل القوة الشرائية.
الأسوأ من ذلك، أن العملة التي تضعف بسرعة، يمكن أن تخلق دوامة تضخمية مهلكة، لأنها ترفع تكلفة الواردات الرئيسية مثل الغذاء والطاقة.

بالنظر إلى الوضع الراهن، نما التضخم في تركيا بنسبة 21.3% بالضبط في الشهر الماضي، مقارنة بما كان عليه قبل عام، وهذا المستوى أكثر بمقدار 7.3 نقطة مئوية عن معدل الفائدة المعلن يوم الخميس.
بقول آخر، فإن معدل الفائدة الحقيقية (الفارق بين معدلي التضخم والفائدة) يبلغ سالب 7.3%، ما يعني أن حتى الأموال المستثمرة في البنوك تتآكل بفعل الفائدة المنخفضة والتي لا تستطيع تعويض ارتفاع الأسعار.
نقاط ضعف مقلقة
عندما تعرضت الليرة للضغط في عام 2020، تمكن البنك المركزي التركي من إدارة انخفاض قيمتها عن طريق اقتراض العملات الأجنبية من البنوك المحلية والكيانات الأخرى وبيع تلك الأموال في السوق لشراء الليرة.
وأدى هذا إلى استنفاد العملات الأجنبية التي تمتلكها تركيا في خزائنها، حيث يُقدر أن لدى البنك المركزي التزامات أكثر من الأصول التي يمتلكها، وفقا لتقرير “وول ستريت جورنال”.
يخشى البعض من أن الحلقة الضعيفة في أزمة العملة الحالية هي القطاع المصرفي التركي، حيث أنه اعتبارا من سبتمبر/ أيلول، كان عليه 83 مليار دولار من الديون الخارجية مستحقة السداد في الأشهر الـ12 المقبلة، وفقا لبيانات البنك المركزي التركي.
تاريخيا، كانت البنوك قادرة على تجديد هذه القروض مع الدائنين الأجانب، مما يعني أنه ليس عليها استخدام احتياطياتها من العملات الأجنبية، لكن الآن يتطلع الاقتصاديون لمعرفة إذا كان المقرضون الأجانب سيسمحون للبنوك التركية بتجديد الدفعة الكبيرة التالية من القروض المستحقة في الربيع.

هناك مصدر قلق رئيسي آخر؛ هو هروب المواطنين من الليرة، حيث أصبح ما يقرب من 60% من الودائع المصرفية الآن بالعملات الأجنبية، وفقا لبيانات “كابيتال إيكونوميكس”.
تجبر الزيادة المفاجئة في طلبات السكان الأتراك لسحب الدولار، البنوك على استهلاك احتياطياتها من العملات الأجنبية أو أن تفرض الحكومة ضوابط على رأس المال تحد من قدرة المواطنين على سحب العملات الأجنبية.