السبت , نوفمبر 23 2024

قطيعة بين موسكو و«قسد»

قطيعة بين موسكو و«قسد»

علاء حلبي

توقّفت المفاوضات بين روسيا و«قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، بعد موقف «متعنّت» أظهرته الأخيرة، التي انساقت مجدّداً خلْف الموقف الأميركي، محاوِلةً فرْض شروط مسبقة على أيّ حوار مع دمشق، بينها «عدم المساس بالإدارة الذاتية»، و«الحفاظ على هيكليّة قسد». شروطٌ قابلتها كلّ من دمشق وموسكو بالرفض، لتبدأ على إثر ذلك سلسلة من التقلّبات في موقف مسؤولي «قسد»، بالتزامن مع عودة النشاط الأميركي إلى الساحة السورية، وتمديد بقاء القوّات العسكرية، وتوقيع الرئيس الأميركي، جو بايدن، على قرار لـ«ضمان حصار دمشق»

بنبرة حادّة، عاد وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، مرّة أخرى، إلى تأكيد عزم دمشق على استعادة جميع الأراضي السورية، ومن بينها المناطق التي تسيطر عليها «قسد»، موضحاً أن المشكلة «أنّنا نتّفق معهم على شيء، وعندما يعارضه الأميركي يرفضونه»، وذلك في لقاء تلفزيوني هو الثاني له خلال أقلّ من شهرين. المقداد، الذي جدّد القول إن «تركيا تحتلّ أراضٍ سوريّة وعليها المغادرة»، خصّص جزءاً كبيراً من حواره للحديث عن واشنطن «التي تعمل مع قسد على سرقة ثروات الشعب السوري»، مشدّداً على أن «سوريا لا يمكن أن تقبَل بفصْل ولو ذرّة تراب عن أرضها، وعليهم عدم المراهنة على واشنطن، فهذه الأرض الغالية لكلّ السوريّين، وسنُعيد الأمن والاستقرار إلى كلّ المناطق التي تُسيطر عليها التنظيمات الإرهابية والميليشيات الانفصالية».

كلام الوزير السوري جاء بعد أيام من حوارٍ أجراه نظيره الروسي، سيرغي لافروف، أفرد جزءاً منه للحديث عن الموقف الأميركي في سوريا، وعن انقلاب موقف الأكراد إزاء الجهود الأخيرة للدفْع نحو طاولة المفاوضات. إذ اعتبر أن على الأكراد «أن يدركوا أن الأميركيّين في نهاية المطاف سينسحبون، وهم يواجهون هناك حاليّاً مشاكل أكثر (من الفوائد)، بما في ذلك مخيّم الرّكبان ومنطقة بعرض 55 كلم حول قاعدة التنف، حيث يحاولون فرض قواعدهم لكنهم عاجزون على أرض الواقع عن ضمان استمرارية عمل هذه الهياكل، واحتشد هناك العديد من المجرمين والإرهابيّين في صفوف النازحين». وأضاف أن «الأهداف الحقيقية (لوجود عسكريّي الولايات المتحدة في سوريا) واضحة، ولم يُخفِها بشكل عام الأميركيّون أنفسهم، إذ أحكموا سيطرتهم على الهيدروكربونات والحقول النفطية والأراضي الزراعية في شرق الفرات، وشرعوا في التشجيع على الانفصالية الكردية فيها بكافة الوسائل. إنه أمر معروف للجميع»، متابعاً أنه «يتعيّن على الأكراد أنفسهم، لاسيما ذراعهم السياسية المتمثّلة بحزب الاتحاد الديموقراطي ومجلس سوريا الديموقراطية، أن يقرّروا نهجهم».
في المقابل، بدأت نبرة حديث مسؤولي «قسد» تتّخذ منحى أكثر حدّة خلال الأيام الماضية، حيث هاجمت الرئيسة المشتركة لـ«مجلس سوريا الديموقراطية» (مسد)، الذراع السياسية لـ«قسد»، دمشق، واتّهمتها بعرقلة الحوار نتيجة رفضها الشروط المسبقة المتمثّلة بالحفاظ على «الإدارة الذاتية»، كما على التشكيل العسكري لـ«قسد» منفصلاً عن الجيش السوري.

بدأت نبرة حديث مسؤولي «قسد» تتّخذ منحى أكثر حدّة خلال الأيام الماضية

ويأتي هذا الموقف، المنحاز بشكل كامل إلى الولايات المتحدة، بعد جولة محادثات أجراها مسؤولون أميركيّون مع مسؤولين من «قسد»، أكّدوا خلالها لهم استمرار وجودهم في سوريا، داعين إيّاهم إلى الانكفاء عن أيّ محادثات مع روسيا. وعلى إثر ذلك، وقّع الرئيس الأميركي، جو بايدن، مشروع القانون «1605» لتفويض الدفاع الوطني للسنة المالية 2022، والذي تضمّن عدة نقاط تتعلّق بسوريا، من بينها تخصيص مبلغ 177 مليون دولار للوحدات المقاتلة ضدّ تنظيم «داعش»، يذهب الجزء الأكبر منه إلى «قسد». كما دعا المشروع إلى «التقصّي عن ثروة الرئيس السوري، بشار الأسد، وأسرته خلال مدّة لا تتجاوز 120 يوماً»، و«تقييم جهود الولايات المتحدة لمنْع التطبيع مع الحكومة السورية، إلى جانب منْع عودة سوريا إلى الجامعة العربية». وعلى الرغم من كون المبلغ المذكور يُعتبر منخفضاً مقارنة بالأعوام السابقة (200 مليون دولار عام 2021، و300 مليون عام 2019)، إلّا أنه مثّل إشارة بالنسبة إلى الأكراد حول جدّية بقاء القوات الأميركية، بعد النكسة التي تعرّضوا لها خلال فترة حُكم الرئيس السابق دونالد ترامب، والضبابية السابقة في موقف بايدن، بالإضافة إلى رفض واشنطن تمرير قانون لـ«تمكين الإدارة الذاتية اقتصادياً». والظاهر أن هذه الإشارة أسهمت في دفْع الأكراد نحو القطيعة مع روسيا، ما تسبّب بنسْف الجهود الروسية الأخيرة.

المقداد: نتفق مع «قسد» على شيء وعندما يعارضه الأميركي يرفضونه

واقترنت عودة النشاط السياسي والعسكري الأميركي في سوريا بحجّة «محاربة داعش»، بنشاطات استعراضية أميركية، من بينها عودة تسيير دوريات في مناطق على تماس مع مواقع سيطرة الفصائل المدعومة تركياً، بالإضافة إلى إجراء مناورات وتدريبات مشتركة مع مقاتلي «قسد»، ومسلّحي «مغاوير الثورة» الذين يتمركزون في منطقة التنف التي تتمركز فيها القوات الأميركية أيضاً، على المثلّث الحدودي مع العراق والأردن. وحمَل هذا النشاط العسكري الأميركي المتزايد، روسيا، بدورها، على تعزيز حضورها العسكري في المناطق الشمالية الشرقية من سوريا، حيث أرسلت تعزيزات عسكرية إلى مناطق عديدة، من بينها مطار القامشلي، وعين عيسى في محافظة الرقة، بالإضافة إلى تنشيط الدوريات المشتركة مع تركيا، الأمر الذي أرجع المنطقة الشرقية مرّة أخرى إلى مرحلة التسابق العسكري – بعد فترة من الانكماش الأميركي والتمدّد الروسي -، وأعاد إنعاش «الأحلام الكردية».
الأخبار اللبنانية