أفول العام الأول من عمر إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، واحتفاله بعيد ميلاده الـ 78، لا يبشّران ببداية مميّزة في العام الجديد، وخصوصاً أمام عدم اتّساق وعوده الانتخابية، المفعمة بالتمنيات، مع الأداء الباهت في ملفات حيوية وحساسة، أبرزها تدهور الأوضاع الاقتصادية.
أمامه تحديات متعددة، تتعاظم في أولوياتها وضرورة إيجاد حلول لها، وهو ماضٍ في الإصغاء إلى معسكر الحرب وزيادة ميزانيات وزارة الدفاع، وتهميش برامجه الواعدة سابقاً بشأن ترميم البنى التحتية وبرامج الرعاية الصحية، بسبب الانقسامات الحادة داخل حزبه الديمقراطي.
في العُرف الرئاسي الأميركي، يقبع الرئيس بايدن في أدنى مرتبة بين أقرانه الرؤساء السابقين في جردة العام الأول من ولاياتهم، إذ حصد نسبة 13 تحت الصفر في معدل الأداء الاقتصادي، يليه في المرتبة الثانية الرئيس الأسبق جيمي كارتر بنسبة 8 تحت الصفر. فالتضخم الاقتصادي السنوي لا يزال مرتفعاً بنسبة 6.8% و”يفوق معدلات الأجور”، إذ سيحصل المتقاعدون على زيادة في مخصصاتهم في العام الجديد بنسبة 2-3%.
المقارنة في هذا الشأن لها دلالاتها المميّزة في المستقبل السياسي للرئيس الأميركي، إذ خسر الرئيس جيمي كارتر انتخابات تجديد ولايته أمام منافسه رونالد ريغان على خلفية زيادة معدّلات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة ومعدّلات نمو اقتصادي باهتة.
أمّا “مأساة” ولاية الرئيس بايدن فتتجلّى في “نقص الإمدادات” واللوازم الضرورية لاستمرار عجلة الاقتصاد. وارتفعت أسعار الخبز ومشتقات الحبوب إلى نحو “80% في بعض الولايات الأميركية”، يفاقمها ارتفاع أسعار الطاقة والمحروقات في بداية فصل الشتاء، وما سيتركه هذا الأمر من تداعيات على وجهة الانتخابات النصفية المقبلة.
المستشار الاستراتيجي الأبرز في الحزب الجمهوري، كارل روف، طمأن جمهوره إلى أن الحزب الجمهوري سيستعيد سيطرته على الكونغرس، في مجلسيه، في الانتخابات المقبلة، في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، فالرئيس بايدن “لم يمارس مهمّاته وفق النموذج الليبرالي المعتاد” (صحيفة “وول ستريت جورنال”، 30 كانون الأول/ديسمبر 2021).
كما أن معدّلات تأييد الرئيس بايدن، بصورة عامة، ليست أفضل حالاً. فلقد أشارت استطلاعات الرأي إلى تراجع مقلق في شعبيته إلى سقف 28% بين الناخبين الديمقراطيين، من الفئة العمرية الحيوية بين 18 و35 عاماً، وتفضيل الناخبين المستقلين سيطرة الحزب الجمهوري على الكونغرس بنسبة 45%.
أمّا الفشل الأكبر، بحسب مسؤولين سابقين، فكان في مجال السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وبسبب ترابطها الوثيق بأمنها القومي، من خلال تصعيد حدة التوتر مع كل من الصين وروسيا “في الوقت عينه”، بعد إطلاقه شعاراً من أجل طمأنة حلفاء بلاده، قال فيه إن “أميركا عائدة لتقود العالم”.
وتجاهل البيت الأبيض إحدى ركائز السياسة الخارجية لأسلافه باعتبار “الصين واحدة”، في الحالة الأولى، ودعوته تايوان إلى حضور “قمة الديمقراطية” مطلع الشهر الجاري.
أمّا بالنسبة إلى روسيا، فبلغ تصعيد منسوب التوتر معها معدلات اقتربت إلى نشوب صِدام مسلّح فوق أراضي أوكرانيا بعد توريد واشنطن أسلحة متطورة إلى كييف، وتحريك قطعها البحرية في منطقة البحر الأسود. وأعلنت السفارة الأميركية هناك تسليم أوكرانيا “80 طناً من الذخائر، ونحو 60 مليون دولار مساعدات أمنية” (بيان صادر عن السفارة يوم 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2021).
هو فشل رئاسي بامتياز، أدى إلى تقارب روسيا والصين، بحسب المصادر السابقة، وربما يقود إلى تشكيلهما حلفاً أو شراكة عسكرية متطورة لمواجهة واشنطن، بالتزامن مع تنامي حضورهما في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، على حد سواء، وخصوصاً في ظل توارد أنباء عن إرسال موسكو فريقاً من “المستشارين العسكريين” إلى مالي.
