الجمعة , نوفمبر 22 2024

28 عدواناً على سوريا خلال عام.. ما حدود التدخل الروسي؟

28 عدواناً على سوريا خلال عام.. ما حدود التدخل الروسي؟

لم يخرج القصف الجوي الإسرائيلي الجديد على الأراضي السورية، الليلة الماضية، عن سياق طويل من الاعتداءات التي تضمّنت سبعة وعشرين هجوماً خلال العام الحالي.

هجمات جوية، تتمّ غالباً من خارج المجال الجوي السوري، جرت جميعها ليلاً، باستثناء استهداف منطقة الديماس غربي دمشق، والذي جرى قبل ظهر 30 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وشاهده سكان ضاحية قدسيا من شرفات منازلهم، وقبلها اغتيال الأسير السابق مدحت صالح بأسلحة رشاشة في عين التينة، في 16 تشرين الأول/ أكتوبر. كما تتشابه آلية التصدي لتلك الاعتداءات مع الاعتماد على استخدام منظومات الدفاع الجوي، التي “أسقطت أغلبية تلك الصواريخ”، بحسب البيانات العسكرية الرسمية، من دون الذهاب إلى استهداف الطائرات ذاتها، أو الرد في الداخل الإسرائيلي.

جغرافياً، تركّزت تلك الهجمات على المنطقة الجنوبية، وهو مصطلح يضم أربع محافظات، هي القنيطرة ودرعا والسويداء وريف دمشق، واستهدفت غربي حمص والبادية واللاذقية. وفي التعليقات النادرة، التي يُصدرها الإسرائيليون بشأن تلك العمليات، جرى الحديث عن استهداف مواقع لحلفاء دمشق أو قوافل نقل سلاح إيراني، أو حتى استهداف شخصيات، كما جرى في اغتيال مدحت صالح في موقع عين التينة قرب منزل كان يبنيه، ويطلّ على قريته مجدل شمس المحتلة.

لا معلومات دقيقة عن حجم الدمار، ويُفهَم ذلك من الحساسية الأمنية للمواقع المستهدَفة. لكن الأخطر والأكثر استفزازاً، كما بدا واضحاً للسوريين، كان في استهداف ميناء اللاذقية، رئة البلاد الاقتصادية ومتنفَّسها مع العالم، في الـ 7 من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وعلى بعد نحو 15 كم فقط من قاعدة حميميم، أهم قواعد الحليف الروسي في سوريا، الأمر الذي سلّط الضوء مجدداً على موقف موسكو تجاه الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا.

على الأرض، لم يحرّك الروس ساكناً في كل الاستهدافات الإسرائيلية للأراضي السورية. أقصى ما يمكن تسجيله هو تصريحات سياسية حديثة، أطلقها المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتيف، خلال مؤتمر عودة اللاجئين المنعقد في دمشق في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. قال الرجل، رداً على سؤال لأحد الزملاء بشأن الاعتداءات الإسرائيلية، إنّ بلاده ترفض بصورة قاطعة هذه “الأعمال اللاإنسانية”، داعياً إلى احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها ووقف عمليات القصف هذه.

أكثر من ذلك، اعتبر الأكاديمي المخضرم أنّ الردّ، عبر استخدام القوة، “غير بنّاء”، لأن لا أحد يحتاج إلى حرب في أراضي سوريا. الموقف ذاته كان عبّر عنه وزير الخارجية سيرغي لافروف، خلال لقائه نظيره في حكومة الاحتلال الإسرائيلي يائير لابيد في موسكو في أيلول/ سبتمبر الماضي. حذّر الوزير، بعد إعلانه التمسك بأمن “إسرائيل” من تحويل أراضي سوريا إلى ساحة حرب لتصفية الحسابات بين دول أخرى. الرئيس فلاديمير بوتين، بدوره، كان أكثر وضوحاً خلال لقائه رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينيت، في الـ 22 من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عبر الإشارة إلى “مسائل خلافية مع الجانب الإسرائيلي، وعددها ليس قليلاً في شأن سوريا”.

مواقف روسية عريضة توضح، إلى درجة كبيرة، مقاربة موسكو في مواجهة الغارات والاستهدافات الإسرائيلية للأراضي السورية، بصرف النظر عمّا إن كان ذلك يستهدف مواقع للجيش السوري، أو أهدافاً لحلفائه، وهي الأكثر، الأمر الذي يجعل التعويل على أي ردّ روسي، كما جرى الأمر في العدوان الإسرائيلي على اللاذقية، مستبعَداً إلى درجة كبيرة، انطلاقاً من تلك المواقف المعلَنة على الأقل، ومن الكلام الأقرب إلى الاستنتاجات والتحليلات بشأن تنسيق روسي إسرائيلي دائم وأشبه بـ”آلية منع التصادم العسكري بينهما في الأراضي السورية”. وهو ما جرى التوصّل إليه بعد تحطّم طائرة إيل – 20، “الإيليوشن”، الروسية، بصاروخ سوري، أدى إلى مقتل 18 جندياً روسياً، خلال غارات طائرات “أف – 16” تابعة للاحتلال الإسرائيلي، استهدفت منشآت في الساحل السوري في أيلول/سبتمبر 2018.

وفق ذلك المنظور، لا يمكن توقع أبعد من ضغوط سياسية روسية على الإسرائيليين في أحسن الأحوال لوقف تلك الاعتداءات. ويصبح الحديث والتكهّن بشأن استخدام الدفاعات الجوية الروسية لوقف تلك الهجمات غير واقعيَّين. معطيات يدركها الإسرائيليون أكثر من غيرهم، الأمر الذي يفسر، في المقابل، تكثيف تلك الغارات والاعتداءات التي يبلغ معدلها اعتداءين شهرياً، إن عبر الغارات المباشِرة، أو عبر الاستهداف الصاروخي البعيد نسبياً.

هي المعادلة التي تفرض تعاطياً مغايراً لوقف العدوانية الإسرائيلية، أو من أجل جعلها مكلفة على الأقل، إن باستهداف الطائرات المهاجمة، وتمكّنت الدفاعات السورية من إسقاط طائرة “أف – 16” إسرائيلية فوق الجليل في شباط/ فبراير 2018 بعد تنفيذها غارات داخل سوريا، أو حتى بالرد داخل “العمق الإسرائيلي”، ووصل بالفعل صاروخ سوري إلى قرب ديمونة في نيسان/أبريل الماضي. وفي الحالتين، يحتاج أيُّ تعاطٍ جديد مع العدوان الإسرائيلي إلى تنسيقٍ عالٍ مع حلفاء دمشق.
الميادين