تتقاطع التوقعات والمعلومات عن استحالة دوام الحال في منطقة «خفض التصعيد» بإدلب والمناطق المجاورة لها على ما هو عليه منذ تثبيت خطوط التماس إبان «اتفاق موسكو»، وفي ظل سيطرة «جبهة النصرة» الإرهابية بواجهتها «هيئة تحرير الشام» على معظم مساحة المنطقة.
ويذهب مراقبون للوضع في «خفض التصعيد» باتجاه التأكيد على أن ثبات صمود خطوط التماس فيها لـ ٢٢ شهراً، بالتمام والكمال لا يعني إقراراً من الدول الفاعلة والمتحكمة بالملف السوري بشرعنة وجود الإرهابيين المطلوبين عالمياً، وبحكم الفرع السوري لتنظيم القاعدة، والذي ما زال مدرجاً على القائمة الأميركية والأممية للإرهاب.
ويرى المراقبون في تصريحات لـ«الوطن»، أن محاولات النظام التركي تعويم «النصرة» والاعتراف بها، على الأقل من واشنطن، فشلت وستفشل على الدوام لأن خلع الرداء «الجهادي» لمتزعمها الإرهابي المدعو أبو محمد الجولاني إعلامياً، وتوجيه رسائل على أنها تستأصل بعض التنظيمات الراديكالية في المنطقة، لا يكفي لطمأنة دول الغرب من خطر فكر «القاعدة» في رؤوس إرهابييها، وإنما يصب في خانة تقوية نفوذها لفرض وجودها كأمر واقع لا يستقيم مع منطق زرع كيان متشدد ومتزمت في المنطقة ومصدّر لإرهابييه نحو مناطق القلاقل في العالم، كما حدث في أفغانستان.
روسيا، حسب المراقبين، بحاجة إلى تحقيق خرق سياسي في «خفض التصعيد» يحفظ هيبتها ويقضي في مرحلته الأولى بفتح طريق عام حلب- اللاذقية، والمعروف بطريق «M4»، وفق ما نصت عليه بنود «اتفاق موسكو»، على الرغم من مماطلة وتسويف نظام أردوغان وعلى الرغم من انخراطها في جهود التهدئة مع الولايات المتحدة وفي قضايا مهمة في مقدمتها الاستقرار الإستراتيجي والملف النووي والأزمة الأوكرانية.
وما معاودة سلاح الجو الروسي مع مطلع العام الجديد ممارسة الضغط العسكري المستمر، على النظام التركي وعلى الميليشيات المرتبطة به والممولة منه في «خفض التصعيد»، إلا دليل على نية موسكو في إعادة تفعيل الاتفاقيات الثنائية مع أنقرة لتنفيذ بنودها مهما طال أمد إقرارها وتطبيقها، إذ إن من مصلحة الأولى ترسيخ موجبات استقرار الوضع في المنطقة وفتح شريانها الرئيس الذي يربط شمال وشرق سورية بغربها ويدعم اقتصاد البلاد في المرحلة المقبلة، كما يرى المراقبون.
ولفتوا إلى أن الضائقة الاقتصادية التي تعيشها تركيا، والتي يتوقع لها أن تتفاقم في ٢٠٢٢، جراء السياسات الاقتصادية الخاطئة لرئيس النظام التركي رجب أردوغان وبفعل أطماعه وتدخلاته الخارجية في شؤون الدول ذات السيادة ومنها سورية، قد تزيد من وهن وضعف الحكومة التركية بما يرغمها على تقديم تنازلات لروسيا في الملف السوري، لاسيما مع تنامي فرص المعارضة التركية في الاستحواذ على السلطة في انتخابات العام القادم وحاجة أردوغان إلى حبل نجاة، قد يتمثل في موسكو، لانتشاله من ورطته، في ظل افتراق سياسته عن واشنطن ونأيها عنه في ملفات عديدة ضاغطة على حكمه.
واعتبر المراقبون أن الخيار العسكري لموسكو ودمشق في «خفض التصعيد» يبقى قائماً وبقوة مع بقاء مبررات وجوده مع تقديم الأولى مرونة لواشنطن في «الملف الإنساني»، وتظل مكافحة الإرهاب أولوية لروسيا والولايات المتحدة طالما بقي إرهابيو «القاعدة» في ظهراني المنطقة التي «دوام الحال فيها من المحال»، وفق توصيف المراقبين.
الوطن