تجدر الإشارة إلى ما تعكسه كبريات المؤسسات الإعلامية الأميركية من قلق داخل دائرة صنع القرار السياسي، من تصاعد متزامن لنفوذ كل من الصين وروسيا في الشؤون العالمية. على سبيل المثال، تناولت صحيفة “واشنطن بوست” الشأن الروسي، في تساؤل له دلالاته، هو: “لماذا تشعر وكالة الاستخبارات المركزية بقلق شديد بشأن روسيا وأوكرانيا؟” (عدد 1 كانون الأول/ديسمبر 2021). وبشأن الصين، قالت الصحيفة إن الرئيس بايدن أبلغ إلى نظيره الصيني، شي جين بينغ، في محادثهما عبر الفيديو، والتي استمرّت 3 ساعات، أنه “يبدو أن مسؤوليتنا، كقادة للصين والولايات المتحدة، ضمان ألاّ تنحرف المنافسة بين بلدينا إلى صراع، سواء أكان ذلك مقصوداً أم غير مقصود، وليس منافسة بسيطة ومباشرة” (عدد 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2021).
الإنجاز الأبرز للرئيس بايدن تمثّل باصطفاف دول حلف الناتو حول توجهات واشنطن “من أجل احتواء” الصين، واعتبارها، مجتمعةً، أن تايوان تشكل مسألة حيوية لمستقبل الحلف، وخصوصاً مكانتها المتقدمة في إنتاج أشباه الموصلات الإلكترونية.
وانضمت قطع بحرية ألمانية وكندية ويابانية وأسترالية إلى الأسطول الأميركي العامل في المحيط الهادئ، الشهر الماضي، “من أجل إجراء مناورات بحرية مشتركة”، كمقدمة لوجود عسكري مطَّرد بالقرب من الشواطئ الصينية.
بيد أن “وحدة موقف حلف الناتو” في مواجهة الصين، لا تقابله وحدة وتصميم أوروبيان في مواجهة روسيا، نظراً إلى اعتماد دول الحلف الرئيسة، وخصوصاً ألمانيا، على تدفق الغاز الطبيعي الروسي بنسبة 35% من أجل ضمان استمرار العجلة الاقتصادية، على الرغم من محاولات واشنطن المتعددة إبدال الغاز الروسي بآخر، من إنتاج أميركا، ولا تتعدى معدلاته 16% من حاجات دول الاتحاد الأوروبي، مع فارق السعر الأعلى لحساب الأميركي. كما أن دول الحلف تشهد ارتفاعاً عالياً في تكلفة الغاز المستورد، بلغت 800% في العام الحالي، بعضه يعود إلى معارضة واشنطن القاسية أنبوبَ الغاز الروسي “نوردستريم 2”.
كما أن توجهات الرئيس بايدن نحو حلفاء بلاده لم تسفر عن ترجمة عملية لوعوده الانتخابية لهم. فبريطانيا واليابان “ما زالتا تنتظران إزالة الضرائب الجمركية على عنصري الفولاذ والألمنيوم”، والتي فرضها سلَفه الرئيس دونالد ترامب، وتقدَّر بمليارات الدولارات، فضلاً عن المكافآت الضريبية التي منحتها إدارته لصناعة السيارات الكهربائية الأميركية، والتي تعارضها بشدة كل من المكسيك وكندا (صحيفة “وول ستريت جورنال”، 30 كانون الأول/ديسمبر 2021).
ونقلت الصحيفة المذكورة، على لسان رئيس “معهد بيترسون للاقتصاد الدولي”، آدم بوزن، انتقاده السياسات التجارية السائدة في ولاية الرئيس بايدن، والتي “تعمل على إرضاء العنصر الذكوري الأبيض في العملية الإنتاجية، وتُفاقِم العلاقات بالحلفاء، وتؤدي إلى ارتفاع أسعار البضائع لدى المستهلكين”.
السؤال الجوهري في واشنطن وعواصم العالم الكبرى، يتمحور حول مستقبل الرئيس بايدن، وهل في استطاعته المضي إلى نهاية ولايته الرئاسية في ظل الأزمات المتعددة، وتراجع أهليته القيادية، والذي لم يَعُد سراً، وخصوصاً أن نائبته كمالا هاريس ما إن تتخطّى مطبّاً حتى تغرق في آخر جديد، الأمر الذي يقلّص مراهنة الحزب الديمقراطي على استمراريتها في منصبها الراهن.
من بين السيناريوهات المتداولة في العاصمة واشنطن، وفي أروقة الحزب الديموقراطي تحديداً، إغراء نائبة الرئيس بالانتقال إلى منصب في المحكمة العليا، الأمر الذي يتيح الفرصة الدستورية للرئيس بايدن في تسمية شخصية بديلة، أو تعيينها في منصب نائب الرئيس، ثم إعلان استقالته من منصبه الرئاسي نتيجة اعتبارات صحية.
السيناريو المذكور ليس مستبعَداً إنجازه في عام 2022. لكن ليس كل ما يتمناه المرء قابلاً للتحقيق في ظرف زماني معين. فالرئيس بايدن يترنّح في أدائه بعد بلوغه عامه الـ78، ويتجنّب عقد مؤتمرات صحافية، وخصوصاً مع رؤساء دول كبرى، كالرئيس بوتين، من أجل تفادي الإحراجات العلنية، الأمر الذي دفع أحد معلِّقي شبكة “فوكس نيوز” إلى القول إن الرئيس بايدن كان يقرأ إجابته عن أحد الصحافيين، والتي لم تتّسق مع هوية السائل أو موضوع سؤاله.
المصدر: الميادين
اقرأ أيضا: عام متعب بمجمله مليء بالأحداث في أوله .. أقرب لتصالح والهدوء في آخره.