دائماً كنا نقول .. ولا نزال .. وسوف نستمر بالقول بأن الحكومة تمتلك من السلطات والصلاحيات ما يمكّنها من القدرة على فعل الكثير” إن أرادت ” .
فهي قادرة بمنظورنا كمواطنين أن تحل الكثير من الأزمات الخانقة ” إن لم تكن قادرة على حلها بالكامل ” وتنهيها بدلاً من تركها تطوّق حياتنا بكل هذه المرارة والقساوة. مفضلة الاختباء وراء الحصار والعقوبات، لتبرر لنفسها مختلف أشكال التقاعس، وحالات الاستهتار وعدم الاهتمام. في حين لا يحتاج الأمر منها سوى إلى وضع هذه الأزمة أو تلك على الطاولة. وذلك للبحث الجاد في تفاصيلها وآثارها وصولاً إلى الإجراءات التي يمكن اتخاذها على الأرض . واتخاذ القرارات الصارمة بتطبيقها كي نحظى بحلول حقيقية تنهي الأزمة فعلياً بعيداً عن الوعود والتسويفات ومبررات الحصار والمصاعب.
إن العمل بالاعتقاد الراسخ بأن ( الأزمة فرصة ) بعيداً عن مجرد القول والتأكيدات والشعارات، ونسج القرارات على منحى الفرصة لرؤية الهدف والتسديد عليه فعلياً يساهم إلى حدٍّ كبير في إيجاد الحلول.
وقد تحتاج الحلول إلى بذل الكثير من الجهود الصادقة، والإمكانات الكبيرة والخبيرة، فلِمَ لا ..؟ .وما الذي يمنع أو يعيق ذلك ..؟!.
لاسيما وأن المسؤولين في مطبخ القرار يمتلكون فعلياً إمكانات كبيرة، ويمتازون باختصاصات مميزة وخبرات عالية . ويحيرنا ذلك السر الذي يقف وراء تعطيل تلك القدرات والإمكانات والاختصاصات .. ويذهلنا ماذا ينتظرون ..؟!.
غير أن بعض تلك الحلول لا تحتاج إلى جهود صعبة، ولا إلى استثمار الاختصاصات ولا حتى الإمكانات، إنها تحتاج إلى القليل من التأمّل والتفكير غير العميق فقط . كحل مشكلة البطالة التي قررت الحكومة – على ما يبدو – التصدي لها بأيسر السبل، وقد رأينا كيف كان التعاطي مع هذا الأمر ممكناً بسهولة سواء فشل أم نجح، من خلال ثلاثة مناحي.
المنحى الأول :
كان فاشلاً بامتياز وهو الاهتمام بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة وإطلاقها أمام رواد الأعمال ليجدوا مشروع حياتهم وينطلقون. غير أن هذا الأمر اصطدم – كما هو مصطدم منذ سنوات بعيدة – بمعضلة التمويل المشروطة دائماً بضمانات مرهقة. ولا تعترف تعليمات البنوك بالمشروع – الذي يمكن لرائد الأعمال أن يُقيمه – كضمانة فذهب ذلك الاهتمام أدراج الرياح عند أغلب الروّاد لأنهم عاجزون عن توفير تلك الضمانات. وقد أقالت الحكومة نفسها – حتى الآن – من البحث عن حل جاد وإيجاده وإقراره لإطلاق هذه المشاريع . و التي تكمن وراءها مرتكزات كبرى لإنعاش الاقتصاد الوطني، ومرتكزات أكبر للقضاء إلى حد بعيد على مشكلة البطالة.
المنحى الثاني :
حتى الآن يبدو ناجحاً، وهو المتمثّل باستهداف نحو / 85 / ألف عاطل عن العمل، من خلال إعلان وزارة التنمية الإدارية عن تلك المسابقة المركزية الكفيلة بإيجاد فرص عملٍ لهم في مؤسسات الدولة ومن مختلف الاختصاصات، وعلى الرغم من أهمية هذه المسابقة فهي عملياً لن تفعل شيئاً يُذكر أمام الأعداد المتضخمة من الشباب والشابات الذين يدخلون إلى سوق العمل سنوياً، ليُراكموا هذا الكم الهائل من الشبان المنتظرين، وليزداد وضع البطالة تفاقماً، حيث تشير بعض الإحصاءات الصادرة عن مراكز أبحاث غير سورية إلى أن مستوى البطالة تفاقم عندنا حتى وصل إلى نسبة تتراوح بين 50% إلى 80% في حين أن هذه النسبة لم تكن أكثر من 14,8 % في عام 2010.
والمصيبة هنا أن الإحصاءات الوطنية الرسمية عن البطالة غائبة كلياً وتقتصر على التوقعات، على الرغم من أن هذا الأمر يندرج ضمن قدرات الحكومة وإمكانياتها .. ولكنها لا تفعل.
المنحى الثالث :
على الأرجح سيكون ناجحاً ومؤثراً إلى حد كبير في تخفيض مستويات البطالة. وهو الذي يتمثل بالقرار الأخير لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بالترخيص لمكاتب تشغيل خاصة تعمل على إيجاد فرص عمل في الداخل والخارج. فهذه المكاتب ستتلقى طلبات من الجهات التي لديها فرص عمل بأنها تحتاج إلى هذا القدر من الموظفين والعمال باختصاصات معينة. كما ستتلقى تلك المكاتب طلبات أخرى من العاطلين عن العمل لتقوم مكاتب التشغيل الخاصة بالتشبيك بين الطرفين.
هذه المبادرة ستكون أهم من المسابقة المركزية ذاتها على الأرجح، لأنها مرشحة لاستقطاب أعداد كبيرة من الشباب وعلى مدى طويلٍ لا ينقطع. وهي أهم من ذلك الاهتمام الحكومي المزعوم بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
قادرة ولا تفعل
بالنهاية نقول بأن الحكومة قادرة على فعل الكثير إن أرادت، وغير صحيح أنها عاجزة. فالفرق كبير بين الإهمال وعدم الاكتراث المنتج للعجز، وبين العجز الناجم عن فقدان الحيلة والقدرة .. وهاكم الأمثلة في تلك المناحي الثلاثة.
سنسيريا – علي محمود جديد
اقرأ أيضا: جمباز حكومي